السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ذكريات درس شوقي (4-4) ؟

ذكريات درس شوقي (4-4) ؟
11 ديسمبر 2007 23:57
كان من حسن حظي أنني أسهمت مع أستاذي المرحوم عز الدين إسماعيل في إعداد الاحتفالية الكبرى بمناسبة مرور خمسين عاما على وفاة كل من شوقي وحافظ اللذين توفيا في السنة نفسها، بعد أن سبق حافظ قرينه شوقي بشهور ورثاه شوقي بقصيدته الجميلة التي يقول فيها: قد كنت أوثر أن تقول رثائي يا منصف الموتى من الأحياء وما لبث شوقي أن أدرك صاحبه في الرابع عشر من أكتوبر سنة ،2391 وماتت بموتهما مدرسة كاملة من الشعر الإحيائي الذي لم يعد يواصل الإضافة إليه شاعر كبير بعد وفاة البارودي في مطلع القرن العشرين ووفاة حافظ وشوقي بعد رائدهما بحوالى ثلاثين عاما· وكنت خلال الفترة التي تفصل ما بين تاريخ فراغي من درجة الدكتوراه 1973 والاحتفال بمرور خمسين عاما على الشاعرين فترة غير قصيرة، تزايدت فيها قراءاتي في كتب الأدب ونقده خصوصا باللغة الإنجليزية، وذهبت إلى التدريس في جامعة وسكنسون - ماديسون بالولايات المتحدة، وعرفت مذاهب النقد الجديدة في ذلك الحين: البنيوية اللغوية، والبنيوية التوليدية وغيرهما·وقد تأثرت بكلتا البنيوتين،وفتنني من الأولى تحليلات رولان بارت النصية،ومن الثانية مفاهيم لوسيان جولدمان ''المفكر والناقد الفرنسي الذي ترك كتبا تأسيسية في علم اجتماع الأدب، مثل: نحو علم اجتماع الرواية، والإله الخفي، وغيرهما من الكتب''، وزاد من تعلقي بلوسيان جولدمان أنني قرأت له بالإنجليزية بحثا تأسيسيا عن ''علم اجتماع الأدب:الوضع ومشكلات المنهج؟''، وأعجبني البحث إلى درجة أنني ترجمته إلى العربية، ومضيت -بعد الترجمة- أتعمق دراسة مفهوم ''رؤية العالم''· وهو مفهوم أساسي -إن لم يكن الأساس- في بنيويته التوليدية· وكان لتتابع قراءاتي في النقد الأوروبي،المترجم إلى الإنجليزية على الأقل، فضلا عن محاولاتي في النقد التطبيقي التي تأثرت فيها بهذه القراءات -مع الجهد الذي بذلته، ولا أزال،في تعريف طلابي بمذاهب النقد الأدبي الحديث- كان لذلك كله تأثير حاسم، جعلني أراجع الكثير من أفكار الصبا، وأنكر بيني وبين نفسي ما كتبته في أطروحة الماجستير عن شوقي وأقرانه، وأنتبه إلى أنني كنت في هذه الرسالة اتّباعيا،مقلدا، لم أفعل سوى أنني مضيت في أثر نظرية التعبير الرومانسية التي تجلّت في كتابات العقاد وطه حسين وعبدالعزيز الأهواني وسهير القلماوي وعبدالقادر القط ومحمد مندور عن أحمد شوقي، ولم أكن في ذلك وحدى،فقد انجرفت إلى الأفق نفسه الذي انجرف إليه صلاح عبدالصبور الذي تابع أساتذته دون مساءلة عميقة أو جذرية لأفكارهم، فلم ير مثلهم سوى الجانب السلبى من تأثر شعراء الإحياء بالتراث فدرسهم على هذا الأساس،ومن عدسات لم تكن ترى سوى علاقات ونواتج تقليدهم القدماء· ولذلك أخذت أسأل نفسى ماذا يمكن أن يحدث لو قمت بتغيير العدسات التى ورثتها عن هؤلاء جميعا، ونظرت إلى شوقى وأقرانه من خلال عدسة جديدة· وكانت العدسة الجديدة عدسة البحث عن ''رؤية العالم''على نحو ما فهمتها من لوسيان جولدمان بعد أن قمت ببعض التعديل لها، ولم أستبق من المفهوم سوى عناصره الجذرية التي ترد رؤية العالم إلى مفاهيم وتصورات الشاعر أو مجموعة الشعراء، على نحو ما يتجلى من خلال الشعر، أو يكشف عنه الشعر، إيماء وإلماحا بالدرجة الأولى، وذلك على نحو يصوغ رؤية ذات أبعاد ثلاثية، متضافرة، متجاوبة، كأنها زوايا مثلث واحد، يتكون من أضلاع تصل ما بين الزوايا الثلاث التي هي: المطلق والطبيعة والإنسان· المطلق من حيث هو خالق الكون وعلته الأولى،والطبيعة من حيث هي معطى للإنسان، يراها في ذاتها، أو يراها في علاقتها بخالقها، و علاقتها بالإنسان، وأخيرا علاقة الإنسان بالإنسان في كل أحواله التي تنعكس، أو يقترن الكثير منها بعلاقته بغيره من البشر في ثنائية ضدية، تجمع ما بين أعلى وأدنى،أو ثنائيات متوازية، تصل ما بين ذكر وأنثى،أو كائن إنساني ونظيره في فضاء العالم والكون الذي تنحل النظرة إليه، في التحليل الأخير، وتتلخص في الزوايا الثلاث:المطلق،الإنسان،الطبيعة،ولا فارق في الترتيب سوى ما تتكشف عنه الأعمال الإبداعية، ومنها الشعر، عن نوعيات متغايرة الخواص، متقاربة أو متباعدة، من رؤى العالم· وأخذت في تطبيق هذا المنظور على شعر شوقي باعتباره نموذجا لأقرانه الذين لم أغفل درسهم من وراء عدسة ''رؤية العالم'' فكانت النتيجة معالجة منهجية أكثر تقدما بكثير في نتائجها وتحليلاتها وتفسيرها من معالجة الماجستير التي اقتنعت أخيرا أنها معالجة دوجماتية، كنت فيها مقلدا للأصوات العالية التي سبقتني، والتي طغت على سياقات الدرس الأدبي حولي وصغرت في عيني نظرتي القديمة الضيقة التي تحكمت في عقلي، وجعلتنى أختزل شوقي وأقرانه من شعراء الإحياء في صفة واحدة وعالم ضيق· وأخذت أدرك اتساع عالم شوقي الشاعر الفذ الذي أصبحت مؤمنا بتميزه، وثراء عالمه، وتعدد جوانب رؤيته للعالم التي لا تزال في حاجة إلى المزيد من الدرس والكشف؟· وفي الوقت نفسه أدركت ضيق أفق أطروحتي للماجستير،فتركتها كما هي،ولم أستعن بها إلا في الكشف عن الجانب السلبي من شعر شوقي وأقرانه،ولكن من خلال منظور متوازن يضع الإيجاب إلى جانب، إن لم يكن قبل، السلب· ولكني لم أندم على ما فعلت، فقد تعلمت من أخطائي ما أفادني،وما جعلني ألحّ دائما على وضع أفكاري واجتهاداتي موضع المساءلة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©