السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هشام العيسوي: الثورات العربية أنعشت السينما التسجيلية

هشام العيسوي: الثورات العربية أنعشت السينما التسجيلية
13 فبراير 2013 21:15
يتعدى الاشتغال بالسينما وفي أحيان كثيرة المفاهيم والنظريات التي تؤطر وتحدد وتضغط على هذا الاشتغال، ذلك أن فن السينما في وعي المهمومين والمهجوسين به لا يرضخ لقسوة التعيين، وشراسة التنميط، بل هو ومن خلال تماهيه وذوبانه وحلوله واشتباكه في الشعر والتشكيل والمسرح وحتى في الراهن الاجتماعي والسياسي وصولا إلى النقد المتبصّر وغير المنفعل، إنما يحقق استقلاليته في الإتباع المرهف هذا، فيقدم القيمة على الشكل، ويدفع بالمعنى قبل المبنى، وبالرؤيا قبل الانطباع. ويعد الكاتب والمخرج السينمائي المصري الشاب هشام العيسوي من الساعين وبشكل جدي إلى إضفاء هذه الروح المتوثبة واللغة الديناميكية والانتباهات الفنية المتجاوزة لميراث وواقع السينما المصرية، والتي ظلت لسنوات طويلة أسيرة ومحاصرة بنمط إنتاجي مكرر ومتشابهة، لم ينج ولم يتحرر منه سوى القليل والنادر من الأفلام المستقلة والمحلّقة فوق ركامات السائد السينمائي هناك. إبراهيم الملا الغريب أن هذه الأفلام المستقلة- ونحن نتحدث هنا عن مرحلة ما قبل الثورة- دائما ما تكافأ بالحظوة النقدية والجوائز المهمة في المهرجانات الإقليمية والدولية الخارجية، بينما هي محاربة ومقصية رقابيا وتجاريا وتسويقيا في الداخل، والأقسى من ذلك أنها وفي غالبها الأعم لا تحظى بدعم الشركات المنتجة، ولا تجد- إذا نُفذّت وبأعجوبة - الفرصة للمشاركة في المهرجانات السينمائية المحلية في مصر، والمؤمل منها أن تكون أكثر انفتاحا مع النقد والتحليل ومع طرح الرؤى الجريئة والأساليب الإخراجية المبتكرة في هذه الأفلام. ويمثّل فيلم (الخروج من القاهرة) للعيسوي ــ الذي عرض في مهرجان دبي السينمائي عام 2011 والفائز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان آمال الإسباني ــ تجسيدا صارخا لهذا الإشكال ولهذا التناقض القائم بين الحكم الانفعالي والعاطفي على موضوع الفيلم وبين القيمة الفنية والقراءة البصرية والسردية المتمعنة في خبايا ومضامين هذا الفيلم، ذلك أن قصة الفيلم المتناولة لعلاقة حب تجمع بين شاب مسلم وفتاة قبطية طغت على الانطباع اللحظي المتسرّع والحساس أيضا في وعي الرقيب، وكذلك في الذهنية الربحية للموزعين وأصحاب صالات السينما، وفي الوقت ذاته فإن الجوانب الجمالية والإنسانية العالية المبثوثة في الحوارات وفي التكنيك الإخراجي اللاهث حينا والمتمهل في أحيان، لم يتم الانتباه لها وظلت دائما خارج القراءة المحايدة والمتخلّصة من تلك الأحكام القاطعة والإقصائية، فهل كان فيلم (الخروج من القاهرة) ضحية لجرأته في تناول قضية دينية حساسة لا يتقبلها المجتمع المصري، أم أن تناوله لقضايا أخرى مهمة مثل البطالة والفساد والحيرة الوجودية لدى الشباب المصري كان من ضمن أسباب أخرى متوارية لم يكن من المناسب التطرق لها قبل الثورة وأسهمت بشكل غير مباشر في منع عرض الفيلم في الصالات والمهرجانات المحلية في مصر، هذه الأسئلة وغيرها مما يتعلق بحال السينما المصرية قبل الثورة وبعدها، ومما يتراوح بين الخاص والعام في واجهة السينما ودهاليزها، طرحناها على العيسوي أثناء مشاركته في مهرجان الأفلام العربية الذي أقيم مؤخرا بمدينة مالمو في السويد، حيث فاز فيلمه (الخروج من مصر) بالجائزة الكبرى للمهرجان، وبجائزة معنوية مضاعفة تؤكد على أن التقدير الذي يأتي من الخارج يعنى أن هناك خللا كبيرا ما زال عصيا على الفهم في الداخل !!. قصص الناس بداية سألنا العيسوي عن فيلمه الجديد الذي يحضّر له حاليا وعن مشاريعه المقبلة بعد تخطيه للإحباطات الذاتية الداخلية والنجاحات الخارجية التي رافقت عرض فيلمه (الخروج من القاهرة)، فأشار إلى أن وجوده وتواصله بشكل فعلي وحقيقي مع الثورة المصرية أسهما في ولادة أفكار سينمائية لتوثيق هذا الحدث الاستثنائي- كما وصفه- في التاريخ المصري المعاصر، وقراءة الجوانب الإنسانية والظروف الاجتماعية التي أسهمت في انفجار هذا البركان المتأجج والصامت أيضا في أعماق المصريين، وأضاف العيسوي بأنه ورغم ضبابية وصعوبة الوضع، قرر أن يكون جزءا مكملا لهذه الثورة وأن يكثف بقاءه في البلد بعد سنوات طويلة قضاها في المهجر الأميركي، كي يسهم في حركة التغيير على المستوى الفني عموما والسينمائي خصوصا، واستدرك قائلا: «مع انطلاق شرارة الثورة ظهرت على السطح قصص ومواقف كثيرة ومؤلمة أفرزها وأسهم في تعميمها النظام السابق، ومن الضروري التطرق لهذه القصص وعرض تفاصيلها على الشاشة». ولم يخف العيسوي أيضا امتعاضه وارتيابه من القمع الأيديولوجي والكبت الفكري لبعض المتشددين والمتنفّذين من أصحاب القرار في مرحلة ما بعد الثورة، غير أن الجانب المهم الذي قدمته الثورات العربية للسينما ــ كما أكد العيسوي- هي أنها أنعشت الفيلم التسجيلي وأعادته إلى الواجهة مرة أخرى بعد أن كان مجهولا بالنسبة لأغلب المشاهدين في الوطن العربي، وأضاف: «فرض هذا النوع من الأفلام حضوره لأنه إفراز أو نتاج طبيعي للتغيرات المحيطة بنا، والواجب توثيقها واكتشاف مسبباتها في زمن (سايبري) بات يتعامل بشكل يومي مع ثقافة الصورة». وقال أن فيلمه القادم سوف يحمل عنوان: «العودة» وهو عنوان مقصود ومعاكس لفيلم «الخروج» في حبكته ومحتواه، حيث يتناول في فيلمه الجديد قصة شاب يعود إلى مصر بعد فترة غياب طويلة ليطمئن على والدته التي لا يعثر عليها والتي تتجلى رمزيا وكأنها تمثل مصر بكل نقائها وحنانها، وتقوده رحلة البحث المضنية إلى اكتشاف بلده من جديد واكتشاف ذاته وهويته التي استلبت وتشوهت في المهجر البعيد والقاسي في أبعاده الروحية الضيقة والمحاصرة بمفردات العزلة والفردية الطاغية. أجواء مشجعة وفي سؤال حول الأسباب التي دفعته للهجرة إلى أميركا وأثر ذلك في تطوير مهاراته السينمائية، أوضح العيسوي أن سفره إلى أميركا في العام 1990 كان بغرض دراسة الأنثروبولوجيا، ثم الرجوع بعد الانتهاء من هذه المرحلة إلى مصر، ولكن بعد التحاقه ببعض الفصول المتعلقة بفنون التصوير وجماليات الإضاءة قرر دراسة السينما والتفرغ لها، خصوصا ــ كما قال ــ إنه مرتبط بعالم الأفلام منذ طفولته وكانت متشابكة مع تكوينه وذائقته الفنية آنذاك، وهو الأمر الذي عززته وطورته الأجواء السينمائية المشجعة في أميركا، وتوافر فرص عديدة لإنتاج الأفلام والتعرف على تفاصيل وحيثيات هذه الصناعة المهمة والرائجة هناك. وأضاف بأن أول تجربة مهنية حقيقية له في أميركا وبالتحديد في مدينة شيكاغو تمثلت في عمله كمونتير ثم كمخرج لبعض الأعمال التلفزيونية والأفلام الوثائقية، واستمر في هذه المهنة التي طورت مهاراته التقنية مدة ست سنوات متواصلة قبل أن يؤكد حضوره كمونتير ومنتج للفيلم الوثائقي الأول الذي تم تصويره في القاهرة بعنوان: «إنقاذ أبو الهول» حيث تطرق الفيلم من خلال ثلاث شخصيات رئيسية للأضرار الكبيرة التي لحقت بهذا المعلم الأثري والعالمي المهم، والذي كان مهددا بالسقوط والانهيار تبعا لهذه الأضرار، وتتالت أعمال العيسوي الوثائقية من خلال الأفلام التخصصية التي قدمها لقناة (هيستوري جانال) المعروفة. وعن أولى تجاربه الإخراجية أشار العيسوي إلى أنها بدأت مع الأفلام الروائية القصيرة التي نفذها في الولايات المتحدة، وحمل أول هذه الأفلام عنوان : «التحقيق» بزمن عشرين دقيقة، وتم تنفيذه بالأبيض والأسود على شريط 16 ملم، وأضاف بأن اشتغاله على هذه النوعية من الأفلام يعود لشغفه بالأفلام الداكنة التي تتناول عالم الجريمة من الجهة المتوارية وذات الحيل والمكائد التي تنتمي لعتمة وخطورة وإثارة هذا النوع من العوالم والحكايات والخيوط السردية. ازدواجية الهوية وعن مدى إحساسه بازدواجية الهوية أثناء عمله في أميركا وكيفية التعاطي مع هذا الإشكال الوجودي، أكد العيسوي أنه شعر بأثر هذه الازدواجية مباشرة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وعبّر عنها في فيلمه الروائي القصير الثاني بعنوان: «حرف تي للإرهابيين» ــ « T for terrorist» الذي تناول نقطة الصراع والانفصام في الهوية لدى الإنسان العربي والمسلم في وسط اجتماعي هائج وعدائي بات ينظر إليه كعنصر بشري غير مرغوب به. وأوضح العيسوي أن هذا الفيلم أتاح له التعرف على الممثل الأميركي من أصول لبنانية (توني شلهوب) الذي شاركه بعد ذلك في فيلمه الروائي الطويل بعنوان (أميركا الشرق) الذي أخرجه في العام 2008 حيث توسعت في هذا الفيلم المفاصل السردية المحللة لواقع الوجود العربي والإسلامي في الولايات المتحدة بعد أحداث سبتمبر، والانعكاسات السلبية لمتوالياتها النفسية والاقتصادية على المهاجرين هناك. وحول الدافع وراء إصراره على تنفيذ فيلم (الخروج) وتصوير مشاهده بالكامل في أحياء ومناطق الإسكندرية رغم الصعوبات والمضايقات الكثيرة التي تعرض لها، أكد العيسوي أن زياراته المتكررة لمصر ـ قبل اندلاع الثورة- واقـترابه من هاجس الشباب ورغبتهم الكبيرة في الهجرة والظروف الاقتصادية المحبطة، خلقت لديه هذا الدافع وهذا الالتزام الفني والأخلاقي تجاه نقد الظواهر المقلقة، ونقل الواقع المؤلم المحيط بهؤلاء الشباب إلى الشاشة، كنوع من المراجعة الذاتية قبل انفجار الوضع وخروجه عن السيطرة ووصوله إلى مناطق أكثر تعقيدا واشتباكا مما كان عليه الحال في ذلك الوقت. وأضاف العيسوي إن التكنيك الإخراجي الذي اتبعه في تصوير الفيلم من الاعتماد على الكاميرا المحمولة وتقليص عدد الفنيين والتحول السريع بين المواقع جاء بسبب ملاحقات الشرطة وعدم وجود تصريح من الرقابة، ولكن هذه المضايقات الكثيرة ــ كما قال ــ خدمت الفيلم بشكل غير مباشر من حيث إضفاء الإيقاع اللاهث والتلصص البصري والصورة الواقعية المهتزة والصادمة التي هي من مكونات ومظاهر الموجة الجديدة في السينما العالمية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©