الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصر الحصن الشاهد والشامة المجبلة

قصر الحصن الشاهد والشامة المجبلة
20 فبراير 2014 11:42
علي أبوالريش منذ العام 1760م، وأنت بالشواهق الأربعة، ترنو إلى السماء محصناً برجال ونبال وخصال موصوفاً بالشمائل والخمائل والفضائل والنواصل، أنت.. أنت في الأرض، جذر وخدر، ونحر وصدر أنت في الذاكرة، فصل ووصل، ونصل، وكحل، وسهل، ونهل، أنت في التاريخ قلم وعِلم، وعَلَم.. أنت خير الكلم، إذ تقف الشاهق الباشق، الباسق، الطارق، العاشق، الشارق، الصادق، المتحدر من قِيم وشِيم، ونِعم.. أنت المسافة ما بين غزلان الأرض، وجذلان الماء.. أنت للوطن جدول وجدائل، منهل ومفاصل، منجل وشمائل.. أنت أنت هكذا في التاريخ، رسم على جبين الأرض، وشم على وجه اللجين لأنك جئت للحسم، والجزم، وصرامة الأفئدة التي تماهت والجبال شموخاً ورسوخاً. منذ العام 1760م، في مربعي البرجين استدعاء للجهات الأربع، أنت في دائرة البرجين، استدراج، لدوائر الحياة وانتماء إلى السماوات العلاء، ارتفاعاً ويفاعاً وإيقاعاً، واتساعاً، ولا احتمال غير أنك للماضي حصن وللحاضر حضن وللمستقبل فنن.. أنت للزمان، خير جليس وخير كتاب، أنت رضاب الأرض، ولهج الشفاة التي نطقت باسمك يا وطن، تهون النفوس، وترخص الأرواح. وجدان الناس قصر الحصن، أنت في قلب الأرض، في وجدان الناس، طائر النورس الذي حلّق، وحدّق، وأغدق بالعشق، لواعج ومباهج، ومناهج، صرت في المكان، ماء وسماء وفضاء، وهواء، صرت الهوى، والنوى، الجوى، صرت الحلم الذي تمشي على الرموش، فرفرفاً بالمآثر والمخابر، والسير، صرت الجزل والبذل، والأسطورة ملونة، بمناقب الرجال، وسواكب المزن الباذلة. قصر الحصن، أنت للروح رمز، وللمكان عزاء وكأنك في الذاكرة نخلة، مدت الفروع عذوقاً وبروقاً، واسترخت على أريكة الوعي، متطورة نسلاً من مفاصل التاريخ تعانق السماء بشوق العشاق، وتطرق أبواب الأسئلة بعلامات التوحد، وفي الفكرة أول ما صنعته يد الإنسان لأجل خلود في الوجود، ولأجل وجود بلا قدود، ولأجل بنود فقراتها حبّات عرق غسلت قماشة الذاكرة بحبر وسبر وصبر، وأخبار الذين جيشوا الحلم، واحتشدوا جنوداً مجندة، من أجل التأصيل والتفصيل ومن أجل صياغة واعية لمفردات الطموح، ومن أجل بلاغة تجسير الحلم، ومن أجل نبوغ في بلوغ الأمل، وتأكيد الذات بإبداع ما لا يمكن بلوغه إلا بالسواعد، وترسيخ القواعد، على كاحل وناهل.. قصر الحصن، أنت السور، والسطور، والجوهر والمحور، أنت الأسوار، في معصم العاصمة، أنت البدء والخاتمة، وأنت الجود والجياد، وأنت الإجادة والتجويد، وأنت تلاوة الفاتحة في مطلع الوعي، وشروق الذاكرة. قصر الحصن.. كأنك في الأرض قوس ورمح، كأنك في الصدر ترس وصرح، كأنك في السماء نجمة وغيمة، كأنك في الوعي كلمة باحت للوجد ما تسمّر في الزمان، يضع الشهد في المشهد، ويشاهد ماذا تكتب الأقمار من أسرار، وأخبار، وماذا يجيش في العقل من جُمل، نقاط حروفها حبّات رمل، تشربت من عرق الباذلين، وشجرت أتونها من رائحة الأجساد الكريمة، ثم ابتهلت ترتل آيات العشق، نسقاً وعشقاً، وترتاد الذاكرة، بلطف بلا سقف، وتشير بالبنان، كيف يكون البنيان بياناً وتبييناً، وكيف يكون المكان حصناً وغصناً ولحناً وفنا، وكيف يكون الإنسان طائراً، عشه المجد، وزادته ذاكرة لا تنضب ولا تقضب، ولا تجدب، ولا تكرب، ولا تهرب من أصابع الزمن عندما يكون بلسمه الحب، ميسمه حرقة لا تعشب أرضها إلا بالعشق، ولا تخضر أوراقها إلا بالتوق تجاه معالم التاريخ المبهرة وعلاماته المذهلة. قصر الحصن.. ليس مثله إلا إلياذة هوميروس، وكوميديا إلهية وأنت العظيم، ورسالة غفران المعري.. ليس مثله إلا حي بن يقظان لابن طفيل إذ تولد الأشياء، لتحفظ الود مع الوجود وتمنحه حياة ببريق النجوم السارية، ودهشة السماء المتناهية. قصر الحصن.. مثل قطرة الماء على جناح فراشة تحركها رفرفة الشوق، والألق، فتلمع كلما جاشت الحقول بأحلام الكائنات النبيلة، كلما سارت الأشجار باتجاه النجم السابق. قصر الحصن.. لا شيء مثل رعشة الوريد، ساعة اللذّة القصوى إلا هذا الرمز، لا شيء مثل حرقة الذروة القصوى إلاك حين تكون العيون مثل قناديل والأذهان نواقيس، والقلوب قواميس، تحفظ ما يكتنز التاريخ وما تزخر به أيام المكان من فضيلة الأوفياء ونبل السواعد التي رسخت على الرمل المبجل، عماداً ووهاداً، صارت للذين ينهلون المهد والنهد والكبد والوعد، والعهد، والسرد، ومفردات تعانق بعضها كأنها حبّات المسبحة، كأنها خرز القلادة، على طوق عنق، سله الله، نصلاً صقيلاً، وأجاد في نصب الأسئلة أجاد في جذب العيون باتجاه خير بوصلة، أجاد في قلب الحياة من جدبٍ إلى نبوع مسترسلة.. قصر الحصن.. مثل الجموح في أصل الكلمة، مثل الطموح في القلوب المدعمة، مثل الصروح في الإنسان المتناغمة، مثل كل شيء لا يشبهه شيء، مثل شيء لا يشبه إلا نفسه، لأنك في الفرادة نقطة الضوء الواعية، لأنك ما بين الشفتين ابتسامة منسجمة، لأنك ما بين الحاجبين «حبّة خال» ناعمة، لأنك لغة قابعة في الضلوع كأنها الكلمات المحتدمة، كأنك السطوة اللذيذة والحرقة المبهمة، كأنك الجزيرة على سطوح بحار، أفواجها طيور متكملة. قصر الحصن.. قاب قوسين من تاريخ، ما بين شفة وشفة، رضاب، يغسل القلب، ويحرك في المكامن نعمة الجلجلة، لا يغادر دفتر الأيام ساكناً في العبارة، مجللاً ببلاغة الحلم مدللاً، بما فاض من رحيق وأنيق الفائضات وجداً وجوداً.. قصر الحصن، كالقدرة الفائقة، تقف مجدولاً بعشق الأولين، وحنان الآخرين، وما بينهما، جدول من ماء الأرواح الكادحة. نواقيس الذاكرة كنسر على شيمة قلب تعدو بك الأيام، وأنت هنا تشم رائحة المكان وتقتفي أثر الساكنين، تحدق بالجبين المبين، تتوق إليك لأجلك وتسوق العبارة، جملة جملة، وتثابر في عجلة لكي تسطر للآخرين المعنى والكناية، وتشير بالحكاية، والرواية، إلى أن في الأقصى قلب أطربه الموال، فاشتاق للنشيد، وتاق، يحلم كيف يمكن للأواصر أن تجلى ما تشابهت به الأقوال والأمثال وتنجلي أنت عن قامة ترتفع بالذاكرة، وتخصب العبارة، بمسعى ومعنى وتجيب على أسئلة المكان عن إنسان كان هنا راعياً واعياً ساعياً إلى ترتيب أشجار القلب، وتشذيب أوراق التاريخ، لأجل اخضرار واستمرار مسار لأجل أطوار ترسم للقادمين صورة الوطن كما هي وبلا رتوش أو نقوش فقط لأنه الوطن في المعنى كائن تكون وكان مكاناً، يطوق ضباه، بذراع ويراع، ونسق أزهار الحلم ضمن أنامل أصابت وما خابت، وأجابت على مناغاة أطفال، تعلموا الحب، من أصول، وحقول وسهول، أينعت أعشابها عندما أروت بالدماء بساتين الحياة وباغتت الكون بقدرات منجزات مدهشة. قصر الحصن ككائن يطارد الذاكرة، بنواقيس اليقظة ويبدو الوهم يعلم، ويسدد الخطوات باتجاه النوافل والفروض، والمحاريب هذه الجباه الناصعة وسجادة الخشوع، أرض حباها الله بنسغ المعرفة، والقدرة المجازفة، وعزائم الذين غرفوا من الحياة غرفة.. غرفة وأدلوا للآخرين، عن قرار الجملة الآنفة.. قصر الحصن.. مثل جناح لا تقلقه العاصفة تزف البشرى للأشجار لأغصانها، أنك الظل والمظلّة، أنك الخلُ الوفي بلا خلخلة وأنك السارية والشراع والدفة واليراع، وأنك الناهض الرابض القابض من معاني الخلود الباهض الراكض في شريان الحياة كقطرة الدم كنقطة الحروف في الكلم.. وأنك القديم الجديد، المتجدد، المتوسد خاصرة الأرض، المتمدد في التاريخ بلا حدود المتمدد في المدى بلا صدود، المتوحد في الوجدان مكان لا يحده زمان، ولا قوسان.. قصر الحصن.. كأنك الجملة الفعلية، مضمومة في الطوايا والسجايا والثنايا والنوايا، مرفوع بضمة الصدر والقَدَر.. قصر الحصن.. كجندول وبندول يدق حلقة القلب، لتعلو أجراس الحلم وتستيقظ الذاكرة ولا تخبو الكلمات حين تبدو أنت نفرة الحجيج ساعة قيامة الوعي.. قصر الحصن.. مثل لمسة تحرك الكامن، وتوقظ الفكرة، مثل محيط يغسل ثياب التراب، بملح يتمشى على جلد الذاكرة الهوينا، ثم ينقر السواحل بأنامل البهجة ولا يتوانى في رسم الصورة موشاة بالفرح، والأمل، عصفور يرتل التغريد، بإمعان الأولياء الصالحين. قصر الحصن.. الغاف على ماء القرون الباحث عن عيون المتهجي حروف الحاء والصاد والنون، كطفل في مهد الاسترخاء تسبل جفنا ثم تحدق هذا أنت ولا سواك تتوحد في التاريخ، وتحتسي من أزمنة الوجد، كؤوس الانتماء وأنت المنتمي إليك، أنت المغروس، وريداً في قلب التراب، أنت المحروس بتاريخك، ونخوة الذين يرصعون الحياة بالشيم.. قصر الحصن.. قصر الحصن.. جبل من حنين.. ومعطى من منجز لا يخبو نجمه.. ولا ساعد له ينثني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©