الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن تحولات الذائقة

عن تحولات الذائقة
19 ديسمبر 2007 00:38
تمر الذائقة العربية بمراحل متتابعة من التطور، فمن الملاحظ أن الأجيال الماضية كانت تغلب عليها النزعة الأدبية، وحب الشعر بصفة خاصة، وأن هناك جنوحا جديدا إلى سيادة الثقافة الإعلامية والرقمية، مما قلّص نسبيا من قدرة الجمهورعلى حفظ الشعر، أو على الأقل الاستمتاع بتذوقه· وتصدى بعض النقاد بحسن نية لتدعيم انصراف الناس عن الشعر، إما بإدانته في تأسيس وعي مغلوط بمنظومة القيم السائدة في الحياة العربية، وتكريسه لمفاهيم الفحولة والحكم المطلق والاستبداد، وإما باعتبار الرواية ''ديوان العرب'' الجديد الذي حلّ محل الشعر، مع أن الفنون القولية والبصرية تنبثق من نبع جمالي واحد· ومن ثم فإنها مثل السوائل في الأنابيب المستطرقة، تثرى بازدهار بعضها، مثلما حدث مع الشعر العربي القديم الذي كان يستقطب وظائف فنون الموسيقى والتصوير والنحت والرقص· فإذا أخذت هذه الفنون حظها في مجتمعانتا المحدثة ارتوت بماء الشعرية الرائق· لكن يظل الشعر مهوى روح العربي الأصيل وعشقه الأول مهما فتنته الأشكال الإبداعية الجديدة· ومازلت أذكر آخر وصية تلقيناها في المجلس الأعلى للثقافة في مصر من عملاق الرواية نجيب محفوظ وهي إذكاء روح العناية بالشعر باعتباره جوهر الثقافة العربية· وقد أخذ بعض الباحثين المتعلجين على الموروث الشعري في جملته أنه يتسم بالتناقض· فإذا قال أحدهم تغنيا بحب الجماعة وتغليب نزعة الإيثار والتضحية: فلا هطلت عليّ ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا وجدنا في تراث شاعر آخر مايكرس الأنانية المفرطة في قوله: إذا مت ظمآنا فلانزل القطر ومع ما يعتري المواقف الإنسانية من تباين طبيعى، فإن هذا الاختلاف يتيح الفرصة للقراء للتمثل بما يلائم حالاتهم من شعر· لكن التحليل النقدي سرعان ما يكتشف تناغم القولين طبقا لسياق كل نص، فالشاعر الأول هو رهين المحبسين أبو العلاء المعري، ولايخلو الأمر من مفارقة أن يكون المتوحد الأكبر هو داعية الإيثار وحب الخير للجماعة، لأنها تعني بالنسبة له أسلافه أيضا من العلماء الشعراء والمجايلين له، فيقول بنبرة إنسانية صادقة ومؤثرة: ولو أني حبيت الخلد فردا لما أحببت بالخلد انفرادا فلا هطلت علىّ، ولابأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا فالجنة مع الوحدة والانقطاع عن البشر هي الجحيم كما يقول فيلسوفنا، وليس الآخرون هم الجحيم كما تقول الفلسفة الوجودية المحدثة· أما الشاعر الآخر فهو العاشق الفارسي أبو فراس الحمداني الذي كان يتحدث عن الحب قائلا: معللتي بالوصل، والموت دونه إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر وأحسب أن الحب هو الشيء الوحيد الذي تحمد فيه الأنانية، لأنه في صميمه غواية للتوحد الخلاق المؤدي للتوالد الجماعي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©