الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شافيز··· وفشل غواية التصورات الطوباوية

شافيز··· وفشل غواية التصورات الطوباوية
3 ديسمبر 2007 23:06
أخفق ''هوجو شافيز'' بهامش ضئيل في محاولته الأخيرة للدفع بأجندته الاشتراكية بعد فشله في تمرير التعديلات الدستورية التي كان يراهن عليها من خلال الاستفتاء الشعبي؛ لكن رغم انتكاس محاولته لتحويل المجتمع الفنزويلي إلى واحة اشتراكية تنعم بتكافؤ الفرص والازدهار، مازالت فنزويلا نموذجاً للدولة النفطية التي تسعى إلى مواجهة الولايات المتحدة والوقوف في وجهها، وهي في ذلك تعتمد على مجموعة من المرتكزات والقواعد تميز الحياة السياسية المعاصرة في فنزويلا وتصوغ نظرتها إلى العالم· لعل أول ما يلفت النظر في فنزويلا هو أسبقية التجارة على السياسة، إذ برغم استمرار ''شافيز'' في نعت الرئيس بوش بـ''الشيطان'' واصلت العلاقات التجارية بين فنزويلا والولايات المتحدة ازدهارها، وهو ما يشبه إلى حد كبير العلاقات الصينية التايوانية التي لم تمنع عداوتهما السياسية من نسج علاقات اقتصادية متينة· وخلافاً للفكرة السائدة من أن العولمة ستقضي على آخر قلاع القومية في العالم يبرز واقع مختلف في فنزويلا وبلدان أخرى، يتمثل في انتعاش الشعور القومي وعودته إلى الساحة السياسية· فالتدفق المالي والتكنولوجي غير المسبوق على الدول، بفضل انفتاح الحدود وسقوط الحواجز، أضعف قدرة السياسيين على الفعل، ولم يبقَ لهــم سوى إشهـــار ورقـة الهوية الوطنيــة· ولعل المثال الأوضح على ذلك هو الخطاب الأخير للرئيس ''شافيز'' عقب ظهور نتائج الاستفتاء حول الدستور وتبين فشله في تحويل فنزويلا إلى مجتمــع اشتراكي، حيث ركز على ''العدو الحقيقــي المتمثــل في الإمبراطورية الأميركية'' والثورة البوليفارية المجيدة دون أدنــــى إشــــارة إلــى المضاميــن الحقيقيــة لتعديل الدستور· ففي بلده الذي يعتمد اقتصاده أساساً على العائدات النفطية، ليس غريباً أن يشهد تركزاً للسلطة في يد واحدة والسعي إلى استدامتها، فلو مُكن أي شخص في مجتمع مغلق تنعدم فيه الشفافية من التصرف في مائة مليون دولار يومياً، لا بد أنه سيشرع في الحديث عن البقاء في السلطة إلى غاية 2050 كما يقوم بذلك ''شافيز''· وقد عبرت عن ذلك المحللة السياسية ''مارجاريتا لوبيز مايا'' التي كانت إحدى أشد المدافعات عن ''شافيز'' قبل أن تصاب بالإحباط قائلة ''إن الميل الطبيعي هو نحو مركزة السلطة وشخصنتها''· لكن الملاحظ أيضا أن شبكة الدول المناهضة للولايات المتحدة سواء في أميركا اللاتينية، أو خارجها ستتوسع رقعتها بسبب الريع النفطي والأموال التي يرميها ''شافيز'' يميناً وشمالا لربط علاقات مع الرفاق في كوبا ونيكاراجوا وبوليفيا· كما أن العلاقات مع إيران وروسيا والصين والأرجنتين والإكوادور ودول الكاريبي في تصاعد مستمر· وليس مهماً أن نقل النفط إلى الصين يستغرق ثلاثة أسابيع بينما لا يتجاوز الثلاثة أيام لنقله إلى الولايات المتحدة، لأن الهدف هو توظيف العائدات النفطية والخطاب الثوري المزعوم للعب دور عالمي مناهض لأميركا· فموسكو تبيع ''شافيز'' السلاح وبكين تبيعه كل ما تستطيع تسويقه، ومن المرجح أن تستمر هذه العلاقات حتى بعد انتهاء رئاسة بوش، تماماً كما سيواصل النفوذ الأميركي تراجعه على المدى الطويل بسبب أسعار النفط المرتفعة· وإلى ذلك يضاف أيضاً التوظيف المزدوج للأيديولوجيا الذي أصبح ملمحاً بارزاً من ملامح الحياة السياسية في فنزويلا؛ فالرئيس ''شافيز'' الذي يساند الثورة الكوبية ويستلهم بعض مفرداتها لا يتردد في عرض أفكاره تحت يافطة المسيحية، معتبراً أن المسيح كان ''أول ثوري'' شهده العالم، ورغم الحديث عن حقوق المرأة وحرية اختياراتها يبقى الإجهاض ممنوعاً في فنزويلا· ويبدو أنه في هذا الإطار من الخلط الأيديولوجي يمكن للشيوعية الصينية أن تتعايش مع الليبرالية الاقتصادية، والديمقراطية الروسية أن تتشبه بأفكار لينين، كما يمكن للاشتراكية الكوبية أن تتلفع برداء الكاثوليكية· والأكثر من ذلك تتعرض الديمقراطية في فنزويلا اليوم لاختبار حقيقي في ظل المحاولات العديدة ''لشافيز''، من خلال الاستفتاءات، لتغيير طبيعة النظام وتفصيله على مقاسه· فعندما يتم التضييق على المحطات التلفزيونية، وعندما تُشترى شهادات الميلاد وبطاقات الهوية بمئات الدولارات، وعندما تُفقد ملايين الدولارات من الخزينة العامة وينخر الفساد النظام القضائي، فإن الديمقراطية تكون في خطر· أما الملمح الآخر الذي تبرزه الحياة السياسية الفنزويلية فهو، استمرار التصورات الطوباوية في ممارسة غوايتها على شرائح واسعة من المجتمع؛ فبعد عقود من تعرض فقراء فنزويلا للتهميش على يد النخب الحاكمة، جاء ''شافيز'' ليفتح باب الثورة أمامهم بوعودها الكبيرة مثل خلق تعاونيات اشتراكية وتحسين الصحة والتعليم ووضع السلطة في يد الشعب؛ ورغم أن الثورة أوفت ببعض وعودها، لا سيما في مجالي الصحة والتعليم، إلا أن ''شافيز'' سعى أيضا إلى توسيع رقابة النظام لترسيخ سلطته الخاصة· ولن تجدي الأوهام الكثيرة التي تنطوي عليها التصورات الطوباوية في الحد من إغرائها سواء في فنزويلا، أو في بلدان أخرى بسبب المتغيرات العالمية التي تفرضها العولمة والسياسات الخاطئة لبعض القوى الكبرى في العالم· روجر كوهين كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©