الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تحرير العملة الصينية... محاذير «التسييس»

21 مارس 2010 21:24
لقد كان غضب مسؤولي الحكومة الصينية الأخيرة غريباً لأنه لا مبرر له، فقد ظل الاقتصاديون الصينيون يدعون منذ عدة سنوات إلى تحرير سعر الصرف والسماح له بالارتفاع، حتى يساعد ذلك على وضع حد لاعتماد الاقتصاد الصيني على الصادرات. ولكن حين أشار أوباما في الأسبوع الماضي، إلى هذه المسألة جاءت ردة فعل بكين غاضبة جداً ودون مبرر لها. فقد اتهمه محافظ البنك المركزي الصيني بمحاولة "تسييس" مسألة العملة، مع ملاحظة أن الرئيس نفسه كان قد تحدث قبل أسبوع واحد عن تحرير سعر العملة. ثم أعقب تصريح محافظ البنك المركزي، تصريح آخر لرئيس الوزراء‘ وصف فيه مطالبة أوباما المذكورة، بأنها شكل من أشكال "الحماية التجارية". فما الذي يمكن قوله عن هذا الغضب الصيني؟ نعتقد أنه ليس صحيحاً، وليس هناك ما يبرره. فإن كانت ثمة دولة تسيس مسألة العملة وتمارس نوعاً من أنواع الحماية التجارية لمنتجاتها، فهي الصين. ذلك أن قادة بكين قد سبقوا الآخرين إلى اتخاذ قرار سياسي بربط سعر عملتهم بمستوى منخفض غير حقيقي، حتى يعطي ذلك المصدّرين الصينيين ميزة تنافسية على غيرهم. ومع ذلك فإن في غضب الصين هذا ما ينم عن شعور بعدم الأمان وراء الثقة الزائفة التي ترتسم على وجوه قادتها. كما يكشف هذا الغضب الصيني، عن تذمر النظم الأوتوقراطية الشمولية من الضغوط والمعارضة اللتين أصبحتا مظهراً لا يتجزأ من مظاهر الممارسة السياسية في الدول الديمقراطية. يجدر بالذكر أن تعافي الصين مالياً -بعد الأزمة التي بدت واضحة على اقتصادها- ساعد كثيراً على تحسين صورة قيادتها الأوتوقراطية مؤخراً. وكان نمط النمو الاقتصادي القائم على الصادرات الخارجية قبل كل شيء، قد جعل الصين عرضة للهزات العالمية، على نحو ما حدث في نهاية عام 2008، الذي انخفض فيه نمو الاقتصاد الصيني إلى درجة الصفر تقريباً. ولكن سرعان ما تعافت الصين ليحقق اقتصادها نمواً بلغت نسبته 8.7 في المئة، وهو معدل لا تضاهيها فيه أي دولة من ناحية الدينامية التي يتمتع بها اقتصادها. غير أن غضب الصين وما رأيناه من ردود أفعال كبار مسؤوليها بشأن أسعار العملة، يكشفان عن نقاط ضعفها. ذلك أن الحكومة قد صحبت ذلك التعافي الاقتصادي بإجراءات محددة: فإلى جانب حفز الموازنة الوطنية المعلن، بذلت الحكومة جهوداً كبيرة -غير معلنة- في مجال الحفز النقدي المتبوع بأوامر للبنوك بالتخلص من القروض الممنوحة للعملاء بأسرع ما يمكن. ولكن الذي حدث رغم تلك الإجراءات هو ارتفاع معدلات التضخم، مع غرق البنوك في ديون يبدو أنها لن تسترد مطلقاً، في حين تصارع الحكومة في محاولة منها لسد الفجوة المالية. والآن فربما تتعلم الولايات المتحدة من الصين هذا الدرس القائل بصعوبة التراجع عن خطة معلنة للحفز الاقتصادي. وأول ما يثير قلق الصين هو صعوبة تخفيض معدلات منح القروض. فقد تعهدت البنوك بتمويل المشاريع، ولم يعد ممكناً لها التنصل بسهولة من ذلك الالتزام. والأكثر إثارة للقلق، هو أن في وسع الأموال أن تتسرب إلى مشاريع الفقاعة العقارية، من خلال قنوات محيطة بالنظام المصرفي. وحتى إذا تمت السيطرة على القروض، فربما تفعل البنوك ذلك على نحو أقل كفاءة مما يفترض. والمعروف عن الصين أنها تضع سياساتها المالية اعتماداً على كمية القروض وليس على أسعارها. وعليه من المرجح أن تحصل الشركات والمؤسسات الصينية الحكومية غير المنتجة على رؤوس الأموال، في حين تحرم منه الشركات الخاصة المنتجة. وفي غضون ذلك، ربما ينهض بعض الساسة الإقليميين الطموحين من أمثال "بوكس خيلاي" رئيس الحزب في مدينة شونكنج الغربية، متحدياً بذلك حكومة بكين المركزية. وفيما لو أراد "خيلاي" وأمثاله الحصول على قروض مصرفية لتمويل مشاريع إنمائية طموحة مثل بناء المنازل بتكلفة معقولة للمواطنين، فلن يكون في وسع أحد حرمانه مما يريد. صحيح أن عدم استقرار النمو الاقتصادي الصيني إلى حد ما، بسبب ربط عملة "اليوان" الوطنية بالدولار، لكونه يلزم حكومة بكين بتحديد أسعار الفائدة وفقاً لأسعار الصرف، بدلاً من استخدامها لإدارة تكلفة رأس المال. غير أن هذه الحجج التكنوقراطية كثيراً ما تكبحها الضغوط السياسية. والمقصود بهذا أن المصدرين الصينيين لا يكفون عن ممارسة الضغوط على بكين حرصاً منهم على منع ارتفاع سعر "اليوان"، ولطالما حققت هذه الضغوط هدفها دون أن تفشل في ذلك ولو لمرة واحدة. وليس المصدرون وحدهم هم الذين يمارسون الضغوط المستمرة على بكين. فهناك أيضاً الوطنيون الذين يقفون عقبة أمام تمرير السياسات التي تريدها واشنطن. والمعروف أنه ليس ثمة مسؤول واحد في بكين يرغب في أن يتعرض لتهمة التهاون في سياسات بلاده الخارجية. وعلى المستوى الشعبي العام، أشار كثير من المحللين إلى أن احتجاجات موقع "جوجل" الإلكتروني الأسبوع الماضي على القرصنة الصينية، هي احتجاجات استفزازية مقصودة نسقتها إدارة أوباما ضد الصين. وهكذا تسود في أوساط الصينيين مشاعر الريبة المستمرة إزاء واشنطن. ومهما يكن فسوف تجد الصين نفسها بحاجة ماسة إلى تحرير سعر صرفها، وإلى تقليل اعتمادها على صادرات لم يعد المشترون الأجانب قادرين على شرائها، دون الإفراط في استدانة من شأنها تهيئة الأسواق العالمية لأزمة ائتمانية جديدة، سوف يتضرر منها اقتصادها الوطني قبل غيره من اقتصادات العالم. لكن وفي حين كان أداء الأوتوقراطية الحاكمة جيداً فيما يتعلق بحفز الاقتصاد الوطني، فإنه لم يكن كذلك عندما تعلق الأمر بمواجهة التحديات الهيكلية، مثل إصلاح سياسات العملة الوطنية. سباستيان ملابي محلل اقتصادي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة«واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©