الكوريتان نحو البراجماتية

لا يزال تراث سياسة ''الشمس المشرقة'' الخاصة بالتسوية مع كوريا الشمالية، حيا في ميناء ''موبكو'' المزدهر الواقع في جنوب غربي كوريا الجنوبية، والذي بدأ منه رئيسها الأسبق ''كيم داي جونج'' مسيرته السياسية، ''إنه بطلنا''، هذا ما يقوله الطالب ''بارك يونج سوك'' الذي يتجول في القمم الصخرية لجبل ''يوداي'' الذي يبلغ ارتفاعه 700 قدم، ويطل على المدينة ومينائها المتألق، ويمكن منه رؤية عشرات الجزر الواقعة في ''البحر الأصفر'' أو ''البحر الغربي''، ومواقف السكان في هذه المدينة -الواقعة في أعماق منطقة '' شولا''- تتناقض مع مواقف السكان في بقية مناطق البلاد· فعلى مستوى الأمة بشكل عام، نجد أن المشاعر تجاه هذه السياسة القائمة منذ فترة طويلة ''مختلطة'' أي تتراوح ما بين القبول والرفض، خصوصا بعد أن قامت كوريا الشمالية بتصعيد خطابها ضد الجنوب مجددا في الآونة الأخيرة، وإذا ما كان أداء الحزب اليميني المحافظ، الذي يقوده الرئيس الكوري الجنوبي المنتخب حديثا '' لي مايونج- باك'' جيدا -كما هو متوقع- في انتخابات الجمعية الوطنية، التي ستعقد في التاسع من إبريل، فإن الرئيس سيكون لديه في هذه الحالة الثقة الكافية التي ستمكنه من المضي قدما فيما يطلق عليه ''السياسات البراجماتية'' تجاه كوريا الشمالية· كانت كوريا الشمالية قد شنت هجوما على السيد ''لي'' في افتتاحية صحيفة الحزب الحاكم يوم الثلاثاء الماضي، ووصفته بأنه ''خائن'' و''متزلف'' للولايات المتحدة الأميركية، وذلك بعد أن أدلى جنرال كوري جنوبي بتصريح قال فيه إن بلاده سوف تشن ''ضربة استباقية'' ضد كوريا الشمالية إذا ما استمرت في تهديداتها بشن هجوم نووي عليها، مع ذلك، وفي نفس الوقت الذي تتبنى فيه الحكومة المركزية في كوريا الجنوبية خطا متشددا في التعامل مع كوريا الشمالية، فإن الناس هنا في مسقط رأس الرئيس الأسبق ''كيم'' يوقرون قائدهم السابق، ويعتبرونه بطلا لقيامه بتطوير العلاقات بين الجنوب والشمال بعد نصف قرن من الحروب والأزمات بينهما، ومن المعروف أن ''كيم'' كان يحصل بشكل منتظم على نسبة 95 في المائة من مجموع الأصوات في منطقة ''شولا'' وذلك في الانتخابات الرئاسية الأربعة التي خاضها خلال وجوده في الحكومة، والسؤال الذي يتردد في هذه المدينة في الوقت الراهن هو: هل ستكون سياسات قائدهم السابق قادرة على البقاء والاستمرار تحت حكم الرئيس الحالي ''لي''؟· يشار إلى أن السيد'' لي'' سيواجه اختباره الحقيقي الأول في التاسع من أبريل الحالي، وذلك عندما يدلي الناخبون بأصواتهم من أجل انتخاب الأعضاء الذين سيشغلون 245 مقعدا من مقاعد الجمعية العمومية (أما الـ54 مقعدا الباقية، فسوف يتم تقسيمها بين الأحزاب حسب عدد الأصوات التي ستفوز بها في الانتخابات)، وتشير استطلاعات الرأي التي تم إجراؤها بواسطة الصحف وشبكـــات التلفزيون المختلفـــة في البلاد، تشير إلى أن ''الحزب الوطني الكبير'' وهــو حزب السيد ''لي'' يتوقـــع لــه أن يكســب 150 صوتا وهي الأغلبية التي سيحتــاج إليها ''لي'' للمضــي قدمــا في السياسات البراجماتية نحو الشمال· مع ذلك، وفي الوقت الذي يتضاءل فيه الدعم لسياسة'' الشمس المشرقة'' بسبب تملص كوريا الشمالية من التنازلات التي كانت قد وعدت بتقديمها في الصفقة النووية التي وقعتها منذ عام، فإن هناك عددا قليلا فقط من الكوريين الجنوبيين هو الذي يود حقا التنازل عن التقدم الذي تحقق خلال السنوات العشر السابقة في مجال إعادة الوفاق بين البلدين· ففي شوارع هذه المدينة المزدحمة التي يبلغ عدد سكانها 250 ألف نسمة، لا تزال سياسة الشمس المشرقة تمثل شعارا شعبيا، فواحد من كبار المساعدين السابقين لـ''كيم داي جونج'' وهو السيد ''بارك جاي وون'' لا يزال حتى الآن يواصل الدفع بقوة تجاه الوفاق والتسوية مع الشمال· ومن المعروف أن السيد ''بارك'' قد أمضى ثلاث سنوات في السجن بسبب تورطه في قضية رشوة، يقول: إنه كان له دور في عقد القمة بين البلدين عام ،2000 ويأمل السيد ''بارك'' أن يكون ولاؤه للسيد ''كيم داي جونج'' سببا يمكنه من التغلب على العار الذي يشعر به بسبب قضائه لتلك الأعوام في السجن· ''كيم هونج أب'' الابـن الثاني لـ كيم داي جونج -الذي سُجن هو الآخر في قضية رشوة مماثلة، ثم أفرج عنه فيما بعد- يستند هو الآخر الى شعبية والده وتراثه، في الحملة التي يخوضها حاليا في دائرته الواقعة إلى الشمال من هذه المدينة استعدادا لانتخابات الجمعية الوطنية القادمة، والواقع أن حملته قد حصلت على دفعة قوية، وذلك بعد أن ألقت زوجة أبيه ''لي هي هو'' كلمة أمام عدة آلاف من الناس، حثتهم فيها على تذكر الإنجازات التي ساهم زوجها في تحقيقها في هذه المنطقة، وأهمها كما قالت ''سياسته الخاصة بأننا يجب أن نقاتل من أجل السلام ولا نعيد عقارب الساعة إلى الوراء في مجال المصالحة بين الجنوب والشمال''· دونالد كيرك- سيؤول ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور