الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمهات المعاقين.. نساء فوق العادة

أمهات المعاقين.. نساء فوق العادة
20 مارس 2010 22:18
أمهات لسن كبقية الأمهات، أمهات يحترقن كل يوم لينرن طريق فلذات أكبادهن، يربين أولادهن بدموع العيون واحتراق الجسد، مسؤولياتهن كبيرة جدا في الحياة، متعلقة بأرواح أبنائهن الذين لا حول ولا قوة لهم. هن أمهات المعاقين الذين لا يغفل لهن جفن قبل أن يرتاح أولادهن، يسندنهم في الحياة فلا سند لهم إلا أمهاتهم اللواتي يرعينهم بحب كبير وبعطف لا مثيل له، يضاعفن جهودهن، وألغين كل برامج حياتهن ليكن هنا يمددن يد المساعدة لهؤلاء. أمهات كثيرات قاسمهن المشترك المعاناة والصبر للاستمرار في رعاية أبنائهن، يستحققن التحية والاحتفال في عيد الأم، فهن أمهات فوق العادة وفوق التصور، تستمر أمومتهن وتمتد امتداد عمر أولادهن. أمهات يستحققن التكريم والوقوف لهن إجلالا، تحملن لظى الحياة من أجل أبنائهن للسير بهم نحو الحياة، منهن مها الحركة، أم الطفلة جوانا، ومديرة العلاقات العامة في إحدى الشركات، تقول مها: “جئت من لبنان وعملت ما يفوق ثماني سنوات كمديرة علاقات عامة في رابطة سيدات السلك الدبلوماسي في دبي والإمارات الشمالية، كانت مرحلة ناجحة في حياتي من الناحية العملية، وفي الجانب الشخصي كنت أقاتل من أجل تحقيق التوازن النفسي والجسدي، حيث ابنتي جوانا “جوجو” كانت تعاني كثيرا جراء إعاقتها، سكبت دموعا كثيرا وأنا أقف على معاناتها، فبالإضافة لإعاقتها فقط أصيبت بمرض جلدي ينزف دما، عشت مرارة البحث عن العلاج، ودام ذلك شهورا وفي الأخير اضطر أحد الأطباء لإحراق جلدها بالكامل بمادة دوائية، كنت أرقبها تتألم يوميا ويتمزق قلبي ويحترق”. تصمت مها طويلاً، تخنقها عباراتها، ودموعها تواصل صوت نحيبها المكلوم، وتضيف: “لا أدري ما سبب إعاقتها، هل هو بسبب نقص في الأوكسجين أو بسبب الضربة التي تلقتها على رأسها، فعندما كنا في لبنان كانت في حضني داخل السيارة حين سقط صاروخ بما يقرب مائة متر نحونا، اهتزت الأرض من حولنا انخلع باب السيارة، وطارت ابنتي من حضني وسقطت على الأرض، وكان عمرها لا يتجاوز الشهرين، وبعد عدة فحوصات أخبرني الأطباء أنها تعاني من تخلف عقلي، فاقتربت منها كثيرا، شعرت بعاطفة جارفة نحوها، وكنت لها الأم والأب والصحبة رغم انشغالاتي وأمواجها الثائرة لا تهدأ، بالإضافة لأسرتي، فأنا مطالبة بجهد أكبر من المعتاد لأكون هنا”. تضيف بعد صمت: كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي، لم أستفق منها إلا بعد سنوات، فقلبي نزف دما، قاتلت من أجل علاجها، وحين أخبرني الطبيب بنتيجة الفحوصات أول مرة شعرت بذلك المبنى الضخم “المستشفى” يكاد يسقط على رأسي، ويكسرني ويرميني أشلاء، تثاقلت خطاي وأنا أنظر لطفلتي الصغيرة، ودمعي ينساب فوق جسدها، تعذبت من أجل إراحتها كثيرا، كنت أرى أنها لا حول ولا قوة لها، عايشت عذاباتها وانكساراتها، وبعد كل هذه السنين ورغم أنني تعايشت مع حالتها، لكن قلبي لازال يقطر دما كلما نظرت لها، كلما شعرت أنها تريد قول شيء تعجز عن الإفصاح به، كلما رأيت الدموع في عيونها، كلما رأيت البنات في سنها يسعدن بجمالهن وطفولتهن. وتتحدث الأم مها عن علاقتها بابنتها وتقول: أخاف عليها من نسائم الهواء، أبحث لها دائما عن الأجمل في حياتها، لهذا بحثت كثيرا في كل الاتجاهات لأجد لها مركزا خاصا بالمعاقين يلائم قدراتها الفكرية والجسمانية، وهكذا أنا اليوم سعيدة بإيجاد مركز يخفف العبء عن أكتافي ويزيح العقبات من أمام “جوجو”، وحين تأتي جوانا للبيت أشعر بسعادة غامرة وهي كذلك، أحاول أن أكون معها قدر المستطاع، وحين تغادر أشعر بقلبي يتقطع جزيئات صغيرة، لا أريد النظر في عيونها وهي تدس رأسها، وتغرس عيونها في الأرض متحاشية النظر في وجهي، يعذبني ذلك كثيرا وأنا أرى علامات الانكسار على وجهها. وتضيف مها الحركة: حياتي صعبة جدا أحاول أن أرى الجانب المضيء فيها، أحاول أن أسعد ابنتي، وما يحقق سعادتي أكثر حين أرى تعلق إخوانها بها، أحاول زرع الحب في قلوبهم، وأقوي الوازع الديني لديهم، وأطلب من الله تعالى أن يقدرني على هذه المسؤولية التي لا يمكن التراجع عنها أبدا، مهمتي مستمرة في الزمان وتشغل تفكيري في كل دقيقة، عذابات كثيرة عانيتها في حياتي ولكن ربما تكون جوانا هي جزائي لدار البقاء. خديجة سالم: ابني ينطق بنصف كلمة ماما وأنا سعيدة بذلك بينما تتحدث خديجة سالم، أم محمد علي مكارم، الطفل المعاق الذي يبلغ عمره 9 سنوات عن ابنها الذي ولد بإعاقة، وتقول: ولدت ابني محمد بعملية قيصرية، وكان ذلك في شهره السابع، وبعد ذلك لاحظت أنه لا يتجاوب معي أبدا، ولا تتغير حالته للأحسن ولا يعرف نموا طبيعيا، وبعد ثلاث سنوات أخبروني أنه يعاني من شلل دماغي، صعقني الخبر، ولكن ترابط الأسرة وحب إخوانه له جعلني أتجاوز الصدمة، وتفكيري دائما ينصب على تحسين حالته الجسدية، فهو شديد التعلق بي ولا يقوى على القيام باحتياجاته الشخصية، ومن واجباتي كأم القيام بذلك بنفسي حيث أشرف على كل كبيرة وصغيرة في حياته بنفسي، وهذا يجعل حياتي مرتبطة به إلى حد كبير، إذ ألغيت من برامج حياتي الخروج للشارع والتزوار مع الناس، وحتى الجيران لا أقوم بزيارتهم، كل ذلك لأكون قريبة جدا من ابني محمد. تضيف وابتسامة تخترق وجهها الحزين: ما يثلج صدري أن إخوانه يحبونه بشكل كبير، كانت مسؤولية كبيرة جدا ملقاة على ظهري حين عرفت بحالة محمد، وفي الجهة الأخرى كنت أحاول زرع محبته في قلوب إخوانه، وهذا أحصده اليوم، حيث يحبونه كثيرا، ويعطف عليه إخوانه ويرعونه ويحققون له كل ما يصبو إليه. ترجع بذاكرتها للوراء وتقول: عندما عرفت بحالته أصابني اليأس والإحباط، صابرت وقويت إيماني بالصلاة والدعاء، وكل ما كنت أصبو إليه هو النطق بكلمة “ماما” بعد إكماله سن ثلاث سنوات ونصف، ومع توالي الأيام والتمارين نطق بنصفها “ما” وهذا يحقق لي سعادة كبيرة، وهو يتحسن بالحب الكبير الذي يحيطه به الأهل، وهو اجتماعي يحب المدرسة بشكل كبير حيث يتابع دروسه، ونشاطه اليومي في مركز القدرة لذوي الاحتياجات الخاصة في أبوظبي، ويتلقى هناك رعاية وترويضا وتنفيسا عن حالته، وهو يحب المدرسة بشكل كبير. وتتحدث أم محمد عن دورها كأم وتقول: دوري كأم ممتد في الزمان وخاصة مع محمد بحيث لا أستطيع مفارقته ولو دقيقة واحدة، أخاف أن يلحقه أي سوء في غيابي وساعتها لن أسامح نفسي، لهذا أقوم بكل واجباته بنفسي. نهى ممدوح: أنا أم ولا أريد أن يتألم ابني يخالها المرء تعمل في مركز القدرة لذوي الاحتياجات الخاصة، بنشاط وحب ترعى الصغار هناك، تزرع البسمة في القلوب، وتمسح الأسى عن الوجوه، بعد فترة قالت نهى ممدوح: أنا هنا من أجل ابني حسين نصار في إشارة لطفل صغير جميل معاق، بعد أن انقلبت ملامحها فجأة إلى الحزن: لا أسامح أبدا الطبيب الذي تسبب في إعاقة ابني، ولدته في مصر، وطوال فترة الحمل كان كل شيء طبيعي جدا، نزل ضغطي والطبيب لم ينقذ الطفل حيث انخفظت دقات قلبه بشكل كبير، فأخضعني لعملية قيصرية في الوقت الضائع، وقال بعد ذلك إن كل شيء على أحسن ما يرام، وبعد أسبوعين لاحظت أنه لا يبكي وينام كثيرا. وبعد ما أكمل ثلاثة أسابيع لاحظت أن راحة يديه بها بقع زرقاء وعلى ركبه أيضا، كما سالت نقط دم من فمه، وانقطع عن الرضاعة، جن جنوني، أخذناه لأكثر من طبيب، أخبروني أنه عنده نزيف في المخ، سافرت به إلى الخارج، لم أكن أريد تصديق الواقع، أسافر به من مكان لمكان كأنني أهرب من نفسي ومن الواقع، وكل من عرضت عليه الأشعة يصدم صدمة كبيرة، لم أستوعب ما يجري، وعندما أصبح عمره سنتين ونصف رجعت من جديد لأمريكا طلبا للعلاج، طبقا لجدول تضمن التأهيل وجلسات التقييم بقيت هناك أكثر من شهرين، ورفضت إجراء عملية في الرأس له، لأنني لا أراهن على عملية نتيجتها غير مضمونة، ولا أريد أن يكون ابني حقل تجربة، كما أنني لا أريده قطعا أن يتألم. وتضيف نهى: كأي أم لا أريد ابني أن يتألم، وأنا سعيدة كونه بجانبي يعرفني ويسعد عندما يراني، يكفي أنه بجانبي كل الوقت، بحيث رفضت سابقا وضعه في أي مركز أو مدرسة خوفا عليه، أما اليوم أنا هنا في مركز ذوي الاحتياجات الخاصة أرعاه بنفسي بالإضافة لذلك أرعى زملاءه كجانب من عمل. فاطمة أم أماني: أخاف أن أموت قبل ابنتي كرست أم أماني وقتها، بل حياتها لابنتها أماني التي تتمنى لها راحة البال والصحة والعافية، أماني عمرها 7 سنوات ولدت بمتلازمة داون، عرفت ذلك والدتها عندما وصل عمرها ستة شهور حيث تبينت العلامات الجسدية عليها، وبعد تحليل الجينات تأكد لها ذلك، تعايشت مع المرض ولجأت للدعاء وتسلحت بالصبر لتجتاز محنتها في الحياة، وبعد ما وصلت ابنتها أماني إلى عمر الست سنوات اكتشفت أنها تعاني من حالة التوحد، تقول أم أماني عن أمومتها: حاليا أنا سعيدة مع ابنتي أماني، تركت عملي وتفرغت لابنتي، أحاول أن أسعدها، ولا أقول تركت عملي برغبتي، بل بسبب التأخير عن العمل للقيام باحتياجات أماني، وهكذا استغنوا عني، ولست نادمة بل سعيدة كوني بالقرب منها، وهدفي كله في الحياة أن تكون ابنتي مستقلة تستطيع القيام بواجباتها الشخصية. تنكس رأسها، تشابك يديها وتسترسل في الحديث عن مشاعرها كأم: ظلت مشاعري مختلطة طوال هذه السنوات التي التقيت فيها مع أماني، مشاعر لا توصف بكلمات، بل أعيشها وتسيطر علي دائما، فأنا دائمة التفكير في حالتها، ولا أستطيع التخلص من كوني أقارن بينها وبين ابن الجيران في سنها، ألاحظ قدراته وأتتبع خطواته وأقول دائما، لو كانت ابنتي بصحة جيدة لكانت مثله، فكل أم تنتابها سعادة في فترة الحمل وتسابق الزمان لمعرفة جنس من يسكن أحشاءها وتتوق لرؤيته، لكن أن يكون معاقا أو مريضا فهذا لا تتصوره أبدا، هكذا أعيش مختلطة المشاعر. تحاول فاطمة أم أماني مساعدة ابنتها قدر المستطاع، تلاعبها لتشعرها بحبها الدافق، قريبة منها تداعب خصلات شعرها تقول: أخذت قبل أسبوعين أماني مع أختها التي تكبرها للعمرة، فطلبت من أختها أن تدعي في الكعبة الشريفة بكل ما تريد فإن كل ذلك سيتحقق، وافترقنا في خشوع، وسألتها بعد ذلك فقالت دعيت لأختي أن تتكلم وتنطق بالكلمات، هذا الموقف جعلني أبكي كثيرا كونها دعت لأختها فهذا يثلج صدوري ويفرحني، وبالفعل استجاب الله سبحانه وتعالى ونطقت أماني بثلاث كلمات “الله، أمي، أختي” وكل ما أتمناه في الدنيا أن تحبها أختها وتعطف عليها، وتضيف ودمعها يسبق كلماتها: كما أتمنى أن لا أموت قبل أماني لأنه لا أحد سيرعاها بعدي. رولا: تعترضني صعوبات كبيرة في العلاج رولا أم لطفلين معاقين.. الوليد وميرة خالد عوض، تعاني كثيرا من أجل توفير العلاج لهما والتخفيف عن آلامهما مما يضاعف معاناتها النفسية في الحياة، حيث تقول عن ذلك: ابني الوليد أصيب بشلل دماغي نتيجة خطأ طبي حيث تعرض لنقص في الأوكسجين أثناء الولادة أما ميرة فهي مصابة بإعاقة خلقية، لم أكتشف إعاقة ابني مبكرا لأنها تجربتي الأولى أما إعاقة ابنتي ميرة فكانت صدمتها أكبر من الأولى لأن ابني الوليد لم تكن إعاقته نتيجة لمرض وراثي وكنا نستبعد أن نرزق بابنة معاقة، لهذا كان أملنا في ولادة ثانية طبيعية، ولكن جاءت ميرة بإعاقة نتيجة مرض وراثي، وكانت الصدمة كبيرة جدا. وتضيف رولا: أربي أبنائي بصعوبة كبيرة، أبحث لهما عن العلاج بين المستشفيات ولا أجد من يساعدني، أعيش في روتين قاتل، وكل همي في الدنيا أن يتوفر لهما العلاج والمساعدة على تحمل مسؤولياتهما، فكل أم تتمنى لأولادها الأجمل في الدنيا وأنا كل ما أتمناه توفير العلاج لهما وإراحتهما من الألم ومساعدتهما على اجتياز محنهما، أما أنا فإنني كأم أطلب من الله تعالى أن يعينني على تحمل هذه الصعوبات الكبيرة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©