الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باقية ما بقي الإنسان

باقية ما بقي الإنسان
19 ابريل 2016 20:40
لا أستطيع تصور كاتب خارج هذا المكان المسمى (مكتبة)، إذ تتعدى حدوده اسم الآلة، ليغدو ملتقى رمزياً للأبعاد والعقود المثمرة أو المجدبة، للمعرفة أو الضياع في دروبها وأشخاصها: فضاء، غابة، مجلساً للعالم في قلب بابل المتخيلة في كل زمان. ولا أبعد للتصور من وجود كاتب وسط ديكور مكتبته، من تصور طه حسين أو العقاد أو جبران الذين لم يستغنوا عن الظهور بين أكداس الكتب حولهم. فالنظام المعرفي الذي خلقوه، من صميم الفوضى والتلغيز العقلي، سيصبح أنموذجاً لمكتبة المستقبل التي «تُحمل في ردن» بتصور الجاحظ، أو على رقيقة إلكترونية تُزرع تحت الجلد كما قد يتصورها رائد فضاء لا أمل له في العودة للأرض. إنها بتعبير آخر نقطة البدء والانتهاء لأي سفرة في الخيال أو الزمن المجهول. إنها المكان الافتراضي الذي يفلت من تزمين اليوم أو تحيينه بوقت أو ساعة: شيء ينمو في عقل الكاتب (القارئ) منذ ولادته البيولوجية. لنتصور عالماً من دون مكتبات، سيكون هذا العالم فراغاً مليئاً بالأصوات والشيفرات التي تشير إلى ماض خلا من رموزه اللغوية واللسانية، ليصبح «مجالاً» لابتكار الصور والكلمات. وفي ذهني صور لا تبارحني عن «مكتبات الرصيف» و«مكتبات القبو» و«مكتبات المدارس»، وغيرها من صور النشأة والكتابة. ستبقى هذه الصور تغذي تصوراتنا عن المكتبات حتى بعد انقراضها، وحتى بعد انتقالنا من مكتبات الجنة إلى مكتبات الجحيم. وترتبط كل صورة من تلك الصور بكتب الجنس وكتب السحر وكتب السجن وكتب العلم وكتب المصادفات الكونية المخيفة، وقد نَمَت كلها في أزمان الحرب والكارثة والعوز الاقتصادي والحجر الفكري. إذن، حتى المكتبات المطلقة، والمكتبات المتخيلة في أية رواية أو نص قصصي أو تاريخ للكتاب والقراءة والتعلم، ترتبط بشكل وثيق بتصور «أصلي» لا يتغير: المكتبة بصفتها رفوفاً وقاعات، أو بتصورها زاوية في بيت أو غرفة نوم أو أكداساً غير منظمة في قبو أو مخزن مهجور. تلك الصورة عن الأسفاط المحمولة في ردن أو على جَمَل أو في رقيقة إلكترونية سترافق الإنسان العاقل حتى يفقد آخر آماله في بقائه على الأرض.. أو يكفّ عن التفكير تماماً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©