الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأوروبيون: لا للولايات المتحدة الأوروبية

الأوروبيون: لا للولايات المتحدة الأوروبية
30 نوفمبر 2007 23:45
بأقل كمّية من الضجيج، وبالكثير من البراجماتية، قال القادة الأوروبيون في ليشبونة: لا للولايات المتحدة الأوروبية· في كل مكان يتخلى الناس عن أحلامهم، سكان القارة العجوز يفعلون هــــذا أيضــا، فقـــد تخلـــوا عن الدستور الذي كان يفترض أن يقود إلى الدولة الفيدرالية وأحلّوا محله معاهدة لإصلاح مؤسسات الاتحاد الأوروبي الذي سيكون له رئيس -قد يكــون ''توني بلير''- ولكن من دون دولة· هل يمكن لمفكر مثل ''جاك آتالي'' أن يضحك هكذا: ''أن نبدل شاربي بيسمارك بقطة باريس هيلتون''، ابنة أحد أصحاب سلسلة الفنادق الشهيرة والتي تملأ صورها -حيناً مع كلبها وحيناً مع قطتها- صفحات المجلات الفنية والاجتماعيـــة في أوروبا! إذاً، القارة العجوز وضعت على الرفّ الدستور الذي وضعته لجنة برئاسة الرئيس الفرنسي الأسبق ''فاليري جيسكار ديستان''؛ ولن يتحقق حلم ''كونراد اديناور'' و''شارل ديجول'' بـ''الولايات المتحدة الأوروبية'' التي تقف على قدم وساق مع الولايات المتحدة الأميركية· منذ زمن والأميركيون ينصحون حلفاءهم (أو أجدادهم) على الضفة الأخرى من الأطلســـي، بالحـــدّ من فائض الحلــم، أو من فائض الخيال، أو حتى من فائض اللغة لأن الزمن تغيّر، وحلّت البراجماتية محل الرومانسية، كمـــا أن قنينــــة الكوكاكولا أضحت أكثر تأثيراً، على المستوى الاستراتيجي، من القنبلة النووية· منذ 40 عاماً وضع ''جان جاك سرفان شرايبر'' كتابه الشهير ''التحدّي الأميركي''، وإذ قدم إحصاءات ومعطيات مذهلة حول التقدّم التكنولوجي الذي حققته الولايات المتحدة، رأى أن من الأفضل أن تدور أوروبا حول المعجزة الأميركية لأنّ القارة القديمة سقطت عام 1956 في حرب السويس· الزمن بات أميركياً، وكان رأي المفكر الفرنسي ''ريمون آرون'' أن شركة جنرال موتورز حلّت محل جمهورية افلاطون، وأن ''ارسطو'' لو كان على قيد الحياة لوصف الإنسان الأميركي تحديداً بأنه ''سوبر حيوان ناطق''· منذ أكثر من 60 عاماً تنبّه لذلـــك الألماني ''هنريتـــش بـــول'' -الحائز جائزة نوبل في الآداب- فاعتبر انّ القنبلة الذرية (ورغم أن الثلاثي الأوروبي كان وراءها: ''ألبرت اينشتاين'' و''روبرت اوبنهايمر'' و''ادوارد تيللر'') وضعت حداً لكل ذلك ''الغباء الفلسفي'' الذي أنتجته القارة على مدى القرن التاسع عشر، حتى أن ''فريديريك نيتشه'' قال بـ''السوبرمان'' في حين كان ''كارل ماركس'' يطرح مفاهيم شديدة التعقيد للجدلية المادية، كما للتاريــخ، ناهيـــك عن الفلســفة الاقتصادية· الدستور لم يشق طريقه إلى النور، هذا يعني أن الدولة الاتحادية تعثرت، ووزير الخارجية البريطانية ''ديفيد ميليباند'' لم يتردد في القول في ليشبونة -ولدى انتهاء قمّة الدول الـ27 في 19 أكتوبر 2007-: ''إن الدستور مات·· الليلة الماضية كانت نهاية الدستور''· هنا لا دولة فيدرالية، ولا علم، ولا نشيد وطنيا· العملة فقط، على أن يكون هناك رئيس للاتحاد، ومنسّق للسياسات الخارجيّة يتمتع بسلطات أكبر، ونظام أكثر ديمقراطية لصنع القرار ونفوذ أكبر للبرلمان الأوروبي ولبرلمانات الدول الأعضاء· هذه المعاهدة لا تتطلب استفتاءات؛ ايرلندا وحدها يقول دستورها بذلك، وإن كان أوروبيون كثيرون يعتبرون أن المعاهدة هي من الحساسية والأهمية بحيث لا بد أن يؤخذ رأي الناس بها، ولكن مَن يضمن أن يفعلوا بها ما فعله الفرنسيون والهولنديون بالدستور في عام 2005 عندما قالوا لا· المثير أن هناك مَن يلمّح إلى أن اليهود الأوروبيين لا يريدون للقارة أن تتحوّل إلى دولة فيدرالية؛ قد يكــون لهم تفسيرهم في ضوء التجارب الماضية ونشوء الامبراطوريات، مع أن البعض يؤكد أن ''نابليون بونابرت'' أول مَن قال بالوطن القومي لليهود في فلسطين، وقبل ''آرثر بلفور'' بأكثر من مائة عام، ثمّة مؤرخون فرنسيون ينفون أن يكون الامبراطور قد وعـــد اليــهود على أبواب عكــا بذلك الوطــن كي يقفوا إلى جانبه عندما حاصر المدينة؛ والقائلون بذلك القول يلاحظون أن رئيس الوزراء السابق ''لوران فابيوس'' -أحد أقطــاب الحزب الاشتراكي، ويهـــودي أيضاً- وإن قال إنه اعتنق الكاثوليكية، تزعّم ذلك الجناح الذي يضمّ العديد من اليهود والذي يرفض الدستور الأوروبي لأنه يلغي سيادة الدول، ويساوي بين ''شارلمان'' وراقصي الفالــس على أرصــفة امستــردام· الأميركيون تعاملوا مع الحدث بلا مبالاة، لكن القهقهات كانت واضحة، فالمطلوب أن تظل أوروبا امتداداً جيوبوليتيكياً للولايات المتحدة، التي يقول منظرو المستقبل فيها إنها ستواجه أوضاعاً بالغة التعقيد بحلول منتصف القرن؛ إذاً، لا بد من الظهير الأوروبي في مواجهة التنين الآسيوي، أو في مواجهة الدبّ الروسي الذي ينام على ''اوقيانوس'' من الغاز والنفط، وعلى احتياطي نقدي يتعدّى الـ500 مليار دولار مرشح لكي يتضاعف في السنوات العشر المقبلة· لقد تصرف الأوروبيون بطريقة براجماتية؛ معاهدة لا تفضي إلى الولايات المتحدة الأوروبية، بل يبقى لكل دولة كيانها، ويبقى الايطاليون ينتجون البيتزا، ويقولون إن الطبق المفضّل الآن يدعى ''مونيكا بيللوتشي''، فيما الانكليز لا يتصوّرون أن يتساوى تاج الملكة عندهم مع تاج الملك في الدانمرك الذي طالما تحدث عنها ''وليم شكسبير''، كما أن الالمان لا يمكن أن يتحمّلوا رئيساً من البرتغال مثلاً، إذ ماذا يقول ''غوته'' و''هيجل'' و''بيتهوفن'' و''شتراوس''·· المسألة تحتاج إلى منطق· أورينت برس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©