الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النقل··· ونقد العقل

14 ديسمبر 2007 22:51
تبدو الدراسة التي كتبها الدكتور عمر الزاوي، أستاذ الفلسفة بجامعة وهران، بعنوان ''النقل ونقد العقل/ تأمُّلات في الخطاب الفكري عند أركون والجابري''، ذات أهمية خاصة لما تحمله من قضايا جد حساسة في الكتابة الفلسفية المعاصرة، وأهمها العلاقة بين التراث والعقل، ونزوع العقل إلى محاولة قتل النقل (التراث)، من خلال إحداث القطيعة النهائية معه· يدخل الزاوي بهذا العمل إلى فضاء نقد العقل؛ وقد اختار لهذا الغرض دراسة الموضوع من خلال فكر محمَّد عابد الجابري ومحمَّد آركون وهو اختيار نابع من منطلق أنَّ كل تقدُّم فلسفي يتطلَّب اختيار الأنموذج الأمثل الذي يحقّق في ضوء الحوار والمساءلة، التواصل الفكري المثمر، بغية تأسيس تجاور وتضايف ضمن مجال السؤال الفلسفي الخالص· وضمن مطاوي هذه الدراسة نجد أسلوباً رائعاً، ولغة بديعة، وهمّاً حضارياً يتجلى في حرفة السؤال، وسعة الأفق، وبارقة الأمل· وقد أبدع الزاوي مقاربة بين مدرستين مغاربيتين؛ مدرسة تدعو إلى نقد العقل العربي (الجابري) ، وأخرى إلى نقد العقل الإسلامي (أركون)· هذه الدراسة خريطة فكرٍ جديدة، تؤسِّس للموجة الثانية من جيل النَّقد الحضاري بعد جيل التأسيس، وهذا ما يحلو للمفكِّر حسن حنفي أن يرسمه في أفق كتاباته· وبعد أن اطلع الزاوي على ما يُنتج في الفكر العربي المعاصر من كتابات فكرية نقدية، ارتأى أن يلتفت إلى فكرٍ نقدي بصدد التشكيل في بلدان المغرب العربي، وهو فكرة نقدية تصاغ في أهم أبعادها الأساسية حول الإسلام، وحول التراث العربي الإسلامي، وهو ما يسمى بـ ''الخطاب الفكري والنَّقدي حول الإسلام والتراث''· ولاغرو أن الحديث عن الإنتاج الفكري النقدي في الثقافة العربية المعاصرة يجد الإشارة إلى بعض الأسماء الفكرية التي أدلت بدلوها بإغنائها للمشهد الثقافي الفكري النقدي المعاصر· ولا شك في أن أسماء تحضر بقوة من خلال كتاباتها ومساهماتها القوية، خصوصاً تلك التي اختارت موضوعاً لها الثقافة العربية الإسلامية في أعمق معانيها، أي الفكر والفلسفة وعلم الكلام والتصوف والفقه··الخ، وبكلمة واحدة التراث الفكري العربي الإسلامي، أما الأسماء التي ساهمت في قراءة وتأويل التراث فهي تختلف باختلاف طبيعة المقاربات معرفياً ومنهجياً، وكذا اختلاف المرجعيات الفكرية والمفاهيمية التي تقف وراء إنتاج كل واحد من هؤلاء· إلا أنه، وعلى الرغم من التصنيفات الشائعة التي تطرح عادة ثلاث خانات فكرية هي: القراءة السلفية، والقراءة الماركسية، والقراءة الليبرالية، فإن اشتراك والتقاء كل هذه النزعات الفكرية حول موضوع واحد هو التراث، يجعلها تشكِّل في نهاية التحليل ''حركة تراثية'' تنشد إعادة إنتاج معرفتنا بذواتنا وذلك بالانخراط الواعي في مشروع حضاري يجسد لحظة النمط النموذجي، على حد تعبير ماكس فيبر· ولا شك في أن هذه ''الحركة التراثية'' تأتي في لحظة تاريخية لها تميزها وخصوصياتها الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية، الشيء الذي يجعل منها خطاباً ثقافياً وفكرياً مشروطاً بكل هذه الشروط ومحدداً بها· ركز الزاوي على عرض ودراسة هذه ''الحركة التراثية'' باعتبارها جزءاً مهماً وأساسياً في اللحظة الفكرية والحركة نفسها التي تتسع لاجتهادات وتأويلات وأسماء عديدة ومختلفة منذ الأفغاني وعبده والكواكبي، مروراً بسلامة موسى، وطه حسين وغيرهم، وحتى الكتابات والاجتهادات المعاصرة مع طيب تيزيني، وحسين مروة، ومحمَّد عمارة، وحسن حنفي، ومحمَّد أركون، ومحمَّد عابد الجابري، وغيرهم· وعليه وقع اختيار الزاوي على جانب من تلك الاجتهادات، وبالتحديد على اسمين هما الجابري وأركون، وجاء اختياره لهذين المفكرين لاعتباراتٍ إجرائية، ولكن هناك اعتباراً أساسياً يقف وراء هذا الاختيار، وهو أن الجابري وأركون هما المفكِّران الوحيدان اللذان تناولا التراث والفكر العربي الإسلامي تحت عنوان مشترك هو ''نقد العقل''، من خلال مشروعين متكاملين الأول تحت عنوان ''نقد العقل العربي''، والثاني ''نقد العقل الإسلامي''· المفكران، إذن، اجتهدا حول شيء اسمه ''نقد العقل'' موضوعه الإسلام والتراث·· هذا الاجتهاد والتأويل هو موضوع نفس بحث الدكتور الزاوي الذي نقترحه هنا، وهو نفسه الذي يشكل ''الخطاب الفكري النقدي حول الإسلام والتراث''
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©