الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خطة مكافحة الإيدز... دروس الذكرى العاشرة

13 فبراير 2013 23:34
حتى بين الأطفال الطموحين وغريبي الأطوار القلائل الذين يرغبون في أن يصبحوا كتاب خطابات عندما يكبرون (وأنا كنتُ واحداً منهم)، لا يحلم أي أحد منهم بكتابة خطاب حالة الاتحاد. ذلك أن هذه الخطابات تميل عادة إلى أن تكون أشياء طويلة لا شكل لها، حبلى بـالكلام السياسي وتتخللها جمل مصممة لتثير التصفيقات. ولكن هناك استثناءات قليلة جداً: إعلان ليندون جونسون الحرب على الفقر، وعدم اهتزاز بيل كلينتون في عرين الأسد بعد انكشاف فضيحته، ثم هناك هذه الكلمات من خطاب عام 2003 قبل 10 سنوات: «الليلة أقترح خطة الإغاثة العاجلة من الإيدز»، قال بوش الإبن، «مبادرة رحيمة تتجاوز كل الجهود الدولية الحالية التي تروم مساعدة سكان أفريقيا. فهذه الخطة الشاملة، ستحول دون حدوث 7 ملايين حالة عدوى جديدة بالإيدز، وستعالج مليوني شخص على الأقل بأدوية مطيلة للحياة، وستوفر الرعاية الإنسانية لملايين الأشخاص، الذين يعانون من الإيدز ولأطفال تيتموا بسبب الإيدز». وبالنظر إلى الوراء اليوم، نجد أن تلك الكلمات لم تكن لافتة وجديرة بالتذكر على نحو خاص. ولكن اللحظة كانت لافتة، والواقع أن مبادرة بهذا الحجم والطموح - أكبر جهد لمحاربة مرض واحد في التاريخ- لم تكن متوقعة بالكامل. ذلك أن أقوى أنصار بوش السياسيين لم يطالبوا بها، وأقوى منتقديه ظلوا متشككين فيها، لبعض الوقت على الأقل. ولكن خطة الإغاثة العاجلة من الإيدز وُجدت كلياً بسبب أو بفضل زعيم اقتنع بجدواها، وفريق مبتكر، وعدد قليل من النشطاء، وحاجة كبيرة وملحة. وأتذكر زياراتي الأولى إلى بلدان أفريقيا جنوب الصحراء كمستشار سياسات للرئيس بوش بعيد الإعلان. فمن أصل نحو 30 مليون شخص مصاب بـ»إتش. آي. في»، كان 50 ألفاً فقط يتلقون العلاج ربما. وكان الوباء قد أنتج 14 مليون يتيم. ونتيجة لذلك، كانت العائلات التي يرأسها أطفال أمراً شائعاً، ولم تكن القرى التي يرأسها أطفال غير معروفة. فحين كان المرء يمشي عبر الأحياء العشوائية الفقيرة، كان يصادف في طريقه في الغالب أجداداً وأحفادهم. وكان الجيل الذي بينهما قد مُحي تقريباً. وكان الملايين يحتضرون ويعانون مع ذلك من عزلة تامة، محاطين بالأسلاك الشائكة للوصم الاجتماعي. وكان متوسط أمد الحياة في البلدان الأكثر تضرراً قد انخفض بـ20 عاماً. خطة الإغاثة العاجلة من الإيدز حظيت بدعم وتحالف غريب. فقد رعاها في الكونجرس النائب «هنري هايد» الزعيم المؤيد للحياة، والنائبة «باربارا لي»؛ إضافة إلى زعيم «الجمهوريين» في مجلس الشيوخ «بيل فريست» من ولاية تينيسي والسيناتور جون كيري. كما انضم «محافظون» دينيون إلى منظمات صحية ليبرالية تاريخياً من أجل الدفع في اتجاه تمرير الخطة التي وُقعت وأصبحت قانوناً بعد أربعة أشهر على تاريخ الإعلان عنها. التطبيق كان سريعاً تحت نظرية وصفها أول مدير للخطة، السفير «راندل توبياس»، بـ»استعد، أطلق النار، صوب». وبنهاية عام 2005 – وبمساعدة من خطة الإغاثة العاجلة من الإيدز والصندوق العالمي لمحاربة الإيدز والسل والملاريا– كان ثمة نحو 800 ألف شخص يتلقون العلاج. رقم ارتفع اليوم إلى 5 ملايين. ولكن، في الذكرى العاشرة لخطة الإغاثة العاجلة من الإيدز، ما هي الدروس التي يمكن أن نستخلصها في هذه المناسبة؟ بعض هذه الدروس لها علاقة بالتنمية. فمما لا شك فيه أن النطاق والجرأة مهمان، غير أن عمليات تعميم تجربة المشاريع النموذجية على صعيد وطني تتطلب خلق أنظمة إمدادات وإدارة وتشجيع المهنية التي يمكن أن تنتشر في النظام الصحي وغيره. كما تقدم خطة الإغاثة العاجلة من الإيدز بعض دروس الفلسفة السياسية أيضاً. ذلك أن الليبراليين كان عليهم التعود على نتائج قابلة للقياس والمحاسبة. والمحافظون كان عليهم التخلي عن تشكك عشوائي في قدرات الدولة. وأتذكر أنني ذكرتُ لزعيم محافظ ذات يوم إنجازات خطة الإغاثة العاجلة من الإيدز باعتبارها مثلا على عمل حكومي ناجح. فرد قائلاً: «ولكن ماذا عدا ذلك؟» عدا إنقاذ بضعة ملايين من الأرواح في قارة بعيدة في أقل من عقد؟ والواقع أن ثمة درساً ممكناً هنا بشأن أميركا. فقد أكد لي أول أستاذ درَّسني العلاقات الدولية أن الإحسان هو دائماً حيلة في التعاملات بين الدول – وأنه لا شيء أكثر من سعي وراء تحقيق المصالح متنكر في ثوب الأخلاق. ولكنني اليوم أعرف – شخصياً – أن ذلك غير صحيح. لقد قال المؤرخ الأيرلندي ويليام ليكي ذات يوم: «إن حملة إنجلترا الحثيثة ضد العبودية قد يمكن اعتبارها ربما من بين الصفحات الثلاث أو الأربع الفاضلة على نحو مثالي الموجودة في تاريخ الأمم». والواقع أن لا شيء إنساني «فاضل على نحو مثالي»، ولكن خطة الإغاثة العاجلة من الإيدز ، تمثل إضافة إلى قائمته. إن أميركا دولة غير معصومة ترتكب الأخطاء، ولكنها أيضاً أمة تقوم بأشياء كهذه. وإذا كان بعض الزعماء ، قد اتخذوا خلال القرن العشرين في اجتماعات حكومية في برلين وبكين وموسكو قرارات أدت إلى مقتل ملايين الأبرياء، فإنني رأيتُ زعيماً يتخذ قراراً من أجل إنقاذ أرواح ملايين الأبرياء. وبعد عشر سنوات على ذلك، مازال ذلك أنبل شيء رأيتُه في حياتي. مايكل جيرسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©