الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ترجمان الهُوِيَّة

ترجمان الهُوِيَّة
20 فبراير 2014 11:35
بجدرانه البيضاء التي خطّ عليها الزمن تجاعيد الأيام الماضية، ومسير الأرواح التي عبرت تحت ظلاله الطويلة، يتعلّى قصر الحصن بأبوظبي فوق هدير البحر الممتد والمحاذي له، كي يعزف على وتر النهار ما اختزنه الليل من منامات ورؤى حول مستقبل هذا المكان البهي والمغسول بالشمس مثل محارة فضية تتفتح على الألق، وتخرج من طيات السنين لتكتب بدورها قصيدة حية ونابضة من مبتدى الصحراء إلى منتهى الماء. إبراهيم الملا، فاطمة عطفة، ومكتب دبي في الاستطلاع التالي يتحدث عدد من الباحثين عن الأهمية الثقافية والتاريخية والعمرانية لقصر الحصن بمناسبة مرور 250 عاما على إنشائه بعد أن تحول إلى معلم حضاري مهم في تاريخ الإمارات، وكعلامة فارقة ولامعة في قلب الوثائق والذكريات التي أضاءت فكرة الاتحاد انطلاقا من الحلم الاستثنائي لزايد الخير والمحبة، وصولا إلى هذا اليوم الفائض هو الآخر بأحلام تنطق بالوعد وتبوح بالتحدي وبالحنين. كما تراهن أيضا بالاستشراف النقي الذي يقرأ المستقبل بوعي وتمكّن وانتباه. المسلم: رمز حاضر يشير عبدالعزيز المسلم مدير إدارة التراث والشؤون الثقافية بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة إلى أن قصر الحصن هو معلم ثقافي وعمراني يستحق أن يكون رمزا حاضرا على الدوام في المشهدين الثقافي والاقتصادي الذي تشهده الإمارات، ومدينة أبوظبي على وجه الخصوص، لأن هذا الحصن بالذات ـ كما يوضح المسلم ـ هو ترجمان لهوية المكان، ولهوية الذين أسسوه وتداولوا على العمل الإداري والسياسي في جنباته، ليكون بمثابة المنارة المضيئة في طريق الطموح المتواصل لنقل أبوظبي ومدن الإمارات الأخرى، إلى مصاف المدن المتقدمة والمزدهرة، المحافظة على رصيدها التراثي، المتمازج أيضا مع روح العصر والحداثة سواء في الرؤية أو في التطبيق. وأكد المسلم أن قرار الإبقاء على الحصن وتهيئته ليكون حيا وحاضرا في معترك هذا الحراك المتسارع عمرانيا في العاصمة أبوظبي، هو قرار يسهم في ترسيخ الذاكرة المحلية وحفظها من التلاشي والذوبان والتبخر من وعي وإدراك الجيل الجديد، وبالتالي ـ كما يشير المسلم ـ فإن الحفاظ على الحصن يمثل الحفاظ على كينونة الوطن وعلى كينونة الجسد الثقافي والبعد التاريخي العريق للمكان. وحول جماليات البناء وتفاصيله العمرانية، يشير المسلّم إلى أن قصر الحصن بأبوظبي يتمتع بتفاصيل معمارية مميزة، تجعله واحدا من أهم الحصون في الدولة، من حيث اتساعه وثراء الأبعاد الهندسية فيه، وباحته الكبيرة وتعدد المباني الفرعية في داخله، ما يحقق له الأهمية من حيث قيمته ومكانته الرئيسية مقارنة بالحصون الأخرى على طول الساحل الإماراتي. المطروشي: قيمة اعتبارية ويرى علي محمد المطروشي مدير متحف عجمان أن قصر الحصن تكمن أهميته ابتداء من قيمته الاعتبارية كمقر للحاكم وأسرته، ومركز دفاع، وأساس ومنبع لقرارات إدارة البلد، لأنه يشكل نواة وقلبا للمدينة في سعيها للتمدد واحتواء الأهالي وتحقيق رصيد من الأمن والأمان الذي يعينهم على توفير متطلبات الحياة والعيش الكريم، ونوه المطروشي إلى أنه كان أول من انتبه لمرور 250 عاما على إنشاء قصر الحصن ومدينة أبوظبي، وبالتحديد في عام 1761، وخوفا من أن تمرّ هذه المناسبة المهمة وتتلاشى عن الأذهان، قرر أن يجري اتصالاته بالجهات المعنية في أبوظبي وبالأشخاص المسؤولين لتذكيرهم بهذه المناسبة التاريخية التي تشكل منعطفا مهما في تحديد هوية وملامح المكان، ومن الذين خاطبهم جمعة الدرمكي وفاطمة المهيري، التي نقلت اقتراحه إلى الشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي، ومن هنا كما صرّح المطروشي بدأ الالتفات للأمر والاستعداد للفعالية الاحتفالية والاحتفائية بهذا المعلم الكبير والراسخ في المخيلة الشعبية الإماراتية. وعن الأهمية المعمارية للحصن، أوضح المطروشي أن شكل المبنى يعكس أثرا هاما يعبّر عن الطراز أو النمط المعماري السائد في تلك الفترة أي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر أثناء حكم الشيخ ذياب بن عيسى آل نهيان، ويتجسد هذا الأثر كما أشار في نوعية الأبراج وطبيعة الأبواب والنقوش التي حملتها، والتقسيمات الداخلية للمبنى والخارجية التي تجسّد شكل المعمار الحربي أو العسكري القديم. وحول الأهمية الثقافية لقصر الثقافة، أكد المطروشي أن إقامة الفعاليات التي تذكر بأهمية المكان وبشكل متواصل وغير موسمي، من شأنها أن تعزّز القيمة الثقافية والحضارية والتراثية للقصر، وإن تعيد إحياء ذكرى مؤسسيه والتعريف بالجهود المضنية التي بذلوها كي تتحول أبوظبي إلى عاصمة للعلم والثقافة والفنون والمعارف المتجددة، وأضاف المطروشي أن هذه الاحتفالات المتواصلة من شأنها كذلك أن تعيد الوشائج المقطوعة بين الجيل الحالي وجيل الآباء والأجداد الذين نحتوا في صخرة التعب كي يقدموا لنا هذا الواقع الزاهي والمجبول على التحدي والإصرار لصياغة غدٍ أفضل للدولة ولأبنائها والمقيمين فيها. العبودي: استقلالية معمارية ويوضح ناصر العبودي الباحث في شؤون التراث والآثار، أن قصر الحصن ومن خلال دراسته لتاريخ الحصون في الإمارات، يفصح عن استقلاليته المعمارية وهندسته الفريدة، وأنه استشف هذه الفرادة مقارنة بالمواد الأساسية التي قام عليها هذه البناء، والذي رأى أنه بني في فترة متقاربة ومتزامنة مع فترة بناء برج المقطع في أبوظبي، لأنه بناء اعتمد على الصخور البحرية المرجانية، وعلى المقالع الحجرية القريبة من الحصن، ونوه العبودي في ذات الوقت إلى أن التجمعات البشرية كانت موجودة في إمارة أبوظبي قبل ظهور هذين المعلمين، بحكم وجود حركة تجارية على الساحل، نظرا لوجود الإمارة في منطقة استراتيجية تقع في منتصف المسافة الساحلية الممتدة في الخليج العربي، ابتداء من رأس مسندم في أقصى الجنوب، وانتهاء بالكويت والبصرة في أقصى الشمال، حيث كان البحارة من عرب وأجانب يختارون المكان كاستراحة في طريق العودة والذهاب في أسفارهم البحرية، هذا بالإضافة ـ كما أشار العبودي ـ لرحلات تبادل البضائع التي كان يقوم بها سكان الصحراء والمنطقة الغربية التابعة لأبوظبي نحو هذا الساحل الذي أصبح مركزا تجاريا مهما في تلك الفترة. ويرى العبودي أن قصر الحصن بني على مراحل متفاوتة، حيث تكوّن أولا من برج واحد وبنمط معماري خاص، ثم أضيفت له أبراج أخرى اسطوانية الشكل في أطرافه وتم وصلها بجدران عالية حتى تحول إلى حصن ثم إلى قصر ومقر لحكام وشيوخ أبوظبي الذين تعاقبوا على إدارته خلال الفترات التاريخية الماضية. وأشار العبودي إلى أن اتساع وتطوير الحصن لاحقا، جاء موازيا للاتساع الذي شهدته مدينة أبوظبي وازدياد عدد سكانها، وتحولها إلى نقطة استيطان واستقطاب، ومركز جذب وثقل إداري وسياسي تتبعه الحواضر والمدن البعيدة كالعين والمناطق الغربية والمناطق الساحلية الشهيرة بصيد السمك والبحث عن اللؤلؤ والمتصلة بالإمارة وبكيانها الإداري المتمثل في الحاكم ومساعديه من المستشارين في شؤون الأمن والقضاء والنواحي الاجتماعية الأخرى. غباش: قصر المرأة الدكتورة رفيعة غباش مؤسسة «متحف المرأة» في الإمارات، تقول: بصفتي التأسيسة للمتحف المختص بتاريخ النساء، الذي يبحث ويوثق سيرة الرموز النسائية ودورها في السياسة والاجتماع والاقتصاد والأداب والفنون في تاريخ الإمارات، سأعلن انحيازي وأبدأ بالحديث عن قصر الحصن من زاوية المرأة. وتضيف الدكتورة غباش أنها تبين لها خلال أبحاثها ودراساتها النسوية أن الشيخة عوشة بنت شخبوط زوجة الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان، التي تُعتبر من أهم الشخصيات النسائية بتاريخ الإمارات، قالت إن زايد الأول حينما أمر بوضع أساسات قصر الحصن، طلب من البنائين البدء بتشييد غرفة ابنته سلامة. وتؤكد الشيخة عوشة أن ذلك يأتي انطلاقاُ من مكانة سلامة بنت زايد الأول المميزة عند والدها، لما تتمتع به من شخصية قيادية، إذ إنها كانت على قدر عالٍ من الحكمة والمنطق. وبهذا المعنى فإن القصر بالنسبة للدكتورة غباش، يحفظ دلالتين عظيمتين بكل المعاني الإنسانية: ـ الأولى أن القصر يُخلّد مكانة المرأة الإماراتية، ويوثق دورها الفذ والفاعل في النسيج الاجتماعي قبل قرنين ونصف من الزمان. ـ الثانية أن القيادة الإماراتية كانت منفتحة على الدور الفاعل للمرأة بالواقع الإماراتي في مرحلة تاريخية متقدمة. ما يؤشر على أن هذا المجتمع يتمتع بعمق حضاري ضارب بالتاريخ، ومتواصل من دون انقطاع. أما بخصوص تمثيل القصر بالذاكرة والوعي الإماراتي العام، فتقول الدكتورة غباش إنها حضرت العام الماضي احتفالات افتتاح القصر أمام الجمهور، بعد أن صار متحفاً، وأنها انبهرت بالأداء الفني والمسرحي في كل ما قُدم من عروض، واستنتجت بضوء ذلك أن الذاكرة استيقظت وبدأت تعمل على مرتكزات مهمة، بحيث صار الماضي الآن، يأخذ حقه من الاهتمام في مجالات التجميع والحفظ أو التوثيق، ليبقى شاهداً حياً في وعي الأجيال المقبلة. النابودة: هوية ومستقبل يقول سعيد النابودة المدير العام بالإنابة لـ«هيئة دبي للثقافة والفنون» إن قصر الحصن يمثل بذاكرته علامة مهمة من ملامح الهُوية الثقافية والوطنية، فجيلنا هو جيل «الاتحاد، الذي ولدنا به ونعيش بنعمته». والفضل بعد الله سبحانه وتعالى يعود لجيل المؤسسين، وعلى رأسهم المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فأثاره شاخصة، حية، في كل ركن من أركانه، بل في كل جزء من أجزاء الدولة، غير أن للأماكن، التي احتضنت الشيخ زايد الثاني رحمة الله عليه، أكثر من غيرها ـ مثل قصر الحصن ـ خصوصيتها المميزة، ولا أبالغ إن قلت، روحانيتها الآسرة، التي تجعلك تشعر حيالها بعلاقة مختلفة، علاقة أكثر دفئاً، وأكثر حميمة، على كل المستويات الوجدانية، فهي تلامس العقل والقلب، بكل الدلالات والمعاني الإنسانية بآن واحد. ويضيف النابودة أن كل موقع بالدولة هو حي بالقلب بالمعنى الوطني قبل الجغرافي، ولكن تبقى لقصر الحصن نكهة مختلفة «ونحن نثني في هذا السياق على جهود «هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة» لاهتمامها بهذا الصرح الشامخ، الذي يعكس أهمية الدولة بملامحها وأبعادها الثقافية، لأن قصر الحصن هو بالفعل تجسيد حي لمعنى الاتحاد، ومعنى القيادة التاريخية، الاستثنائية بدولة الإمارات، التي حبانا الله بها منذ الأزل، وحبانا بقيادة مازلنا ننعم بهديها الرشيد حتى الوقت الراهن ـ بفضل الخلف الصالح ـ تحديثاً وتطويراً أدهش الداني والقاصي. ولا يخفى على أحد أن شيوخنا يتميزون برؤى استشرافية ومستقبلية ليس للإمارات فحسب وإنما للمنطقة والعالم أجمع، عمادها الترابط الوثيق بين القيادة والشعب. وتحضرني بهذه المناسبة احتفالات العام الماضي، بذكرى مرور 250 عاماً على إنشاء قصر الحص، الذي يُعرف أيضاً باسم «القصر الأبيض»، وتلك المسيرة الحاشدة، التي امتدت من قصر المنهل حتى قصر الحصن، وتقدمها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والشيخ حمدان بن محمد بن راشد ولي عهد دبي، والشيخ سيف بن زايد وزير الداخلية، وعدد كبير من الشيوخ والمسؤولين، وكانت خير تجسيد لهذا التلاحم الوثيق بين الشعب والقيادة، وهو تلاحم ليس بجديد على الإماراتيين، وإنما تعود جذوره للماضي البعيد والإرث التليد، الذي كساه بمحاسن الأعمال، وزيَّنه بناصع الأفعال الشيخ زايد، رحمه الله، ومازال يتجدد عبق إرثه ويتضوع في قصر الحصن، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة، حفظه الله، فالقصر بالواقع ليس موقعاً بالذاكرة، وإنما هو حاضن الذاكرة، وربما هو الذاكرة بعينها. المطيري: قصر الحكايات الشاعرة شيخة المطيري تقارب الموضوع بحساسية رومانسية مطرزة بعاطفة دفّاقة، فترى بالمكان صباحات البلاد الباذخة بدفئها وضوعها، الذي يشكل وطن الأحلام والحكايات، المتعانقة باللهفات ونبض المسرات وبهاء التاريخ الآتي بدلاله وكماله. فتقول حالما خطر القصر على البال: تبدأ ذاكرتي بترميم عباراتها، وهي تصطاد تلك النكهة الاولى لما يعنيه قصر الحصن. ح ص ن حين صباح ندي وطن ينشأ.. أيدٍ تتكاتف حتى تبني. هكذا حين يأتي قصر الحصن يأتي زايد.. لا ترسم ذاكرتي إلاه.. يجتمع بمن آمنوا بأن هذه الارض هي البداية هي أول الحياة البيضاء.. هناك كانت تعجن غيوم الحلم تتراكم لتمطر الخير على الارض. حين يذكر قصر الحصن أرسم يدين من بياض تتكاملان دعاءً وتلبيةً ونداءً ونخيل حولهما تقول «آمين». قصر الحصن.. قصر حكاية، بل حكايات بدأت وميضا يكتب هذا الدستور المليء خضرة وسلاما. قصر الحصن.. قصر بلادي.. حصن تاريخها وأشياء أكثر أكثر. العصري: راية شامخة الشاعر راشد بن غانم العصري يقول إن قصر الحصن صرح شامخ بذاكرته وتاريخه، حافل بالمآثر والانجازات، هو بيت الحاكم والمحكوم، لكل مواطن به قصة إن لم يكن أكثر، لا يمكن النظر إليه على أنه مكان من حجر وطين فقط، وإنما هو الماضي بكل ما ينام عليه من ذكريات جميلة تبقى ماثلة في ذهن أبناء الإمارات جيلاً إثر جيل. الأنصاري: مركز إشعاع المخرج المسرحي أحمد الأنصاري يقول إن قصر الحصن يمثل كل مانحن فيه، من نموذج فذ للدولة الموحدة، وللتواصل الأخلاقي والانساني بين الحاكم والمحكوم، وللحداثة والبناء على مستوى الإنسان. يمكن أنني لم الحق أيام القصر، حيث كان يحتضن الناس جميعاً، ولكنني لحقت بحمد الله كونه مركز اشعاع وتنوير. فالقصر يمثل لي نبراسا يغطي الحاضر ويضيء المستقبل، ومرجعا من المراجع التاريخية المهمة في تاريخ الإمارات. الجلاف: وفاء وعراقة خالد الجلاف رئيس جمعية الامارات لفن الخط، ومدير تحرير مجلة «حروف عربية» يعتبر أن قصر الحصن يمثل التاريخ، العراقة، الوفاء، الشاهد على انجازات الأجداد، فضلاً على كونه من العناصر المهمة بالمعنى الثقافي، إذ إنه ألهم العديد من الشعراء والأدباء والفنانين على الكتابة حول معنى ومبنى القصر وما يمثله من قيمة تراثية وثقافية وإنسانية، سواء من حيث إنه كان مقر الأسرة الحاكمة في أبوظبي لفترة طويلة، أو من حيث كونه مقر قيادة مؤسس الإمارات الحديثة وباني اتحادها، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. ما يعني أنه كان يحتضن الكثير من اللقاءات مع الشيوخ فيما مضى، وينطوي على الكثير من المحطات المهمة بتاريخ الدولة. ويضيف الجلاف أن قصر الحصن أحد أهم رموز الدولة، بالاضافة إلى كونه معلماً هندسياً بديعاً، وأنه بصفته فنانا تشكيليا رسمه شخصيا بلوحة تحمل اسم «روح الاتحاد»، كدليل على قوة الاتحاد الإماراتي، وكدلالة فنية على تصميمه المعماري الجميل. فالأبراج التي يضمها القصر، والبوابات والمداخل بخطوطها وأقواسها وزخرفتها وتشكيلاتها المنمنمة تعطي الفنان مساحات جمالية وفنية واسعة للإبداع. سالم: الملاذ والغموض الفنان التشكيلي عبد الرحيم سالم يقول إن قصر الحصن هو جزء مهم من الموروث الثقافي في تاريخ الإمارات، ولكنه ارتبط بالذاكرة الإماراتية بصورة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والأسرة الحاكمة في أبوظبي عموماً. وهو على العموم ينطوي على دلالات عدة، تعطي انطباعا عن قوة التقاليد الثقافية في الإمارة، وشموخه يعطي قيما وطنية بمعنى الانتماء والهُوية الثقافية. ويضيف الفنان سالم فيقول: لا أخفي عليك كان القصر بالنسبة لي، خلال طفولتي الأولى، محاطا بالغموض الجذاب، الذي يغوي ويُغري المرء على الفضول وحب الاكتشاف والاستطلاع، ولكن هذا الأمر تبدد عندما صار مفتوحا لجميع الناس، فبات يمثل قيمة وطنية وإنسانية، لجهة الاتصال أو التواصل مع المواطنين وحل مشاكلهم. لقد كان القصر في وعي الجميع باعتباره الملاذ الآمن، وبه الحل لجميع مشاكلهم وقضاياهم. وبطبيعة الحال كان ملتقى لكبار الشخصيات، المقيمة أو الزائرة. لوتاه: معلم سياسي أستاذة العلوم السياسية في جامعة الإمارات الدكتورة مريم لوتاه تقول إن قصر الحصن من أهم المعالم التاريخية السياسية في الإمارات، حيث يمثل مرحلة مهمة من التطور السياسي في المنطقة. مرحلة أكدت قدرة التنظيم السياسي القبلي ـ رغم بساطته ـ على إدارة شؤون المنطقة وتوطيد العلاقة بين الحاكم والمحكوم في إطار حضاري. الحمادي: ذاكرة خصبة المخرج المسرحي الشاب حمد الحمادي يقول إن قصر الحصن يمثل لي دولة الإمارات بكل ما فيها، فهو يمثل الاتحاد، ويمثل الحاضر الذي نستظل به، ويمثل المستقبل الذي نتطلع إليه بهدي المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والخلف الرشيد. من هذا المكان أصبحنا إماراتيين. باعتقادي أن القصر يمثل ذاكرة خصبة وغنية في ذهن الإماراتيين، لأننا أدركنا حقيقتنا الراهنة من هذا المكان الجميل، الذي سيبقى ملهماً للأجيال المقبلة. يوسف: الحضن الدافئ المخرج التليفزيوني المتقاعد عيسى محمد يوسف يعتقد أن قصر الحصن بالنسبة للإماراتيين يمثل الحضن الأكثر دفئاً، بعيداً عن كونه من الرموز الأساسية بالدولة كمقر للحكم. ويوضح أن القصر في السابق كان مركز الحياة الاجتماعية بكل تفاصيلها، وأنه الملاذ الآمن لكل الناس، ولا يوجد بذهن أي مواطن أن مشكلته مهما صغُرت أو كبُرت أنه لن يجد حلا لها بالقصر، حتى الأعياد والمناسبات والأفراح كانت تقام بالقصر، لأنه على الدوام كانت هناك وشائج وثيقة وراسخة تجمع الحاكم بالمحكوم. فالقصر «بالنسبة لنا هو بيتنا». وعندما كان الحاكم يسافر خارج الدولة، كان الناس يُنزلون العلم، ولا يرفعونه ثانية إلا بعد عودته. البدور: بداية المسيرة نائب رئيس مجلس ادارة «ندوة الثقافة والعلوم» بلال البدور يقول إن قصر الحصن هو بدء مرحلة التطور في إمارة ابوظبي، لأنه قبل الانتقال من «ليوا» كانت الحياة ذات طبيعة بدائية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. ومع انتقال الأسرة الحاكة إلى جزيرة أبوظبي بدأت الحياة تأخذ أبعاداً حداثية بالمعنى الاقتصادي والتجاري على الأقل. وعندما استلم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الحكم بدأت الانطلاقة الحقيقية لبناء الدولة الدولة الحديثة، التي ننعم بخيراتها اليوم. أضف إلى ذلك أن قصر الحصن بالنسبة لي هو أول مقر لمركز الوثائق والبحوث، الذي يسجل تاريخ الإمارات عموماً. وهو اليوم متحف وطني شاهد على هذا الماضي الجميل. معلم تاريخي علي عبيد الهاملي عضو مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم يقول إن قصر الحصن كان ومازال من رموز الإمارات، وهو أحد معالمها التاريخية المهمة، لأنه شهد الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات التي تمت بين حكام أبوظبي والكثير من الدول، وعقدت في أروقته الكثير من الاجتماعات لشيوخ الدولة، وخاصة بعد تولي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الحكم. وكانت الاحتفالات بعيد الجلوس تقام بالفناء الخارجي للقصر، قبل انتقال منصة الاحتفالات إلى شارع الكورنيش. واستمر القصر يقوم بدور حيوي في ذاكرة الدولة والمواطنين، حتى بعد انتقال الشيخ زايد منه، حيث تحول إلى مركز للوثائق والبحوث، ولا يزال حتى اللحظة له دوره الريادي في مجال حفظ الوثائق. النبع الأول عبدالله جاسم المطيري، مستشار التراث بـ«هيئة دبي للثقافة والفنون» وخبير المسكوكات النقدية التاريخية، يقول إن قصر الحصن هو أقدم بناء تاريخي في أبوظبي، وهو يعبر عن بناء الدولة الحديثة في الإمارة، لأنه في الأصل كان نبع ماء، جرى المحافظة عليه من خلال بناء سور حوله، وبعد ذلك صار على شكل قلعة، ثم تحول الى مقر للحكم بعد أن هاجر حكام آل نهيان من ليوا الى أبوظبي، وجعلوها عاصمتهم. وهذا إن دل على شيء، يدل على أن البحث عن الماء كان عاملاً مهماً في الاستقرار لدى سكان المنطقة بشكل عام في تلك المرحلة التاريخية. وبعد ذلك تحول القصر إلى رمز للاستقرار والقوة ومقر لحكام آل نهيان. وهذه هي الدلالة التاريخية القديمة للقصر. أما الدلالة الحديثة فتتمثل في حرص حكام أبوظبي وأهل الإمارات بشكل عام على الرجوع الى الجذور التاريخية، والمحافظة على الأصالة من خلال احياء تاريخ هذه القلعة التاريخية. وتمثل هذا الأمر في مهرجان الحصن، الذي افتتح العام الماضي برعاية الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة، بإعادة إحياء القصر وتحويله الى مهرجان تراثي صار ينظم سنويا، ويستقطب الكثير من أبناء الإمارات والمقيمين في الدولة. أضف إلى ذلك أن القصر يمثل في الوقت الراهن مصدراً مهما يتعلم منه الجيل الحالي تاريخ هذه المنطقة، ويدفعهم الى الاهتمام بماضيهم والاعتزاز بهُويتهم وتاريخهم وثقافتهم عموماً. نور: الشاهد الحي الشاعر محمود نور يقول إن القصر يعكس التاريخ والإنجازات للدولة وقادتها ومؤسسيها العظام. كما أنه يجمع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها الدولة. لأن القصر كان ملتقى المواطنين بحكامهم، للتداول بشتى الموضوعات ومختلف الشؤون التي تهم الناس والدولة. كما أنه كان شاهداً حياً على نسيج العلاقات الدولية مع المنطقة، حيث جرى توقيع العديد من المعاهدات على مدى تاريخه المديد. أما الجانب الأهم في وجود قصر الحصن، فإنه شكل عامل استقرار وسلام ووئام. ولا يزال حتى اللحظة يقوم بدور مهم للغاية على مستوى الذاكرة المكانية بكل دلالاتها وأبعادها، حيث تقام به العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية، التي تُعد من أهم المعارض للإرث الإماراتي كما كان في السابق. الظاهري: موعد تاريخي وحول تاريخ القصر وأهميته، يقول إبراهيم سعيد الظاهري مدير عام الثقافة والإعلام في عجمان: «حكايات رويت، وقصائد كتبت، وكتابات دونت، ومحاضرات ألقيت، حول أدوار ومساهمات هذا المعلم الحضاري المعروف «بقصر الحصن»، الذي أسسه وشيد بناءه في عهد الشيخ ذياب بن عيسى، قبل ما يقرب من مائتين وخمسين عام، ففي هذا القصر رسمت معالم الطريق لعهد جديد، ليس لهذه الإمارة وحدها، بل لكل الإمارات العربية المتحدة وللمنطقة، وعبر حقب تاريخية مختلفة تجاوزت القرنين». ويضيف الظاهري: «في هذا القصر ولد قائد كان على موعد مع التاريخ الحديث والمعاصر، صنع الله على يديه تغيير معالم هذا الجزء الغالي من منطقة الخليج، ومثل محطة فارقة ومهمة في تاريخ الإمارة «القائدة» أبوظبي. ففي هذا المكان المبارك، ولد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وفيه شب وترعرع في كنف والديه. حتى شاء القدر في توليه حكم الإمارة، ومن ثم إقامة دولة الإمارات وتوليه رئاسة الدولة، فكان مولده فأل خير للإمارة والإمارات والمنطقة والعالم». ويشير الظاهري إلى أهم الأحداث التي شهدها قصر الحصن: «محطات متنوعة ومتعددة شهدتها جنبات هذا القصر، منذ أن انتقلت إليه قيادة آل نهيان، من واحة ليوا إلى إمارة أبوظبي، بدءاً من كون القصر يضم مكتباً للحاكم، ودارا، ودواوين الحكومة، والقضاء، ومسكنا للحاكم ومجلساً لأعيان البلد، كما شكل هذا المعلم التاريخي والسياسي والسياحي الشامخ، قصة الحكم والحب والوفاء والقيم الأصيلة، التي أسس لها، وأرساها شيوخ آل نهيان الأوائل، ومن هذا المكان خرجت للعالم ملامح ظهور تاريخ هذه الإمارة الناهضة، بما تحمله من مخزون ثقافي يعكس مدى ارتباط الصحراء بالمدن، والخطوات الأولى لوضع أسس العلاقات السياسية والاجتماعية، للعاصمة أبوظبي، بل وللإمارات العربية المتحدة بشكل عام». القبيسي: قيمة كبرى ويركز جمعة القبيسي، مدير المكتبة الوطنية على مكانة هذا الصرح الوطني والتاريخي قائلًا: «بالنسبة لقصر الحصن تأتي أهميته من المركز المشع الذي رافق بناءه، خاصة فيما يتعلق بإدارة الحكم بأبوظبي، كما تعرفين من سنة 1765 ابتدأ وكان وقتها درعاً لحماية البلد، وتأتي أهميته أيضا من خلال المحافظة على هويتنا كإماراتيين. هذا يشكل بالنسبة لنا قيمة كبرى، نحن سكان الإمارات بشكل عام، وخصوصية لسكان مدينة أبوظبي». ويشير القبيسي إلى المراحل التاريخية التي شهدها القصر: «من هذا الموقع تم الاتجاه نحو هذا التطور الذي نراه الآن، وقد تركزت فيه كل الجوانب لإنشاء هذه الدولة التي ابتدأت مع قصر، كما ابتدأت في هذا القصر أيضاً الاتفاقيات التي تمت مع العديد من الجهات وخاصة تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث كان هذا المعلم التاريخي قصر الحصن مقراً للحكم، وبنفس الوقت مقراً للأسرة الحاكمة التي نحن نعتز بوجودها على هذا الهرم». بن تميم: رمزية سياسية ويتأمل الدكتور علي بن تميم هذا الصرح المجيد كقلعة شامخة احتضنت أهم الأحداث التاريخية التي مرت بها المنطقة والإمارات، قائلا: «أعتقد أن هذه هي التي دشنت الأحلام ودشنت الوجود، وهي التي انبعثت منها بشكل عام المعالم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية في المنطقة، وهو من أقدم القلاع والحصون التي تمثل اليوم رمزاً في الواقع من الوحدة الوطنية، وتشكل معلماً ثقافياً بارزاً، لا بد من العناية به، وهو يشكل رمزية سياسية في ذهنية وعاطفة أبناء الإمارات بشكل عام، كونه يرتبط بالوجود الأول، طبعا أنا أعني الوجود المؤسس للدولة الحديثة». المزروعي: روح خاصة أما الفنان والشاعر محمد المزروعي، فقد عادت به الذكريات إلى عمله الثقافي داخل هذا الصرح التراثي، منطلقا من تلك الإضاءة المهمة: «يجب أن أحدد أولاً أن قصر الحصن الذي ضم المجمع الثقافي قد مَثَّل لحظة أولى مختلفة للعاصمة أبوظبي ثقافياً، حيث لم تكن هناك بنية تفكير حية ومتعددة للثقافة كالتي أتى بها ذلك المشروع. فقد كان المفهوم الثقافي مبتدئاً بحكم ظروف النشأة الحديثة للدولة، لذلك كانت الاهتمامات منصبة على الاحتفالي والرسمي، الذي يشكل زينة الخطاب الفَرِح لدولة وليدة». ويلتفت الفنان المزروعي إلى تصميم القصر والمجمع، موضحا بإعجاب: «أما المصادفة المعمارية والجمالية لمبنى قصر الحصن، ومن ضمنه المجمع الثقافي، فقد أسهمت في إضفاء روح خاصة على مشهد الأنشطة الثقافية، فهذا المبنى تحفة معمارية، تصميماً وخامات متطابقة مع البيئة، فقد اعتمد المصممون أسلوب «اللاند اسكيب» في بنائه، وزودوه بتفاصيل خارجية جعلت منه رمزاً منفتحاً على رموز الثقافة العربية التقليدية، ممهورةً بأسلوب تجريدي يقابل ويتوافر فيه حداثة الاستخدام.» ومن الجيل الشباب التقينا الإعلامية في إذاعة أبوظبي ندى الزعابي، وهي تعبر عن قيمة قصر الحصن التاريخية والسياسية وتقول: «نحن والدنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قال «اللي ما له ماض ماله حاضر ولا مستقبل»، لذلك فإن اهتمامنا كشباب، واهتمام المجتمع الإماراتي بقصر الحصن، يعتبر جزءاً بسيطاً نرده شكراً وعرفانا لكل من ساهم في بناء هذا الصرح المعماري.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©