الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

التعريب والترجمة

التعريب والترجمة
19 ديسمبر 2007 01:46
كانت المصطحات الأدبية متداخلة في بدايات عصر النهضة، وذلك على نحو شمل أنواع الأدب المتعددة، ولذلك كان اصطلاح الرواية يطلق على المسرحية، والعكس صحيح بالقدر نفسه، ولم يكن هناك فارق بين ما أصبحنا نعرفه من فوارق بين الأقصوصة والقصة القصيرة والرواية، فالأولى أصبحت ترادف أصغر أشكال القصة القصيرة، والثانية أصبحت فنا سرديا يتميز عن الرواية بالقصر والتكثيف، وقد شمل هذا التداخل والتبادل كلا من الترجمة والتعريب، ففي البداية كان التعريب مرادفا للترجمة، خصوصا حين يتدخل المعرِّب في النص الأصلي فيضيف إليه أو يحذف منه، حسب اعتبارات بعضها سياسي، على نحو ما يفعل رفاعة الطهطاوي حين عرَّب رواية فينلون الفرنسي مغامرات تليماك باسم مواقع الأفلاك في وقائع تليماك، وأضاف إليها من عنده ما جعل من ترجمته تعبيرا سياسيا غير مباشر عن رأيه في الحكم الاستبدادى للخديوي عباس الأول الذي نفاه إلى السودان، وظل هناك إلى أن أتيحت له فرصة العودة، ولم ينس أثناء إقامته في منفاه القيام بتعريب رواية فينلون التي كانت مكتوبة أصلا لتعليم قواعد الحكم الصالح بواسطة القص الذي يتحول إلى تمثيل كنائي، وقد وجد رفاعة في تعريب الرواية فرصة النطق بما لا يمكن النطق المباشر به من الخطاب السياسي المقموع؛ ولذلك كان يطلق على عمل رفاعة اسم تعريب، خصوصا إذا قارنا بين النص الذي تولَّى تعريبه والترجمة الكاملة الأمينة التي قام بها المرحوم عادل زعيتر، حين ترجم الأصل الفرنسي بعنوان مغامرات تليماك بعيدا عن السجع والتصرف ولم يكن ما فعله رفاعة بالأمر الغريب أو النادر، فقد مضى في إثره تلميذه محمد عثمان جلال الذى قام بتعريب رواية بول وفرجيني تحت عنوان المنى والأماني والمِنَّة في حديث قبول وورد جنَّة، والمسافة البعيدة بين الأصل والتعريب كاشفة في هذا السياق، ودالة على جهد المترجم في أن يعرب الأصل الفرنسي، ويعيد صياغته على نحو يتقبله ذوق العصر، وهو الأمر الذي لم يكن بعيدا عن ما كان يطلق عليه اسم التمصير مثلا، وهوعملية كانت تستبدل بالاسم الأجنبي اسما عربيا يشابهه صوتيا إلى حد ما، ويكتسب صفات وملامح مصرية أو عربية، وهذا هو ما فعله مترجمو الكاتب المسرحي الفرنسي الشهير موليير الذين حوّلوا شخصيته المسرحية الشهيرة ترتوف وجعلوا منها الشيخ متلوف، وكان ذلك مثالا لكثير غيره في القرن التاسع عشر، خصوصا في نصفه الأول، حين لم يكن هناك تمييز بين الترجمة والتعريب، وكانت الترجمة تعريبا في أغلب أحوالها· وقد ظلت آلية التعريب باقية إلى النصف الأول من القرن العشرين، خصوصا حين كان يقوم المترجم باستبدال النماذج الأجنبية بنماذج عربية، ومثال ذلك ما فعله زكي نجيب محمود عندما ترجم كتاب شارلتون فنون الأدب إلى اللغة العربية، فقد تعمَّد عدم ذكر النصوص الشعرية وترجمتها، واستبدل بها نصوصا شعرية عربية وكان ذلك، في زعمه، تقريبا من محتوى الكتاب الإنجليزي الأجنبي إلى القارئ العربي الذي لا بد أن يزداد فهما إذا كان المثال عربيا، لكن مع مرور الوقت وتقدم الدراسات الإنسانية والاجتماعية، تأصل نوع من التمييز الحاسم بين الترجمة والتعريب وكانت النتيجة أن أصبحت الترجمة هي ما يمكن تعريفه على النحو التالي، نقل خطابات المعرفة والإبداع على امتداد الكواكب الأرضي من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، أو من اللغة العربية إلى غيرها من اللغات الحية، وقد استقر مصطلح الترجمة مع تأصيل التعريف السابق والتسليم المباشر أو المضمر به· ولكن ذلك لم يقض على مصطلح التعريب تماماً، فقد ظل الاصطلاح، ولا يزال، موجودا فى أقطار المغرب العربى الكبير التى وقعت تحت هيمنة النزعة الفرانكفونية تخصيصا، وغلبة اللغة الفرنسية على كل شيء تحديدا، وكان الصراع ضد الاستعمار الفرنسي مرتبطا باستعادة الهوية العربية والحفاظ على لغتها التي لا تزال عنصراً أصيلا من عناصر الهوية والقومية، ولذلك لا يزال يستخدم مصطلح التعريب في أقطار الغرب، لا بوصفه مرادفا للترجمة، وإنما بوصفه إحلالا للغة العربية في التعليم محل اللغة الأجنبية، وتوسيع اللغة العربية بإدخال مصطلحات جديدة عليها، وإلزام الإدارة بعدم استعمال لغة دون اللغة العربية التي أصبح من اللازم أن تكون لغة التخاطب، وهو الأمر الذي جعل التعريب في النهاية قرين العملية التي تجعل اللغة العربية أداة صالحة للتعبير عن كل ما يقع تحت الحس وعن كل ما يختلج في ضمير الإنسان العربي، في أقطار المغرب التي عانت طويلا، وظلت تقاوم عمليات الفرنسة، وكان التعريب سلاحها الأول في تأكيد انتسابها إلى القومية العربية وثقافتها التي هي عامل من عوامل الوحدة العربية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©