تعود'' ألف ليلة وليلة'' ساحة، حكاية، مروية شعبية، لقطات فلكلورية، مسرحية على مسرح امتدت أبعاده حتى بلغت أطراف الامتداد الجغرافي للغة أو لغتين أو أكثر·
مرة جديدة ينمو هذا العمل، فتتقاطر عليه الجهود البحثية والتنموية· ترفده تباعاً وتسوق فيه شيئاً من موروث المدن وقاطنيها في نسق فلكلوري رائع: مشاهدات وجدانية ارتفع فيها الخيال فوق الحقيقة، وتسللت أحداثها خارج نطاق المرئي والمسموع· حطت في عوالم غلبت فيها الأسطورة على حواديت ومرويات شعبية أصبح فيها التاريخ تصوراً أكثر منه حقيقة معلومة·
هذا العمل، بما هو، وبما أصبح بعد ذلك، لا يمكن فهمه خارج صورته التي تتمثل بكتلته النصية وما التصق بها من ولادات نشأت بتأثير الدراسة والبحث في قضاياه·
اختراق الزمان
أحدث ولادة جاءت على يد الدكتور محمد الاسكندراني في طبعة منقّحة صدرت في مجلدين (أربعة أجزاء) عن دار الكتاب العربي· تبين الطبعة الجديدة في مقدمة الناشر أن إعادة حكايات ألف ليلة وليلة إلى الضوء ليس بغرض إحياء قصص وأساطير وخيالات وأسفار ومغامرات· ثمة قيمة أثمن تصب في استعادة مجموعة من الآثار الأدبية المتنوعة في فنونها وأصولها بحيث ''يعتبر هذا الكتاب نتاجاً أدبياً، فكرياً، سياسياً، تاريخياً واجتماعياً''· وثمة حقيقة تقضي أن تطلق الأضواء على تماس صنعته الأزمنة بين الفكر الإنساني بعامة وألف ليلة وليلة بخاصة· فقد امتلكت هذه الظاهرة الأدبية في الكون تواصلاً اخترق حدود الزمان والمكان· كما اخترق جدار الحضارات، فكانت مع الأيام، مظهراً حضارياً له موقعه على كل مائدة حول العالم·
يقسّم اسكندراني ''ألف ليلة وليلة'' في طبعتها الجديدة إلى مجموعتين: الأولى، تعنى بالآثار والموضوعات التي اقتبسها العرب من الشعوب والأجناس البشرية الأخرى (الهنود والفرس واليهود وغيرهم)· تستعيد حكايات الملك شهريار وأخيه شاه الزمان وقصص الصياد والعفريت والمزين والتاجر والطبيب اليهودي والجارية والطبيب اليهودي والفأرة والغراب وغيرها من الشخصيات الدسمة· والثانية، الآثار والموضوعات المنتمية إلى أصول عربية، ظهر منها في العراق وسوريا خلال الفترة الواقعة ما بين القرن التاسع والقرن الثاني عشر للميلاد (السندباد البحري والحسن البصري) مرورا بأخبار شخصيات تاريخية مشهورة من بينها الخليفة هارون الرشيد والشاعر أبو نواس··· وهناك حكايات عن شعراء ما قبل الإسلام أبرزها قصة حاتم الطائي، الشاعر الجاهلي الذي اشتهر بجوده·
الحكاية والمخيلة
في المجلدين اللذين يقدمان ''ألف ليلة وليلة'' بحلة جديدة تقع في 725 صفحة، ثمة تصور ''مرئي'' جديد للملك شهريار والراوية شهرزاد· الاثنان يطلان بملامح من شأنها أن تخدم المخيلة في تأطير الحكايا، بينهما النرجيلة وعدة السمر والعبارة الشهيرة: ''ولما كانت الليلة ال··''· يسبق الحكاية لفتة لاسكندراني تنفحها بعبق الموروث الاسلامي: ''الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين· وبعد، فإن سير الأولين صارت عبرة للآخرين لكي يرى الإنسان العبر التي حصلت لغيره فيعتبر، ويطالع حديث الأمم السالفة وما جرى لهم فينزجر، فسبحان من جعل حديث الأولين عبرة لقوم آخرين· فمن تلك العبر الحكايات التي تسمى ''ألف ليلة وليلة'' وما فيها من الغرائب والأمثال''· أما الحكاية الأولى فإنها تبدأ بخلاف العادة: ''فقد حكي والله أعلم وأحكم وأعز وأكرم، أنه كان فيما مضى···''· بذلك تلبس الحكايات الألف وليلة لبوس الموروث الاسلامي الذي يصوّب وجهتها كبطاقة نسب تحملها للأجيال والتاريخ· يختم الاسكندراني في هذا السياق: ''لقد قيل الكثير في ألف ليلة وليلة وكتب حولها الكثير، ولكن يبقى أن دراستها تعطينا تصورا حول بعض المقاييس العامة لتاريخ الفولكلور العربي واستكشاف المنابع الفلكلورية وغيرها من آثار الأدب العربي''·
عدد اليوم
