السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المرش.. أريج البيوت

المرش.. أريج البيوت
15 ديسمبر 2007 21:55
حسناء فارعة، طويلة العنق، قدها الزجاجي الشفاف موشى بالزخارف، مزين بالذهب تارة وباللجين أو النحاس تارة أخرى· تختار من ألوان قوس قزح ما تشتهيه لوناً لطلتها، تعتمر غطاءً مدبباً بفتحات تسمح لقطرات ماء الورد بالمرور ونشر الأريج، فتنضح أنفاسها بطيب العطر· هذه الممشوقة القوام، آنية تبلغ من العمر آلاف الأعوام، عرفها العرب قديماً، واشتهر الفرس والهند بصناعتها من شتى الخامات بما فيها الخشب، وتعددت بين الشعوب أسماؤها فمنها ''المرش'' و ''المرشة'' و ''المرشاشة''· للرجال فقط! الظريف في أمر هذه الأداة - العبوة، أنها ليس كما يُعتقد بأنها إحدى أدوات زينة المرأة قديماً، فما كشفته بعض الرسوم والعبارات الهيروغليفية، يفيد بأن استخدامها في عصر الفراعنة كان يقتصر على الرجال من دون النساء لأن طريقة استخدامها تحتاج طي ساعد اليد ونفضها بقوة لا تليق بالنساء· وكان العبيد هم من يقومون بمهمة تعطير السادة -بحسب التصنيفات الطبقية آنذاك- بينما كانت علبة عطور النساء عبارة عن سيخ صغير يُدس في قلب قارورة زجاجية ثم يُمسح به العنق· لكن ثمة رأياً آخر تعلنه كتب التاريخ التي تشير إلى وجود ''المرش'' وانتشار استخدامها في عصر صدر الإسلام، وما تلاه من عصور، وكانت النساء -أسوة بالرجال- في معظم المناطق العربية تستخدمنها للتعطر، كما تُعطّر بها البيوت كبديل للبخور أحياناً· وقد وردت في عدة مشاهد درامية لقطات لـ ''لمرش'' كمسلسل ''صلاح الدين الأيوبي'' حين رش الخليفة العاضد لدين الله وكذلك شقيقته سيّدة المُلك ماء الورد منها· وتتفق كتب وإصدارات التراث التي تُعنى بالحياة الاجتماعية والبيئات المحلية لكل البلاد العربية -بخاصة التراث الشعبي للإمارات- على كون المرش عبوة تعطير للجنسين، إنما تفوقت (هي) عليه في استخدامها لعدة أسباب· ابحث عن المرأة لعل اعتبار المرش لدى جداتنا، إحدى أهم الأدوات الجمالية القديمة المتصفة بالرائحة الذكية وسهولة التحضير والاستخدام، شكّل السبب الأساس في زيادة إقبالها على استخدامها· كذلك فإن بداية معرفتها بها تكون في فترة الإعداد للزواج، وهكذا ارتبطت لديها بمناسبة خاصة ومشاعر دافئة، وكانت العروس تحرص على شرائها لتكون في مقدمة جهازها مع باقي أدوات زينتها وحليها، لأنها آلة العطر والعلبة أو العبوة التي تحفظه (كان الباعة يشترون ''المرشّات'' من السفن القادمة من إيران والبحرين وسلطنة عمان)· وإذا أضفنا الاعتقاد التقليدي بأن ''ماء الورد'' يطرد الرجس والشر والشؤم من المكان الذي يعبق فيه، تكتمل أسباب تفوق المرأة على الرجل في استخدام ''المرش''، خاصة وأن الرجل كان يعتمد في تعطره على البخور· وفي العقدين المنصرمين باتت ''المرش'' وسيلة ترحيب وتكريم للضيف، وعادة محببة، إذ لا بد من وجودها إلى جانب مبخرة الدخون وقوارير دهن العود والمسك والعنبر والعطور المحلية المستحدثة، التي تقدّم للضيوف قبل انتهاء زيارتهم· ورسخ هذه العادة اعتبار المرش من إحدى أدواتنا التقليدية التراثية التي وصلتنا عن الأجداد، وصار استخدامها يشمل النساء والرجال والصغار والكبار على حد سواء، كما تستخدم لتعطير الملابس وغرف المنزل ومفروشاته وأغطية الأسّرة ومفارش الطاولات· ومع تطور صناعة العطور الأوروبية العصرية وانتشار علبها الزجاجية الفاخرة والكريستال المزود بالبخاخ العطري في أسواق الدولة، بدأ استخدام ''المرش'' يقل مؤخراً، نظراً لندرة استخدام ماء الورد· لذا لجأت الكثير من المحال التجارية إلى استيرادها من إيران والهند وسلطنة عمان، وشجعت المعارض التراثية على تصنيعها محلياً في ورشات مخصصة لضمان استمرارها كتفصيل تراثي حميم، و قطعة ديكور جميلة يمكن أن توضع في غرفة نوم المرأة أو تزين طاولة المجلس أو ركناً في غرفة الضيوف· أشكال وألوان سواء ذهبت إلى سوق شعبي قديم أو مركز تجاري عصري، بحثاً عن ''المرش''، سوف تجد طلبك، فثمة نماذج منها ذات طراز تراثي، مصنوعة من النحاس أو الفضة، وهناك نماذج من الكريستال أو الخشب ذات أشكال مبتكرة: طويلة أو قصيرة أو مرفقة بقاعدة مستديرة أو المتوجة بسدادة مدببة، إضافة إلى الزجاج الشفاف المزخرف برسوم بديعة· كما دخلت عليها الألوان الصارخة كالأحمر والأخضر والأزرق، وأخرى تتناسب مع لون أثاث المجلس أو غرفة النوم· وتتوافر في محال بيع الدخون ودهن العود والمسك والعنبر بأسعار تبدأ من 20 درهماً ولغاية 2000 درهم بحسب نوعها· ولعل دخول الدول الآسيوية -الصين وكوريا- للمنافسة في صناعتها ما يؤكد أن هذه القطعة التراثية التي ترش البهجة مع قطرات ماء الورد، باتت موضة عصرية تفاجئنا بتصاميم جديدة بين حين وآخر، تأسرنا وتلفت أنظار المقيمين والسياح الأجانب·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©