الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ليتا كابليوت».. خُذيني لوحة واستدرجيني للبهجة!

«ليتا كابليوت».. خُذيني لوحة واستدرجيني للبهجة!
20 ابريل 2016 03:19
نوف الموسى جاهزة، نفسٌ عميق، الآن.. ببطء شديد سأقبض هواء روحي، وبدقة متناهية، سأعد خطوات القدمين. لا أملك قيثارة هنا، ولا صنوجاً خشبية، ولكن الأيدي تكفي للتصفيق. عزيزتي الفنانة ليتا كابليوت (هولا).. مرحباً، أدعوكِ لرقصة الـ «فاندانغو» الشعبية، عسى أن تذكرنا بشيء من ثنائية الفلامنچو. لا يسعنا المكان في «أوبرا غاليري»، المسكون بتعويذات لوحاتك، ما رأيكِ بباحة مركز دبي المالي العالمي، تتسرب الشمس فينا، ويتكشف سحر موسيقى الأقدام للسماء، وسنرى من سيبوح بسره أولاً، تحتاجين أن يحدث كل شيء في اللوحة، وأحتاج أن يحدث كل شيء في الكتابة. تتأملين المرأة عبر زهرة، يا محاسن الصدف، فأنا امرأة، وأمتلك حساسية العطر، الذي أعلنتِ عنه مسبقاً في معرض «ألوان الندى». بحثك عن العاطفة، ضرورة، وبحثي عن الحب، مهمة أبدية. لنلتقِ، في حوار راقص، ولافت، حد الشعور بالخلود فينا، ولا تهتمي خذيني لوحة، فأنتِ تعشقين الفضاءات كما لمّحتِ، بإحدى عينيكِ الجميلتين، واستدرجيني إلى البهجة والألم، هناك حيث إذا انتهى العالم في لحظة ما، سنقوم معاً كما قلتِ بزراعة وردة، لتعبق منها الحياة من جديد! أنا وليتا.. ولوركا تماماً كشعور الصعود على الخشبة، تجلت ابتسامة الفنانة الإسبانية ليتا كابليوت، استعداداً لمجاراة نهر الحديث، بقصيدة، سألتها: تكتبين القصيدة إذاً؟ فكرت قليلاً ونظرت إليّ: أعشق فيديريكو غارثيا لوركا، أقرأه كثيراً، أراه إنساناً كاملاً، اقرئي غزالة لوركا في الحب والموت، فيها تصلين إلى معاناته الإنسانية، ومدى التفاصيل المذهلة للحياة، الشعر يستطيع فعل ذلك، نعم يستطيع. سألتها: ماذا يستطيع؟ أجابت: إحداث الدهشة، حسناً.. قبل أن يميل الوقت، لجذب الشمس نحو الظلال، تمرجحت مع ليتا كابليوت على غزالة الهروب للشاعر لوركا، ورددنا كلماته، كالراغب في حفظها غيباً: «ضعت مرات كثيرة في البحر، أذني مليئة بأزهار مقطوفة للتو، ولساني مليء بحجب وباحتضار. ضعت مرات كثيرة في البحر». لديّ قصيدة أخرى لـ لوركا - إن رغبتي بالاستماع لشيء يشبه لوحات «ألوان الندى» - بعنوان: (بانوراما عمياء فوق نيويورك)، يقول فيها: «لقد تهتُ عدة مراتٍ، حين رغبتُ في أنْ أجدَ الجرحَ الذي يُبقي الأشياء يقظةً، لكنني وجدت فقط بحارةً معلقين على الأسيجة، ومخلوقات صغيرة من السماء، مدفونةً تحت الثلج. لكن الألم الحقيقي كان موجوداً على الساحة الثانية، حيث الأسماكُ الكريستالية قد ماتتْ بين سيقان الأشجار، ساحة السماء الغريبة تحمل التماثيل الهَرِمة السليمة، وجوار البراكين المؤلم. لا ألمَ في الصوت، هنا توجد الكرة الأرضيةُ فقط. الكرة الأرضية ببواباتها الأبدية، التي تقود باتجاهِ احمرار الثِمار». أصواتهنّ أشياء تباغتنا عند النظر، أقصد مجرد النظر إلى لوحاتك، خطوط الحياة، وتجاعيد الزمن، ومفارقة الإحساس بالجذور، في الدرك الأعلى والأسفل لأوجه النساء. تنفست الصعداء، قبل أن تبدأ ليتا بالإجابة، حدقتُ باتجاه لوحتها المعلقة، من بين أسطولها المدوي في المعرض، لأتأكد من إحساسي مجدداً، لحظتها تابعت ليتا تفسير موسيقاها: سعيدة جداً، بهذا النبوغ في شعورك تجاه اللوحة، أعتقد أن الإجابة جُلها في إحساسك، أردت أن يتمركز الشجن في عاطفة الاتصال، بين المشاهد واللوحة، لا تكفي الألوان لذلك، ولا ينفع الإبهار العابر، ولا رسم الأشياء كما هي. لستُ الفنانة الوحيدة، هناك المئات الآن، يقبعون في مخيلاتهم، ليرسموا فناً، والمفارقة في القدرة المتناهية على أن كل هؤلاء النساء، تُسمع أصواتهن، وتنهيداتهن، وهن يصنعن الحياة، عبر الولادة الخالدة، بالنسبة لي إدراك الوعي بالمصدر الروحي للكون عبر المرأة، هو أرضنا الجديدة. تقنية الندوب إخفاء التقنية المستخدمة في لوحاتك، المليئة بالندوب. تجعل المتفرج يحمل قلماً متخيلاً، ويعمد إلى إيصال تلك النقاط (الندب)، ببعضها، ليتشكل ما يمكن أن نزعم أنه الشريان والوريد، لقلب اللوحة، وقلبك، وربما قلب كل نساء «ألوان الندى». تضحك ليتا كابليوت، مشهد ساحر، لتلاقي بين وجنتيها والشفة العلوية، من فمها، المتأهب لسكب روح الكلمة: «إنها الخصوصية، نعم الخصوصية، أشبهها دائماً بفكرة المطعم، الذي تذهب له، لطلب طبق خاص، ضمن قائمة الطعام، وتسألهم، كيف تصنعونه، يعتذر الشيف عن البوح، قائلاً إذا أخبرتك، فلن تعود مجدداً، وأنا فعلياً أريد أن يأتي الناس مجدداً، وأن يحرصوا على الاتصال باللوحة، أستطيع القول إنها حالتي الخاصة، واكتشفتها بعد سنوات طويلة، من المحاولات، لبناء الحالة الفنية، ولكنني سأشير بأن السر يكمن بشكل عام، في الاستعداد الذي أذهب إلى إعداده قبل تقنية الرسم، وهو نوع التأثير على طبقة البياض الأولى. ما رأيكِ أن نختفي الآن؟ أسأل ليتا كابليوت، وقبل أن تجيب أسألها مجدداً: متى تختفي لوحاتك؟ كفعل الإجابة نفسها تردد الفنانة ليتا: تقصيدين الطاقة، نعم.. كل شيء عبارة عن طاقة، وأنا مؤمنة جداً، أن ما نراه من جمال، ليس إلا طاقة، لا أدري مدى فعل الاختفاء الذي تقصدين، ولكني أنساب مع الطاقة على اللوحة، لا أحاول مقاومتها، ومتى ما فعلت أشعر بأنها توقفت، أو اختفت، لذلك استمر في السريان، إنه شعور مذهل، ما عليك سوى أن تثق بعطاء الكون، وهذا الأمر يحتاج إلى تحملك لمسؤولية ذاتك، فعندما تختار اكتشاف وجوديتك، يصبح الأمر برمته رحلة، وفي الأسفل، لا مجال للرفقة، أنت مع نفسك فقط، وصولاً إلى الحرية الكونية، وأعتقد أن البشرية تراها مسألة صعبة، رغم حتميتها الفطرية. اللعب بالمسافات الاستوديو المتصل بالبيت، ومضامين الباب المفتوح بين الفضاءين، خاصة أنكِ تعشقين المساحات، ومغمورة بالعيش فيها، أطلعيني عن سبب تلك الأحجام الكبيرة للوحات معرض «ألوان الندى»، ألها علاقة باحتفائك المستمر بالعمارة والهندسة البصرية للغة الأشياء في اللوحة الفنية؟ سأختبر الأمر عملياً، تبعدين عني الآن في لحظة الجلوس هذه، بمعدل خطوتين صغيرتين، ما يستدرجني في المسافة صوتك، وأنتِ ماذا ترين في ذلك؟ ليتا كابليوت، كالمستمتع في رؤية الأراضي الخضراء الشاسعة، تقول: إنه اللعب.. بيني وبين المساحات والمسافات، فرصة كبيرة للعب، والتمازج بين الأحجام الكبيرة والصغيرة، لا حدود لذلك المتسع الضخم من الفراغ، سوى فهم طبيعة علاقتنا بالمساحة، قلت ذلك سابقاً، وأؤكد عليه الآن، أحتاج أن أكون في داخل المساحات لاستيعابها، إنه أمر ممتع للغاية، وعلى اتصال بالفن، وجميعها أمور تؤهلنا لإدراك التوازن بين اللوحة والمساحة بالعين المجردة. أما البيت والاستوديو، فإنه الإلهام المتجدد، والحساسية المرهفة. في البيت أطبخ لأطفالي، وألتقي الأصدقاء، وبانسيابيتي المعتادة أمشي بخطوات من فرح باتجاه الاستوديو، وكما قلتِ الباب بينهما مفتوح، حيث يتسنى لي مشاهدة فيلم، وكتابة قصيدة. استمرت الضحكات بيني وبين الفنانة ليتا كابليوت، وقُبلات الفرح، كالذي تسنى له، بأن يرى نفسه، عبر أرواح الآخرين، وارتسمت هالة من معزوفات البيانو، الممزوجة بالتشيلو، واختفت أصواتنا فيها، وظلت الموسيقى تصدح في هالة الباحة المنتشرة بين مواقع الغاليريهات الفنية، في مركز دبي المالي العالمي، في مدينة دبي، وتدريجياً تلاشينا مع رائحة القهوة المنسابة من المقاهي الفنية. عبق ليتا الفني ولدت الفنانة الإسبانية ليتا كابليوت في برشلونة العام 1961، وأقامت معرضها الأول في مدينتها، وهي في عمر الـ17 سنة. تقيم الفنانة ليتا حالياً في هولندا، وهذه ليست المشاركة الأولى لها في الإمارات، بل شهدت أروقة أوبرا غاليري إبداعها في العديد من المناسبات الفنية، ومنها افتتاح معرضها «ذكريات مغلفة بأوراق ذهبية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©