الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ذهب أسود ·· كوميديا سوداء بالصورة

ذهب أسود ·· كوميديا سوداء بالصورة
1 ديسمبر 2007 00:08
أي نوع من القهوة يشرب الرجل الأوروبي وكم يدفع ثمناً لكوب واحد في المقهى ؟ ماذا يفعل الفلاح الإفريقي الذي يزرع هذه القهوة كل يوم من أجل الحصول على رغيف الخبز ؟ فيلم ''ذهب اسود'' الفيلم الوثائقي الذي يتحدث عن معاناة مزارعي القهوة في إثيوبيا يجيب على هذه الأسئلة التي تبدو لأول وهلة غريبة وبلا معنى ولكنها في النهاية ستسلط ضوءاً ساطعاً على معاناة خمسة عشر مليون فلاح أثيوبي بما يشبه الكوميديا السوداء· وفي المقابل تفضح لا مبالاة الغرب وأميركا التي تستهلك ما ينتجه هؤلاء الفلاحون من محصول من دون أن يدفعوا لهم أي شيء تقريباً· يكلف سعر فنجان القهوة في أي مكان من أوروبا أو أميركا ما يعادل اثنين ونصف يورو حصة الفلاح الأثيوبي منها عبارة عن سنتين فقط · لم تتغير هذه الحال منذ ثلاثين سنة ، مواكبة العالم في الوقت الذي يثري فيه تجار القهوة من الغرب يقابله هناك فقر مدقع يعيشه الفلاح الأثيوبي هو وذووه ما يجعل الأجيال المقبلة أمام مصير مجهول ويحرمهم من التعليم ومواكبة العالم الحديث في حياة كريمة· نشاهد في الفيلم معاناة الفلاحين مضاعفة وغير إنسانية أبدا حين يرفض الغرب رفع أسعار البن، وعلى الرغم من ذلك يقدم لهم القمح كمساعدات من اجل سد رمق جوع أطفالهم · تاديس ماسكل الموظف الحكومي الإثيوبي المتخصص بشؤون الترويج لبيع القهوة يقوم بجولة حول العالم من اجل تسويق القهوة الأثيوبية في محاولة لإيجاد مشترٍ يدفع سعراً معقولاً لبضاعته، لكنه في كل مرة يصطدم بما يشبه الإجماع الغربي على إبقاء سعر القهوة على حاله· إنه يشارك في البورصات التي تعقد في لندن والمكسيك وأميركا ولكن لا احد يصغي إلى ما يقول· وفي النهاية يرجع إلى الفلاحين المساكين ليخبرهم بفشل مساعيه مما يزيدهم إحباطاً وحزناً وخيبة أمل· ولكي يعمق المخرج ''نك فرانسيس'' من هذه المأساة يعرض جانباً آخر من حياة هؤلاء الناس، حيث تنتقل الكاميرا لتعرض لنا حالة النساء اللواتي يعملن بتنظيف حبوب القهوة· يظهر صفان طويلان لنساء جالسات وهن يلتقطن الأوساخ المختلطة بالحبوب حيث تتحدث إحداهن عن الأجور التي تتقاضاها جراء هذا العمل فتقول ''أتقاضى دولاراً ونصف الدولار في اليوم وأعمل ثماني ساعات من أجل ذلك ''· جمال الطبيعة لعبت الكاميرا والموسيقى دورا مؤثرا للغاية في نقل المشاعر الداخلية للشخوص والجو العام للفيلم· كانت الموسيقى تدق على الوتر القلق من حياة الفلاحين والكاميرا أظهرت جمال الطبيعة المتسخة وغير المشذبة وتلك الوحشية التي تختبئ خلف هذه الطبيعة الخلابة التي تنذر بشيء مجهول· وعلى الرغم من أن الموسيقى كانت محلية أحياناً، وغربية أحياناً أخرى إلا أنها كانت تلاحق الحدث أين ما كان وتفككه من دون أن يتأثر الإيقاع · وفي لحظات حاسمة كانت ترتفع بتصاعد مكتوم يغيظ أكثر مما يشير ويزعج أكثر مما يخيف· وحين تترافق الموسيقى مع الكاميرا في لقطات معينة، تلك اللقطات الطويلة نسبياً يكتشف المرء حقيقة أساسية مفادها أن هذه الطبيعة الفائقة الجمال يمكن أن تختفي بطريقة سريعة إن لم نهرع لحمايتها· خصوصاً وأن الكثير من الفلاحين الذين يديمون هذه الخضرة بدأوا بهجرتها بحثاً عن عمل اخر في أماكن أخرى· وقد نجح المخرج في إبراز جماليات المكان الذي صوره وكأنه جنة برية تشي بوعدين·· إما أن تصبح برية بالكامل وبالتالي ستضيع ، وإما الإسراع بتشذيبها وعقلنتها وبالتالي عقلنة العالم الذي يريد تدميرها بسبب شرهه وغبائه · القهوة بالنسبة لأفريقيا مثل النفط بالنسبة للبلدان النفطية، وإذا كان النفط في طريقه إلى النفاد فإن القهوة باقية إلى الأبد، فهل سيكون لإفريقيا في المستقبل ذهب اسود خاص بها؟!
المصدر: لاهاي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©