الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصدع القبرصي·· على مرسى ميناء فارماجوستا

الصدع القبرصي·· على مرسى ميناء فارماجوستا
6 ابريل 2008 00:46
لقد كان هذا الميناء المسوّر، الذي لا يزال يتألق ببهاء القرن الرابع عشر، أغنى مدن المنطقة حينئذ، ولما كانت شوارع وأسواق ''فارماجوستا'' تعج بأثرياء التجار ووصيفات القصور الملكية المبهرجات بالذهب والحلي والأحجار الكريمة الثمينة، فقد كان طبيعياً أن تتردد في جوانبها أصداء عدة لغات بما فيها اليونانية والعربية والعبرية والفرنسية، بل حتى لغة التاميل وغيرها، وإلى جانب كونه مشهداً لأحداث مسرحية ''عطيل'' للكاتب الإنجليزي ''وليام شكسبير'' فقد كان موطناً في ذات الوقت لملوك القدس الفرنسيين المنفيين، ويقف هذا الميناء الأثري شاهداً حياً على عراقة تاريخه، وعلى تعاقب الإيطاليين أولاً ثم العثمانيين لاحقاً على احتلاله، فعلى بعد مسافة ليست بالبعيدة، تشمخ في سمائه كاتدرائية فرنسية قوطية، ثم يتلوها قصر إيطالي يعود إلى عصر النهضة، ثم كنيسة بيزنطية، وصولاً إلى مدرسة عثمانية، تحولت مؤخراً إلى مطعم من مطاعم المدينة· وعن الميناء حدثني ''ألان لانجديل'' -المختص في تاريخ الفن، والذي أكمل لتوه تصوير فيلم وثائقي عن جمال ومأساة فاماجوستا- قائلاً: ''هنا لديك تاريخ معماري يعود إلى نحو ألفي سنة، لا تزال آثاره قائمة إلى اليوم، أليس هذا مدهش حقاً''؟ واليوم وفي بادرة غير مسبوقة لرأب الصدع بين القبارصة الأتراك واليونانيين، فقد انطلق مشروع يشارك فيه طرفا النزاع، يهدف إلى حماية الكنوز المعمارية الأثرية القديمة الواقعة داخل ذلك الميناء المسوّر؛ هذا على الصعيد النظري، أما عملياً فلا يزال إطلاق المشروع متعثراً بسبب الانقسامات الأيديولوجية والسياسية بين الجانبين، إضافة إلى نقص التمويل اللازم له، ويأمل مؤيدو المشروع في أن تسهم الطبيعة التعاونية التي يتسم بها، في تجاوز العقبات السياسية التي تعترض طريقه، بما في ذلك فتح القنوات التشريعية والقانونية أمام تدفق موارد التمويل الأجنبي، وفي المقابل يعتقد هؤلاء أن في وسع المشروع نفسه حفز جهود الوحدة بين شعبي الجزيرة القبرصية، نتيجة تعزيزه للثقة المتبادلة بينهما، وفي خطوة رمزية باتجاه هذه الوحدة، تم افتتاح نقطة العبور بين طرفي الجزيرة، الواقعة في شارع ''ليدرا بنيجوسيا''· وأثناء مخاطبته للاجتماع الذي أطلق المشروع المذكور في شهر ديسمبر المنصرم، قال ''ألكسيس جالانوز'' -ممثل جالية القبارصة اليونانيين المنفيين في فاماجوستا-: ''إن القيمة التي يرمز إليها ميناء فاماجوستا، لهي أشد عظمة من كل العوامل التي فرقت بين القبارضة الأتراك واليونانيين في الماضي لمدة ليست بالقصيرة، وهذا ما يدعوني للتفاؤل بأن تكون هذه المبادرة معبراً لفتح هذه المدينة الأثرية أمام أوروبا والشعب القبرصي بشقيه''، ومن جانبه وافق ''أوكتي كايالب'' -ممثل القبارصة الأتراك في فاماجوستا- على ذلك بقوله: إنه حان الأوان لبناء جبهة موحدة تهدف لإنقاذ هذه المدينة التاريخية الأثرية، التي تمثل له جسراً بين الغرب والشرق، والمسيحية والإسلام· يذكر أن الأجواء السياسية نفسها قد تغيرت بما يدعم وجهة هذا المشروع، على إثر انتخابات فبراير الماضي، التي رفض فيها القبارصة اليونانيون رئيسهم المتشدد السابق، وانتخبوا بدلاً عنه الرئيس المعتدل ''ديمتريس كريستوفياس''، وما نتج عن ذلك من إنشاء مجالس استشارية مشتركة بين الطرفين للمرة الأولى بهدف استئناف محادثات السلام التي انهارت قبل أربع سنوات· يذكر أن ميناء ''فاماجوستا'' يقع في الجزء التركي غير المعترف به دولياً، في الجزء الشمالي من الجزيرة، ومن رأي الخبراء الأجانب أن الجزء التركي هذا، يفتقر إلى الخبرة والتمويل اللازمين لإنقاذ الكنوز الأثرية، ومن جانبها تحتج الحكومة القبرصية اليونانية المعترف بها دولياً، على حرمانها من حق التدخل في إنقاذ هذه الكنوز، وقد ترتب هذا الحرمان عن ما يزيد على الثلاثة عقود من المنع المستمر لأي من سكان ''فاماجوستا'' السابقين من القبارصة اليونانيين، البالغ عددهم نحو 45 ألفاً من العودة إلى منازلهم بمدينة ''فاماجوستا'' الجديدة، وهي عبارة عن مدينة شبحية ليس إلا، أطلق عليها اليوم اسم ''فاروشا''؛ وكما يعرف فقد انقسمت الجزيرة القبرصية عرقياً في عام ،1974 على إثر الاجتياح التركي للجزء اليوناني من الجزيرة، في ردة فعل منها على انقلاب عسكري دبرته الطغمة العسكرية اليونانية الحاكمة حينئذ ضد حكومة أنقرة، وبالنتيجة فقد أسفر ذلك الاجتياح عن تشريد نحو 180 ألفاً من القبارصة اليونانيين، و50 ألفاً من القبارصة الأتراك من ديارهم· يذكر أن الأمم المتحدة ومنظمات حماية الآثار الدولية، تبدي حماساً للمحافظة على كنوز ''فاماجوستا'' التاريخية؛ وعن ذلك صرح ''كوستا كاراس'' - نائب رئيس منظمة ''يوروبا نوسترا'' الأوروبية الأثرية- بقوله: ''لمدينة فاماجوستا أهمية بالغة في التاريخ الأوروبي، وهذا ما يجعل من مشروع إنقاذ كنوزها الأثرية مشروعاً رائعاً للاتحاد الأوروبي وللمثل التي يقف من أجلها، خاصة وأن في استطاعة المشروع أن يكشف بوضوح عن كيف يمكن للثقافة أن تسهم في توحيد الشعوب، ورأب التصدعات بينها''· هذا وقد ترأست منظمة ''يوروبا نوسترا'' مؤتمراً دولياً عقد في الرابع من أبريل الجاري في باريس، خاطب فيه مندوبون قبارصة يونانيون وأتراك أعضاء البرلمان الأوروبي ومسؤولي منظمة ''اليونسكو'' حول أهمية التصدي لواجب إنقاذ هذه الكنوز الأثرية النادرة، وقد عد هذا المؤتمر انطلاقة جديدة لمشروع التعاون والوحدة بين شعبي الجزيرة· مايكل تيودولو وفارماجوستا - قبرص ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كريستيان ساينس مونيتور''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©