الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أبعد نقطة النشوة

أبعد نقطة النشوة
7 ديسمبر 2007 01:29
النشوة وما تعنيه من الاتصال بالآخر موضوع لكل وحدة غير منقسمة، وسعي إلى جهد لا طاقة للإنسان به، إلا أن يلجأ لما هو أقوى منه رمزياً، مُطلِقاً وجوده كحاصل جسد وروح ونفس وعقل، وما إلى ذلك من المسميات التي تأتي في النهاية على تقسيمه، إشارة إلى عجزه المطلق عن إدراك ماهيته· لكنه - الإنسان - يستسلم إلى مناجاة وجوده، تائهاً أو واجداً، مصيباً أو مخطئاً، حيث يجد في كُليَّة معنى الحياة ملاذاً للتعبير عن رفض المتناقض، ودرء أسباب المناعة عن البلوغ إلى ما بعد اللانهاية، التي هي نفسها تحتاج إلى ما بعد لا نهايتها، وهكذا حتى لا يعرف أحدنا أي شيء سوى الرجوع إلى نقطة البدء· وتمتثل الطبيعة باختلاف موادها إلى ذلك، بين الناعم والخشن، الوردة والحجر، وكلٌ يسعى إلى حقيقة وجوده أينما كان وأينما تشكَّل، فما تم قد تم، وسيبقى على ما هو عليه، منذ الأزل وإلى الأبد، وبالطبع مع المفارقة التي تقضي بحض العقل على استمرار البحث، فيما هو منتهٍ ومتكون أصلاً· ومن هنا ما يقوله المتصوف العالم ''أبو اليزيد البسطامي''، في محاجة بين علماء الظاهر وعلماء الباطن: ''إنكم تأخذون علمكم ميتاً عن ميت، وأخذنا علمنا من الحي الذي لا يموت''، إنه كلام عن معنى النشوة معرفياً· وفي كتابه ''تقرير إلى جريكو'' يتقلب الكاتب اليوناني ''نيكوس كازانتزاكس'' باحثا ومحللاً الطريق إلى التصلِّي بنعمة الإدراك، فيقول: (حين أرى مجذوماً أحس أنني أنا المجذوم، لقد عبَّر عن ذلك بأتم وجه الصوفي المسلم في القرن التاسع ''السري السقطي'' بقوله: ''لا يوجد الحب الكامل بين اثنين إلا حين يخاطب كل منهما الآخر بقوله: يا أنا'') إن نشوة من هذا النوع لهي هلاك سعيد لفظاً ودلالة، نظراً لحُمّى التواصل مع غير المرئي، وبمقارنة ذلك بالرقص في ''الديسكو'' تأتي النشوة العملية، بعَرق ولهج أنفاس ومداعبات عضلية مع الوجود· القدمان يمشيان، وسرعتهما تزيد بالجري، وإذا ركبنا الحصان كنا أسرع، والسيارة أسرع، والطائرة أسرع، والصاروخ أسرع، ·· هنا ينتهي ''الديسكو''، وتعود للنشوة مركزيتها القاتلة، لا شيء يرضيها، ولا تراب يملأ جوفها· لم أفهم أبداً الذين يقولون عن اللغة أساطير من المعاني، وقدرات لا حد لها، إلا من الناحية الظاهرية لتكونها، ومرد ذلك إلى الاستسلام لكل ما هو منطقي، حاضر، ويُعَبِّر، ويطمح، ويؤرخ، في المجمل يستقبل ويُرسل· إن ذلك عمل من أعمال الضرورة، وليس من معنىً له حينما يختفي الوجود وراء الكلام الذي أنتجه، ليصبح اتهاماً واضحاً لكل نشوة ممكنة وغير ممكنة، فما يسعى إليه السياسي، تسعى إليه السلطة التي في يده، وما لا يسعى إليه غيره، لا تسعى إليه السلطة التي يملكها
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©