الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السيدة البخيلة

السيدة البخيلة
6 ابريل 2008 02:13
الخادمة التي تعمل في البيت المجاور لنا، إنسانة طيبة وحنونة، أصبحت صديقتي المقربة، عرفت بأنني أعيش مع سيدة بخيلة عيشة البؤس والجوع، وقد أصبحت نحيفة بشكل ملحوظ لقلة الأكل، فصارت توفر لي بعض الأطعمة التي تسرقها من ثلاجة البيت الذي تعمل فيه، مأكولات متنوعة، تفاح، مربى، دقوس، خبز، بيض· كانت تشفق علي عندما أحكي لها معاناتي وشعوري بالجوع لأن سيدتي تغلق باب المطبخ بالمفتاح، ولا تسمح لأحد بتناول أي شيء آخر غير الوجبات الرئيسة الثلاث والتي يكون نصيبي فيها ما يتبقى في الصحون بعد أن ينتهي الكل من الطعام· وهي لا تطبخ أكثر من مكيالين من الأرز ونصف دجاجة فقط لعائلتها التي تتكون منها وزوجها وثلاثة أولاد يعملون بمهن مختلفة، بالإضافة للدراسة· لا أحد يصدقني عندما أتحدث هكذا، لأن زوجها وأولادها قد تعودوا على هذا الوضع فصاروا يأكلون الطعام خارج المنزل في معظم الأوقات، وهم لا يشتكون من بخل أمهم ويعتبرونه حرصاً على أموالهم· فكرت كثيراً بالهرب من جور هذه السيدة وبخلها ولكنني ترددت، فأين سأذهب؟ وإلى من سألجأ؟ وماذا سيكون مصيري؟ عموماً فإن صديقتي وعطاياها السخية كانت تخفف عني الأمر بشكل كبير· في أحد الأيام تجرأت صديقتي وأحضرت ''صينية'' كبيرة مليئة باللحم والأرز، وقالت لي: كلي وأشبعي ففي البيت ''صوان'' كبيرة لأنه عندنا ضيوف· شكرتها بشدة لأن رائحة الطعام كانت تشدني إلى التهامه بالكامل وقلت لها: أخشى أن تتأذي بسببي، لا تتعبي نفسك كثيراً معي فقد تعودت على الجوع مع كثرة العمل والجهد· كنت أغالط نفسي وأكذب لأنني كنت بأشد الحاجة لهذه الأطعمة الشهية التي تصلني منها، ولكن يا ويلي فقد حدث ما كنت أتوقعه ،حيث جاءت سيدتي بشكل مفاجئ وشاهدت ''الصينية'' فتلقفتها من يد الخادمة وأسرعت بها إلى الداخل لأنها اعتقدت بأنها مرسلة إليها من جارتها· بقيت واقفة لا أدري ماذا أفعل بعد أن ركضت صديقتي إلى بيت مخدوميها، فلحقت بسيدتي ووجدتها تتصل بالجارة لتشكرها على الهدية، ولكن الجارة فوجئت بالأمر وأنكرت إرسالها للطعام لأن الضيوف لم يجيئوا بعد، فكيف تقوم بتوزيع الطعام قبل أن ينتهي الضيوف منه؟ هكذا كشف أمرنا بكل بساطة· قامت سيدتي بإجراء تحقيق معي،وطرحت علي أسئلة كثيرة حاولت أن أكون ذكية ولا أتسبب بإيذاء صديقتي ولكني لم أفلح، بعد أن حدث ما حدث وضاع كل شيء· بعد أيام من المعاناة والجوع جاءت صديقتي لثوان وأخذت تعتذر لي عن عدم استطاعتها التحدث معي وإحضار الطعام مرة أخرى لأن سيدتي اتصلت بسيدتها وأخبرتها بأننا أنا وهي نقوم بسرقة بعض الحاجيات ونقوم ببيعها للبقال، فنقبض ثمنها ونتقاسمه سوياً، فما كان من سيدتها إلا أن منعتها من الخروج ومن الاتصال بي، وهددتها بإبلاغ الشرطة إن سرقت مرة أخرى· تضايقت كثيراً لما حدث وبقيت أعاني من الجوع حتى جاءتني فكرة، كانت تلك هي فكرة سيدتي التي لفقتها ضدي، والتي لم تكن تخطر ببالي من قبل· اتخذت قراري وقمت بإيجاد طريقة لدخول المخزن المخصص للمواد الغذائية عبر فتحة المكيف المغطاة بقطعة من الخشب، صرت انتزعها بكل سهولة وادخل المخزن وأملأ كيساً كبيراً بالمواد الغذائية، وفي أقرب فرصة آخذها إلى راعي البقالة فأبيعها له واشتري بثمنها الطعام والحلويات و''البيبسي''· بعد مدة أخبرت صديقتي بما أفعله، ففزعت خوفاً علي وقالت: ألا تخشين أن يمسكوا بك، سيأخذونك إلى الشرطة بلا تردد، قلت لها: لا تخافي، فأنا لا أفعل ذلك إلا إذا تأكدت من خلو المنزل، ثم إن المواد الغذائية متكدسة عندهم وهم لا يدرون عنها، هيا تشجعي وافعلي كما أفعل لتحصلي على بعض المال الذي ينفع عائلتك· استجابت صديقتي لاقتراحي وصرنا نكسب المال بشكل جيد خصوصاً وأن العائلة التي تعمل لديها صديقتي من النوع الذي لا يكترث ولا يدقق في شيء· لم أكن أتوقع أبداً أن أمري سينكشف بهذه السهولة، فبمجرد أن دخلت سيدتي إلى المخزن صرخت بفزع، يبدو أنها كانت تحسب وتعد جميع الموجودات في المخزن، وبمجرد رؤيتها للنقص الواضح عرفت بأن هناك سرقة· لماذا لم أفكر بأن المرأة البخيلة لا يفوتها أن تحسب كل ما عندها وإن كانت مخزنة وبعيدة عن متناول اليد؟ انتظرت قليلاً وأنا أسمع صراخها، تجمدت في مكاني، وما هي إلا دقائق حتى جاءتني وهي تحمل بيدها عصا غليظة، فوثبت من بين يديها وأسرعت بالهرب، ثم تسلقت سور البيت، فهل أكون غبية لانتظر تلك العصا وهي تهوي على رأسي؟ كان تسلقي للسور سهلاً من شدة خوفي ولكن عندما قفزت لم استطع تقدير المسافة جيداً فسقطت بقوة وكسرت ساقي، بعدها لم استطع الركض وبقيت أبكي في مكاني· استغاثت سيدتي بولدها، فجاء وبحث عني فوجدني بهذه الحالة من التألم والبكاء، فأخذني إلى المستشفى حيث قاموا بتجبيس ساقي، استغربت لأنه لم يأخذني إلى الشرطة، فقلت في نفسي: لابد أنهم سيضربونني حتى الموت ولكنهم لم يفعلوا· على الرغم من أن سيدتي كانت مغتاظة مني، إلا أنها لم تضربني وعاملتني بلطف لأنني مريضة، فلربما كانت خائفة من أن أموت فيتورطون بموتي، وربما فكروا بالمبلغ الذي سيضطرون لدفعه من أجل خادمة جديدة· عموماً سارت الأمور بشكلها الطبيعي، إلا أن سيدتي، قامت بقطع جزء كبير من راتبي كل شهر لتسديد كل ما أخذته بالفلس الواحد، كما قامت بإغلاق فتحة المكيف الموجودة في المخزن ومنعتني من الخروج بشكل نهائي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©