السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سِقْط اللِّوَى···بين التناص والسرقة

سِقْط اللِّوَى···بين التناص والسرقة
19 ديسمبر 2007 00:39
لم يَكْلَفِ النقّادُ والسِّيمَائيّون، في العالم، وخصوصاً في فرنسا، في العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين، بمقدار ما كَلِفوا بنظريّتَيِ التناصِّ والسيمائيّات الأدبيّة يَلُوكونهما لَوْكاً، حتّى أمسَتا ضرْباً من الابتذال النّقديّ! ويعزّز حكمَنا هذا أنّ معظم النقّاد المعاصرين لم يفُتْهم التعرّض لمسألة التناصّ في كتاباتهم، قصْداً أو عرَضاً· وقد اتّفق النُّقّاد الفرنسيّون على أنّ جوليا كرستيفا هي أوّلُ مَن أطلق على هذا المفهومِ مصطلحَ: Intertextualité وذلك سنة ·1967 غير أنّا لا نعتقد أنّ كرِسْتيفا نزل عليها هذا المفهوم من السماء فاستأثرت به وحدَها، ففكرة التناصّ وُجِدت في الفكر النقديّ الإنسانيّ منذ القديم، وقد عُرفت عند العرب تحت مصطلح ''السرقات الأدبيّة''؛ فقد كان علي بن عبد العزيز الجرجانِيّ صاح مستنكراً صدقيّة السرقات الأدبيّة، قائلاً ما معناه: إذا كان هذا الشعر مسروقاً فالكلام كلّه مسروق! كما عالج فكرة التناصّ، أبوعثمان الجاحظ في أكثرَ من موطن من كتاباته· وأمّا نحن فقد كتبنا، في آخر ما كتبنا، فصلين كاملين عن هذه النظريّة· كما كتب غيرُنا من النّقّاد العرب المعاصرين كثيراً عن هذه المسألة أيضاً: من المغرب والمشرق معاً· وقد خصّصت مجلّة ''الفكر العربيّ المعاصر'' ببيروت عدداً خاصّاً ساهم في تحريره طائفة من النقّاد العرب· بدأ الحديث يدور عن مفهوم التناصّ منذ مطالع الأعوام الثمانين من القرن العشرين في كتابات محمد مفتاح، وعبد اللّه الغذامي، وصبري حافظ، وبشير القمري، وصلاح فضل، وعبد الملك مرتاض، وغيرهم، وإن لم يصطنع بعض هؤلاء مصطلح ''التناصّ''، فِعْلَ عبد اللّه الغذاميّ بحكم عدم سيرورةِ المصطلح بين النّقّاد العرب، الجدد، سيرورةً كاملة يومئذ··· وأمّا في الفكر النقديّ الفرنسيّ فإنّه شاع استعمال هذا المصطلح على يد جوليا كرستيفا، كما سبقت الإيماءة إلى ذلك، ثمّ أفاض النّقّادُ الفرنسيّون الجدُد في اصطناعه مثلُ رولان بارت، وقريماس، وميشال أريفي وسَوَائِهِم، على الرّغم من أنّ فكرة هذا المصطلح كانت دائرةً جارية بين النّقّاد الفرنسيّين قبل جوليا كرستيفا تحت مصطلح ''السرقة الأدبيّة''، كما كان ذلك جارياً في النقد العربيّ القديم، حَذْوَ النعل بالنعل، حيث إنّه كان سبقها إلى ذلك الروائيّ والناقد الفرنسيّ جان جيرودو (1882 ـ 1944) حين قال: ''إنّ السّرقة الأدبيّة هي أساس كلّ الآداب، باستثناء الأوّل منها المجهول على كلّ حال''· فهذا القول هنا، وهو لجان جيرودو، يثبت أنّه هو صاحب نظريّة التناصّ في الأدب الفرنسيّ، إن لم يكن، هو أيضاً، سبقه آخَرُ، أو آخَرون، لتأسيس هذه الفكرة، لا جوليا كرستيفا وأصحابها، وإن لم يُطْلِق عليها، هو أيضاً، مصطلح ''التناصّ'' حين كان يتحدّث عن هذه الفكرة، بل اصطنع مصطلح ''السرقة الأدبية''· ولهذا الحديث بقيّة لا يتّسع المقام لمعالجتها هنا·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©