الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سبيفاك وجاك دريدا (3/4)

سبيفاك وجاك دريدا (3/4)
12 ديسمبر 2007 23:21
إن واحداً من أهم نقاشات الناقدة الهندية الأميركية سبيفاك كان تطويرا لما يطلق عليه دريدا ''ميتافيزيقيا الحضور'' في التفكير والثقافة الغربية· ويعني دريدا بذلك بأن الغرب منظّم بواسطة الثنائيات الضدية -مثل الداخل والخارج والذات والآخر- التي تفضل في المرتبة العليا المفاهيم المتصلة بالبداهة والقرب والهوية، في حين تسعى في الوقت نفسه إلى أن تضع المفاهيم المتصلة بالغياب والبعد والاختلاف في مرتبة أدنى· إن سبيفاك حاولت توسيع نموذج دريدا هذا عن طريق الادعاء بأن هذا الموروث الفيزيقي الذي يعطي الأولوية للحضور يمكن اكتشافه في الهوية الاستعمارية داخل الثقافات غير الغربية، ويمكن اكتشافه أيضا في الأشكال المقاومة لهذه الهوية التي تظهر في الأنشطة الثقافية ضد الكولونيالية وما بعد الاستعمار· وترى لذلك أن الأمم الاستعمارية الغربية تحتوي في داخلها على تصنيفات ثقافية عنصرية متأصلة بصورة جوهرية فيها، ويمكن اكتشاف هذه التصنيفات في العمل المضاد للكولونيالية· ولذلك فإن النظرية التي تعمل عليها سبيفاك يمكن وصفها بأنها نظرية تحاول أن تكون يقظة ومحترسة من البنى المفاهيمية للغرب، لأنها مستمرة في التنظيم نفسه، عن طريق اعتبار الثقافات الأخرى هامشية وغير حضارية، ومثل هذه البنى مستمرة حتى بعد زوال الاستعمار، وهي تجعل الغرب يشيّد هويته وفق ثنائية الحضور والغياب والذات والآخر المتأسسة على ادعاء التميز الأصيل والثابت المنبثق المؤيد لفكرة الطبيعة الإنسانية التي تفترض أن الأشياء تبقى ثابتة ومتشابهة· وهكذا فإن مجموعة كبيرة من مقالاتها تهتم بتقويض الأفكار الجوهرية التي تدعي أنها أصلية في الأشكال التمثيلية المنوعة، وتعتقد أن استدعاء وعي التابع الواقع في الصمت عادة ما يظهر في سرد النخب الباحث عن الأصول والوطنية· وتؤكد سبيفاك في أطروحتها ''هل يستطيع التابع أن يتكلم 1988؟''، أن البحث عن التابعية الجديرة بالتصديق والأصيلة هو مشروع مضلل ولا يمكن بلوغه· ويمكن متابعة هذه المسألة عن طريق مثال ''الساتي''، وهو طقس هندوسي تقوم فيه الأرملة برمي نفسها في محرقة زوجها، وهذا التقليد الهندوسي يساعد في فهم ما تطلق سبيفاك عليه ''العزل المضاعف'' للمرأة في الهند، خاصة وأن هذا الطقس الهندوسي منظّم بواسطة العادات الأبوية في الهند، والقانون البريطاني الاستعماري· فالوطنيون الهنود الذين يستندون على النظام الأبوي يؤسسون خطابا مشغولا بنوايا النساء اللاتي يمارسن طقس الساتي، ويرون أن المرأة هي نفسها التي ترغب في أن تموت، في حين أن البريطانيين الذين شرّعوا قانون منع طقس الساتي سنة 1929 كانوا يؤسسون تشريعهم هذا على أساس ينطلق من مفهوم التحضير الشامل والإنسان الطبيعي، وكأنهم يريدون أن يقولوا إن الإنسان الأبيض قد أنقذ المرأة السمراء من الرجل الأسمر؛ ولذلك فإن صوت المرأة يغيب في كلا الموقفين: الموقف الاستعماري والموقف الأبوي· وتصل سبيفاك إلى نتيجة مهمة في فهم تاريخ الساتي، تتمثل في أنه تاريخ للقمع المضاعف وسرد يقوم على المرأة المهمشة والتابعة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©