الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوق العرصة في الشارقة·· باب على الدهشة

سوق العرصة في الشارقة·· باب على الدهشة
15 ديسمبر 2007 21:56
إذا كنت من عشاق التحف القديمة، ننصحك بعدم الذهاب إلى سوق العرصة، وبخاصة في الأيام الأولى من الشهر، لأنك ستنفق كل ما في جيبك ولن تجد من يقبل منك بطاقة الفيزا! فهذا المكان لا يعرف سوى لغة ''الكاش'' الذي يتحرك بسرعة بين أيدي المواطنين والمقيمين أو السياح والزوار المهمين· الفنان نور الشريف واحد من الذين زاروا هذا السوق ففتنه، ليعرب عن سعادته بوجود مثل هذه الأسواق الشعبية الفلكلورية التراثية التي تعبر بصدق عن الهوية الخليجية والعربية بكل ما تحويه من فنون شعبية أصيلة يجب الحفاظ عليها للأجيال القادمة· عندما تدخل سوق العرصة ستدرك على الفور لماذا كان يعتبر أيام زمان وسيلة الترفيه الأجمل، فللمشي في ردهات الأسواق ومصافحة العيون للجديد من البضائع العجيبة والطازج من الزاد والفواكه والخضروات نكهة فريدة، خاصة وأن بعض المحال تتميز بروائحها الجميلة التي تختلط فتصنع مزيجا عطريا أثيريا ينساب في الهواء بدءاً من رائحة الخبز الفائرة من التنور إلى رائحة الحلوى الممزوجة بطيب الهيل والزعفران وماء الورد ونفحات الأعشاب الطبيعية والعطور المتطايرة من محلات العشَّابين والعطّارين، لذلك كله شكل الذهاب للسوق طقسا رائعا لآبائنا وأجدادنا البسطاء· وفي وصفه للحياة القديمة للإمارات يذكر المصور البريطاني الراحل ''رونالد كودراي'' الذي اتخذ من الإمارات موطنا عاش فيه أكثر من نصف قرن، أن بعض أبناء الإمارات وخاصة البدو وسكان المناطق البعيدة عن المدن كانوا يقطعون مسافات طويلة تمتد لآلاف الأميال مشيا على الأقدام أو على ظهور الجمال إلى وجهة ينتظرون الوصول إليها بفارغ الصبر، وهي السوق التي يعد الدخول إليها مناسبة استثنائية يجري الاستعداد لها بشكل خاص، فتراهم يلبسون أجمل ما عندهم ويتطيبون بأفخر العطور قبل وضع أقدامهم على أرض هذا المكان الساحر العابق بنداءات الباعة والأجراس والخلاخيل المعلقة في رقاب وأرجل الحيوانات أو إيقاع صرير عجلات عربات الحمالين التي كانت تعد الوسيلة الوحيدة للشحن والنقل، وهكذا كانت الأسواق الشعبية مهرجانات حية دائمة وخاصة في أيام المناسبات العزيزة كالأعياد ومواسم الحج التي تكتظ فيها جنبات وأرجاء الطرقات الحميمة الضيقة بخطوات التجار والبائعين والحمالين والنساء والأطفال· أقدم الأسواق يعد السوق من أقدم الأسواق في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث تم تشييده قبل ما يقارب 200 سنة، ويحتوي على البضائع القديمة والنادرة والتي كان أجدادنا وآباؤنا يجلبونها أثناء سفرهم إلى دول شرق آسيا وأفريقيا مثل الهند والسند وزنجبار، وما زال يحافظ على شكله القديم والأثري ويعود الفضل في ذلك إلى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة الذي أمر بترميمه كسوق عتيق، وإعادة بنائه على الطراز التراثي القديم لاهتمام سموه بالتراث الإماراتي الأصيل والفن المعماري العريق الذي تميز به التراث العربي عبر العصور· وتقوم إدارة التراث بدائرة الثقافة والإعلام حاليا بالإشراف على السوق، حيث تحرص على تنظيم معارض موسمية لإحيائه، ففي خطوة متميزة منها قامت باستحداث سوق الجمعة إحياء لسوق العرصة القديم وذلك لتخصيص يوم الجمعة من أول كل شهر وعلى مدار السنة ليكــون سوقــاً مفتوحاً يقام في الساحة، وتعاد فيه نماذج البسطات وعرض البضائع المكشوفة رغبة في الترويج لهذه الأسواق وجذب المرتادين من المواطنين وغيرهم من عرب وأجانب، إضافة لاستقطاب الأفواج السياحية والزيارات الرسمية· أصل التسمية من أين جاء اسم العرصة!؟ العرصة عبارة عن مساحة بسيطة تقصدها الإبل والمطايا المحملة بالبضائع والتي كان يحضرها البدو من داخل البلاد وعمان· وسمي بالعرصة لازدحامه بالركاب والمطايا والبشر· والعرصة من أسماء يوم القيامة كما هو معروف، حيث يقال: ''عرصة جهنم'' أي زحمة جهنم، وكان هذا الموضع يزدحم بالجمال والركاب والمطايا والبشر· وفي هذا السياق يقول الباحث حسين ابراهيم علي البادي: ''كنا نرى السوق واسعة وكبيرة رغم كثرة الركاب التي تبرك فيه وتلك الخارجة والداخلة إليها وخلق الله والناس، والآن حين نمر في تلك البقعة نراها صغيرة وضيقة ولا نكاد نصدق أنها بنفس السعة والهيئة التي كانت عليها في السابق ولا نعرف تفسيراً لذلك· وكانت تباع في هذا السوق البضائع التي كان يحضرها البدو أيضا مثل الهمبة (المانجو) القادمة من الباطنة في سلطنة عمان وكان يحضرها عامة البدو ولا تختص بها قبيلة بعينها وكانت تباع كل 100 حبة بثلاث روبيات، وكانت تعبأ في ''الخصافة أو اليواني'' (الشوالات)· سوق الساحل كان السوق القديم يقع على الساحل حتى يكون قريباً من مرفأ السفن والقوارب التي كانت تأتي محملة بالبضائع، هذه المميزات جعلت منه مجمعا لتجارة الجملة، ليبيع فيه التجار كافة أنواع البضائع، من ملابس وأدوات منـزلية ولحوم وخضار، بالإضافة إلى الأحذية والأدوات الفخارية والحطب وغيرها· وكان بالسوق مقهى شعبي وخباز تقبل عليه القبائل العربية المجاورة، وتقصده السفن القادمة من بلاد فارس والهند المحملة بالبضائع، ولذلك امتاز السوق بتنوع معروضاته وكثرة رواده· وكان أحد مصادر الرزق لأهل الشارقة وتجارها وكيانا اقتصاديا مهماً للإمارة، كما أنه لم يكن مكاناً لعرض المنتجات واستقبال البضائع وبيعها فقط، بل ملتقى للناس حيث كانت تتم فيه الاتفاقيات بين النوخذة والبحارة بشأن رحلات الغوص لجمع اللؤلؤ، وفي المقهى الواقع في السوق كان يتم تناقل الأخبار فيتبادل الرواد المعلومات والأحاديث· أما اليوم فإن معظم مرتادي السوق هم من السياح الأجانب الذين يقبلون على شراء التحف والقطع الأثرية· عجائب السوق * تضم السوق خناجر يمنية وعمانية قديمة يصل عمرها إلى 120 سنة وتتراوح أسعارها من 2000 إلى 5000 درهم· * تعج السوق بالحلي الفضية والقلائد والأساور التي يقبل عليها السياح الأوروبيون وتباع بسعر حوالي أربعة دراهم للجرام، أما الفضيات القديمة فتباع بالكيلو!· * أثمن البضائع التي تنتشر بالسوق هي السجاد اليدوي الإيراني الذي يتراوح سعر القطعة الأصلية منه ستين ألف إلى ثمانين ألف درهم، ويزيد السعر تبعا لنوع النسيج ودقة الشغل حيث توجد ألف غرزة في السنتيمتر الواحد في الأنواع الفاخرة!، ولكن تتوافر أنواع عادية أخرى بأسعار شعبية· *أروع ما يمكن لمسه باليد في سوق العرصة هي عقود اللآلئ الطبيعية التي تبدأ أسعارها من 1500 حتى6500 درهم ومعظمها من ماينمار وبارما حيث يندر وجود اللؤلؤ الإماراتي والخليجي في السوق حاليا· * لعشاق جمع العملات هناك خيارات عديدة من العملات الإماراتية والخليجية والعربية والعالمية القديمة لكن العملات الأكثر انتشارا هي العملات التي تحمل صور الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، كما توجد صحون عرض من البورسلان تحمل صور واسم ''صاحب الجلالة الهاشمية جلالة الملك فيصل الثاني المعظم'' بحسب العبارة المنقوشة حرفيا على الصحون· كما تنشر الصور الفوتوغرافية القديمة للشيخ زايد ''رحمه الله'' والعديد من حكام الإمارات وأفراد عائلاتهم· * من أغرب ما وجدناه في السوق تماثيل نصفية من البرونز وتماثيل معدنية لشخصيات قادمة من أعماق التاريخ مثل القائد الألماني أدولف هتلر، والقائد السوفييتي جوزيف ستالين والإيطالي موسوليني، والسؤال المحير من أين جاءت هذه التماثيل وكيف وصلت للسوق واستقرت فيه؟!· * التحفيات الزجاجية الحديثة لا حصر لها، إلا أن الأغلى ثمنا في العرصة هي التحفيات والأواني الزجاجية الإسلامية المنسوبة للعصر العباسي حيث تتراوح أسعار القطعة الواحدة ما بين 500 و700 درهم· * آلات أيام زمان لها حيز كبير في السوق من أهمها آلات الغطس المعدنية الثقيلة و''الراديوهات'' الخشبية والأسطوانات الإماراتية والخليجية القديمة التي يصل سعر الواحدة منها إلى 140 درهما، كما وجدنا هاتفا قديما معروضا بألفي درهم، وآلة كاتبة عربية قديمة من عهد الملك فيصل الأول بالعراق معروضة بسعر 1700 درهم· كما توجد العديد من كاميرات التصوير القديمة· * المشغولات النحاسية لا حصر لها وأغربها هوادج خاصة بالجمال ذات السنامين! وهي جمال غير موجودة أصلا في دول الخليج العربي، أما أطرف ما عثرنا عليه فهي قوارير المشروبات والمرطبات القديمة مثل السينالكو والكراش وزمزم وكولا
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©