الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفلسفة الهندية.. وحجاب الغرب

الفلسفة الهندية.. وحجاب الغرب
20 ابريل 2016 03:07
د. خزعل الماجدي استغرقت ثقافتنا خطابات المركزية الثقافية الغربية وجذورها الكلاسيكية (اليونانية والرومانية)، وهذا ما جعلنا نهمل الصفحات المضيئة للشرق في كل الحقول، ومنها الفلسفة. والهند هي المكان الوحيد الذي ينافس اليونان في بدايات الفلسفة وتطورها، بل لعلها تسبق اليونان بحوالي ألفي عام!. وإذا كانت (الحكمة) سمةً من سمات الإنتاج الفكري الشرقي، فإن الحكمة الهندية تخطت المستوى التقليدي الشرقي وتحولت إلى فلسفة عميقة بأدق معاني الكلمة. وإذا كانت الحكمة المصرية مصدراً أساسياً من مصادر الفلسفة الإغريقية، فإن الفلسفة الهندية كانت المصدر الثاني الذي تنكشف أهميته يوماً بعد آخر في هذا المجال؛ فالعلاّمة المحقق الألماني (جوريس Gorres (1776 - 1848 وغيره يرون أن الفلسفة الإغريقية تأثرت بقوة بما أرسله الإسكندر المقدوني من الهند إلى اليونان من مصنفات فلسفية ومنطقية ورياضية إلى معلمه أرسطو الحاذق في إعادة التصنيف والتبويب والصياغة، بحيث ضمها لفلسفته وأغنى بها طروحاته. هذا فضلاً عن الاتصال التجاري قبل وبعد الإسكندر الذي كان من ضمنه تجارة المخطوطات ونقل الكتب والمصنفات من الهند إلى اليونان وروما. وسنتناول أثر الفلسفة الهندية على بدايات الفلسفة الإغريقية وعلى الفلسفة الغربية الحديثة في فقرة لاحقة. لعلَّ أصعب أمرين يعانيهما الباحث في الفلسفة الهندية هما: كيفية فصله بين الديانات الهندية والفلسفات الهندية. وكيفية تصنيف وتسلسل الفلسفات الهندية وأنواعها ومدارسها منذ أبعد زمن لنشوئها وحتى يومنا الحاضر. وهناك ثلاثة تصنيفات مهمة للفلسفة الهندية لا يمكننا التوسع في ذكرها لكننا سنجمعها في تصنيف واحد بعد دراستنا لتأريخ الفلسفة الهندية وأنواعها. تاريخ الفلسفة الهندية تنقسم الفلسفة الهندية إلى خمس مراحل، الأولى: الفيدية والملحمية، والثانية: سرامانا، والثالثة: الكلاسيكية، والرابعة: الوسيطة (المدرسية) والخامسة هي الفلسفة الحديثة. نترك الحديث عن الفلسفة الهندية في المرحلتين الفيدية والملحمية و(سرمانا) لمناسبة أخرى ونتناول هنا الفلسفة الهندية في مرحلتها الكلاسية التي هي مرحلة العصر الذهبي لهذه الفلسفة. الطريق إلى المعرفة تعتبر المرحلة الكلاسيكية (321 ق.م - 900 م) أو ما نسميها بـ (الفلسفة الهندية الكلاسيكية) ذروة ما وصلت إليه الفلسفة الهندية، بدأت مع بداية نشوء الإمبراطوريات الكبرى بعد الغزو المقدوني للهند وتلاقح ثقافات الهند بثقافات الإغريق وظهور الثقافة الهيلنستية في الهند.. ثم مجيء العصر الكلاسيكي ونضج الفلسفة الهندية التي أصبحت تقوم على منهجية علمية، حيث ظهرت مجموعة من التيارات الفلسفية التي لها سماتها الخاصة رغم أنها حافظت على مقولات التأسيس التي بدأت بها الفلسفة الهندوسية ولكنها أعادت صياغتها وتكوينها وأضافت لها مقولات جديدة. ونرصد في تاريخ هذه المرحلة ست مدارس كلاسيكية هي: نيايا تعني لفظة نيايا (Nyaya) حرفياً (القواعد، الطريقة، الحكم)، وهي إحدى المدارس التقليدية الكلاسيكية الهندوسية في الفلسفة، والتي أثرت على تطوير المنهجية النظرية والمنطق ونظرية المعرفة في الفلسفة الهندية، وتتألف الأصول المعرفية (الأبستمولوجية) لهذه المدرسة من أربعة براهين (برامانا) كوسائل موثوقة لاكتساب المعرفة، وهي: - الفهم والإدراك Pratyaksa. - الاستنباط Anum ana. - المقارنة والقياس Upam ana. - شهادة الخبراء الموثقين Sabda. أما الجانب الميتافيزيقي فيها فيقترب من مدرسة فايشيشيكا وترى أن المعاناة الخاطئة للإنسان سببها هو المعرفة الخاطئة (الجهل وسوء المعرفة) وهو ما يعوّق خلاص الإنسان، المعرفة الكاذبة هي الجهل والوهم، أما المعرفة الصحيحة فهي الاكتشاف والتغلب على الأوهام وفهم الطبيعة الحقيقية للروح والذات والواقع. استطاع فلاسفة النيايا تقريب الفلسفة كنوع من الواقعية المباشرة. وقد كتبت أهم نصوصها من قبل أكسابادا جوتاما عند القرن الثاني قبل الميلاد، وقد ساهمت النيايا مع البوذية في معالجة معاناة الإنسان لكنها تختلف عن البوذية في اعترافها بوجود الروح أو النفس والتحرر (موكشا) كطرق لإزالة الجهل والمعرفة الخاطئة واكتساب المعرفة الصحيحة. فايشيشيكا تعتبر فلسفة فايشيشيكا Vaisaeshik, Vaisesika فلسفة اتباعية هندوسية لها نظامها المتكامل (الميتافيزيقي، المعرفي، المنطق، الأخلاق، الخلاصيات) وتشبه النيايا في كل نظمها وتختلف قليلاً في الميتافيزيقيا والمعرفة، فهي تشابه البوذية في التصور والاستدلال إذ تنظر لهما كمصادر جيدة للمعرفة من خلال الكتب. وهي ذات نظرة طبيعية تشبه المذهب الذري. فالكون مكون من ذرات (بارامانو) التي لها وظيفة التفاعل، المعرفة والتحرر تتمان بفهم كامل للعالم من خلال التجربة. وقد تأسست في القرن الثاني ق. م من قبل كنادا كاشيابا. ساماخيا ينظر إلى مدرسة ساماخيا Samakhya على أنها المدرسة العقلانية والواقعية في الأستيكا الهندية، وترتبط بفلسفة اليوغا الهندوسية، وتنتمي للفلسفة الثنوية، حيث ترى أن الوجود يتكون من الوعي أو العقل (بوروشا) والطبيعة أو المادة (براكريتي). تقوم نظريتها المعرفية على ثلاثة براهين من أصل ستة هي (الإدراك، الاستدلال، شهادة الخبراء الموثقين). وكانت سبباً في ظهور مفاهيم (الفكر، وعي الأنا، العقل). الله عندهم لا يُعرف مباشرة ولا يُدرك بسهولة. ولها نظريات في (الصفات والميول الفطرية)، تطورت من مدارس هندوسية وبوذية وأثرت كثيراً في تطوير نظرية الأخلاق الهندوسية. يوغا يوغا Yoga: فلسفة هندوسية المنشأ ترتبط بالسامخايا، وهي فلسفة متكاملة تقوم فيها نظرية المعرفة على ثلاثة من ستة براهين، هي: (التصور، الاستدلال، شهادة الخبراء)، وهي فلسفة ثنائية كما السامخايا (الفكر/‏ المادة) جيفا (الحيّ Jiva) ترتبط فيه البورشا (المادة) مع البراكريتي (الفكر) في شكل معين، وفي تبادلات مختلفة من مختلف العناصر والحواس والمشاعر والنشاط العقلي. عدم التوازن بينهما يؤدي إلى الجهل أو العبودية وإبطال التحرر. النظرية الأخلاقية لليوغا تعتمد على (ياماس ونياما) (الاستقامة والواجبات الصالحة) كعناصر من الـ (جويا)، وهي نظم اليوغا (الألوهية، البنائية، الانسجام). مدرسة اليوغا الهندوسية تختلف عن مدرسة سامخايا غير التوحيدية الإلحادية، وذلك عن طريق دمج مفهوم الشخصية بالإله (الإله الشخصي)، وهذا ما يجعل الفلسفة تطبيقية تجريبية كنوع من التصوف للتوحد بالإله، وهي تشترك في تعاليمها المركزية مع (أدفيتا فيدانتا)، لكن الفرق هو في التصوف التجريبي لليوغا. لأن الفيدانتا تقوم بالبناء على مجموعة من تعاليم وتقنيات اليوغا. ميماسا تعني كلمة ميماسا Mimasa حرفياً (الانعكاس، التحقق الذاتي)، وتمتاز بمجموعة من الأساسيات، هي: تشكيل طبيعة الدارما (النظام) على أساس الطقوس والواجبات الاجتماعية وليس الآلهة (دنياس). وتختلف عن الفيدانتا (التي ساهمت الميماسا بتطويرها) بالتأكيد على الـ (كارما - كاندا)، وهي دراسة الطقوس الدينية المبكرة في الفيدا، أما الفيدانتا فقد أكدت على (جناثا - كاندا)، وهي دراسة المعرفة والروحانيات التي هي المراحل المتأخرة في الفيدا. ولها عدة مدارس فرعية كل واحدة منها تعرف بنظريتها المعرفية (الأبستمولوجية)، وهي: براتيكشا (الإدراك)، أنومانا (الاستدلال)، أوبامانا (المقارنة والقياس)، آرثابليّ (الترشيحات)، سابدا (شهادة الموثقين)، بهاتا (كوماربلا بهاثا)، أنوبلابدفي (غامض، سلبي، دليل معرفي). وتضم الميماسا مجموعة من المذاهب الملحدة والتوحيدية، وليس لها اهتمام منهجي بموضوع وجود الله، أما الروح فهي أبدية منتشرة في كل مكان وجوهرها نشط. وتشكل الفيدا الأبدية المعصومة عندهم، والفيهي هي الأوامر والتغني بالطقوس، وهي الكاريا الإلزامية (الإجراءات). أما الأوبانيشاد، فهي معرفة الذات وهي ذات صلة بالروح، وهذا ما تختلف به عن الفيدانتا. ولها تركيز على فقه اللغة وفلسفة اللغة وتعتبر اللغة وسيلة للوصف بوضوح ودقة، ومنها ما يعرف باسم الميماسا الهندوسية شكل من الواقعية، والنص المفتاحي لها هو (ميماسا سوترا) العائد للجامينية Jaimini. فيدانتا كانت مفردة فيدانتا Vidanta تستخدم لوصف نصوص (أوبنيشاد) ومعنى الاسم الحرفي (هدف أو نهاية الفيدا)، ويستخدم الاسم أيضاً لوصف الشخص المتمكن من جميع نصوص الفيدا الأربعة الأصلية. في القرن الثامن الميلادي أصبحت الكلمة تطلق على مجموعة من التقاليد الفلسفية المرتبطة بمفهوم تحقيق الذات لمعرفة (البراهمان) أو الطبيعة المطلقة للحقيقة. وتسمى أيضاً (أوتارا ميماسا)، أي التحقيق اللاحق أو الأعلى وترتبط بـ (دورفا ميماسا)، أي التحقيق السابق، وهذه تتناول أضاحي النار في الفيدا (سامهيتا) وكتب البراهمان. أما الفيدانتا، فتتناول شرح التعاليم السرّية في (الكتب المقدسة الحرجة) و(الأوبانيشاد) التي عظم دورها منذ القرن التاسع قبل الميلاد ولغاية الآن، وهي تمثل النزوع الروحي والصوفي للفيدا. وبعبارة أدق تتكون الفيدانتا من: الأوبانيشاد، وبراهما سومرا، وغيتا غيتا. وتعتبر الفيدانتا عصارة أو خلاصة مدارس الستيكا (الوجودية) الهندوسية لدرجة أن كلمة فيدانتا أصبحت تشير إلى الفلسفة الهندوسية بشكل عام، ولذلك توسعت مدارسها وظلت تظهر على مدى الأزمان لغاية زمننا الحالي وهذه المدارس المشهورة للفيدانتا هي عشر مدارس وكما يلي: * بهيدا بهيدا: القرون (4 - 7) ميلادي وتفرعت منها خمسة مدارس، هي: (أوباهيكا «بهاسكا»: القرن التاسع الميلادي، فششتانايتا (رامنوجيا): القرن الحادي عشر الميلادي، دفيتا دفيتا (نيمباركا): القرن الثالث عشر الميلادي، شودهافديتا (فالابها): القرن السادس عشر الميلادي، أخنتيا تشايتانيا وجيفا: القرن السادس عشر الميلادي). * أدفيتا فيدانتا (شنكان مندانا مسرا): القرن الثامن الميلادي. * دفيتا (مدهفا): القرن الثالث عشر الميلادي ابتكرها شيري مهادفثاريا (228 - 1199) م. * فيدانتا الجديدة (فنكنادريا وردهكرشنان): القرن التاسع عشر ميلادي. وتوضح تلك المدارس مدى سعة هذه الفلسفة المهمة التي نأمل دراستها بشكل منفصل من مصادرها الأصلية. كتب الفيلسوف (هاريبهادرا سوري ــ Haribhadra suri)، وهو فيلسوف جايني عاش بين (459 - 529 م)، كتاباً اسمه جدول الأنظمة الستة (سدّار ساناساموكابا Saddarsanasamuccaya) قارن فيه بين الجاينية مع المدارس الست التي ذكرناها للفلسفة الكلاسيكية. تاريخ الفلسفة الهندية تنقسم الفلسفة الهندية إلى (خمس) مراحل، الأولى: الفيدية والملحمية، والثانية: سرامانا، والثالثة: الكلاسيكية، والرابعة: الوسطية (المدرسية) والخامسة هي الفلسفة الحديثة. * الفيدية والملحمية (2500 - 1000 ق.م)، تضم: البراهمانية، وهي فلسفة الكهنة التي توصلت إلى (البراهمان)، وهي الروح الكلية للكون، و(الأتمان)، وهي الروح الجزئية للفرد. الأوبانيشادية، وتعني التوحد بالله عن طريق التركيز الذهني ونبذ الطقوس وتنشيط التأمل. الدارما وهي أساس العالم، والعناصر الخمسة للدورات الكونية. * سرامانا، (فلسفة الزهد والبحث) (1000 - 321 ق.م)، وتضم: سرمانا المبكرة: المدارس المادية الستة، والجاينية: الحقائق السبعة (تاتفا)، الروح والكارما، مراحل الموكشا (تحرر الروح)، والبوذية: الحقائق الأربع النبيلة، الجواهر الثلاثة، وأجيفيكا: الفلسفة الذرية، الذرات لا تفنى ولا تنقسم ولا تتحول، وشارفاكا: الفلسفة المادية، لا وجود للميتافيزيقيا والخوارق. * الكلاسيكية (321 ق. م - 900 م)، وتضم: نيايا، وفايشيشيكا، وساماخيا، ويوغا، وميمامسا، وفيدنتا. * الوسيطة (المدرسية) (900 - 1800) م. وتضم الفلسفة الهندوسية في السلطنات الإسلامية (900 - 1100) م، والفلسفة الهندوسية في إمبراطورية فيجيناغايا (1100 - 1500)م، والفلسفة الهندوسية في عصر المغول وممالك راجبوت وكونفدرالية مراهثا (1500 - 1800) م. * الحديثة 1800 إلى الآن، وتضم: الفلسفة الهندية التقليدية الإصلاحية، والمزاوجة بين الفلسفة التقليدية والفلسفة الغربية الحديثة مترافقة مع العمل الاجتماعي والسياسي للفلسفة، والفلسفة الحديثة المتأثرة بالغرب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©