الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلسطين.. خطوة رمزية نحو الاستقلال

30 ديسمبر 2012 20:47
حسن علي (أبوظبي)- أمضت فلسطين، آخر دولة محتلة في العالم، العام المنصرم للتو 2012، كما هو الحال منذ 65 سنة، رازحة تحت نير الاحتلال الإسرائيلي وحصاره واعتداءات قواته وإرهاب عصابات مستوطنيه في الضفة الغربية وقطاع غزة. وأمعنت إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال والدولة الوحيدة الناشئة بقرار من الأمم المتحدة، في تحدي المجتمع الدولي وازدراء قراراته المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وما زالت ترفض مجرد الرد على مبادرة السلام العربية الصادرة عام 2002 والتي تمنحها اعتراف الدول العربية رسمياً، بوجودها مقابل انسحابها من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967. وفقدت إسرائيل بتعنتها تأييد عدد من دول الاتحاد الأوروبي، أبرزها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وابتعدت عنها دول أُخرى، بينها بريطانيا وألمانيا، وأحرجت الولايات المتحدة وجعلتها تبدو متنكرة لحقوق الشعوب في الحرية ومدافعة عن الظلم والعدوان. وتوجت أحداث مثيرة ومتسارعة خلال الشهرين الماضيين التطورات طوال العام، هي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واعتراف الأمم المتحدة بفلسطين كدولة مراقب غير عضو فيها، ورد إسرائيل على ذلك باحتجاز الأموال الفلسطينية وبدء نشاط استيطاني محموم. وبينما كانت القيادة الفلسطينية تقاوم تهديدات إسرائيلية وأميركية بمعاقبتها، وضغوطاً غربية لإثناء الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن الذهاب إلى الأمم المتحدة، شنت إسرائيل عدواناً مدمراً على قطاع غزة يوم 14 نوفمبر الماضي استمر 8 أيام. وتوالت بيانات وتصريحات الإدانة والاستنكار، لكن سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية شخَّص الداء، موضحاً أن العدوان ليس المشكلة وإنما المشكلة هي الاحتلال. ثم أكد مجلس وزراء الخارجية العرب ذلك وطرح إعادة النظر في مبادرة السلام العربية، واقترحت قطر لاحقا إعادة النظر في المبادرة غير أن عباس أكد ضرورة إبقائها باعتبار أن البديل هو الحرب. وتحرك قطار المصالحة الوطنية الفلسطينية عندما أيدت حركة «حماس» توجه عباس إلى الأمم المتحدة، وشاركت في اجتماع للقيادة الفلسطينية في رام الله لأول مرة منذ حدوث الانقسام الفلسطيني وسيطرتها على قطاع غزة بالقوة منتصف عام 2007، وسمحت لها السلطة الوطنية الفلسطينية بإقامة مهرجانات حاشدة في مدن الضفة الغربية احتفالاً بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لانطلاقتها، كما سمحت هي لحركة «فتح» بإقامة مهرجان الذكرى السنوية الثامنة والأربعين لانطلاقتها في غزة مطلع شهر يناير المقبل. وبدأ العدوان واسع النطاق على قطاع غزة المسمى «عمود السحاب» بغارة جوية أسفرت عن اغتيال القائد العسكري في حماس أحمد الجعبري ومساعده محمد الهمص. واستمر القصف الجوي والبري والبحري الإسرائيلي على المنازل والمقار الأمنية والحكومية ومراكز الصحفيين والإعلاميين، حتى إبرام اتفاق التهدئة بوساطة مصرية ورعاية أميركية في القاهرة مساء يوم 21 نوفمبر. وبلغ عدد ضحاياه 191 شهيداً، بينهم 64 رضيعاً وطفلاً و12 فتاة وامرأة و20 مسناً، و1492 جريحاً، بينهم 548 طفلاً و254 امرأة وفتاة و103 مسنين، وتوفي عدد من الجرحى فيما بعد. وبلغ عدد المنازل السكنية المدمرة جراء العدوان 963 منزلاً بينها 92 دمرت كلياً و179 لحقت بها أضرار بالغة. كما دمر القصف مقر رئاسة الحكومة الفلسطينية المقالة التابعة لحركة «حماس»، و8 مقرات وزارية بينها القسم المدني في وزارة الداخلية و(14) مقراً أمنياً وشرطياً وعشرات المنشآت العامة التي لحقت بها أضرار متفاوتة من بينها 10 مستشفيات ومراكز صحية و35 مدرسة، ومقرا جامعتين و15 مؤسسة أهلية و38 مسجداً، و14 مؤسسة إعلامية ومركزا بحثيا، و92 منشأة صناعية وتجارية، ومركز تموين تابع لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى «أونروا»، و5 مقرات بنكية، و3 ملاعب وأندية رياضية، و3 فنادق، و34 مركبة، و3 مقابر، وجسران، وعدد من الشوارع والطرق العامة. وبلغت قيمة الخسائر الناجمة عن العدوان في مختلف القطاعات 1,245 مليار دولار أميركي (أضرار مباشرة 545 مليون دولار وأضرار غير مباشرة 700 مليون دولار). وقال وزير التربية والتعليم العالي في حكومة «حماس» أسامة المزيني إن خسائر قطاع التعليم بلغت نحو 4 ملايين دولار كتقديرات أولية، وإن 5 موظفين و25 طالباً استشهدوا، وأصيب أكثر من 300 طالب ومعلم بجروح. وردت «حماس» وفصائل فلسطينية بعملية «حجارة سجيل»، مطلقة مئات الصواريخ على مدن وبلدات ومستوطنات في جنوب إسرائيل ومعسكرات وقواعد لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ما أسفر عن مقتل 6 إسرائيليين، بينهم جنود، وإصابة عشرات آخرين، بينهم جنود أيضاً بجروح. كما سقطت صواريخ على تل أبيب، كبرى مدن إسرائيل ومركزها التجاري، وسقط آخران قرب قريتين فلسطينيتين على مشارف القدس المحتلة بعد إطلاقهما باتجاه مقر البرلمان الإسرائيلي «الكنيست» في المدينة. وألزمت وزارة حماية الجبهة الداخلية الإسرائيلية، في أحد الأيام الإسرائيليين بمن فيهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالنزول إلى الملاجئ والغرف المحصنة احتماء من القصف. وذكرت مصادر إسرائيلية رسمية أن أكثر من مليون إسرائيلي في الجنوب كانوا بمثابة رهائن خلال أيام العدوان، وتوقفت الحركة الاقتصادية بتاتا نتيجة للقصف الصاروخي الفلسطيني. وأفادت تقديرات اقتصادية رسمية نشرتها صحف إسرائيلية بأن خسائر لحقت بالمصانع الإسرائيلية في الجنوب تقدر بمبلغ 37,5 مليون دولار. كما أثر القصف على عمل المزارعين الإسرائيليين في الجنوب، حيث تكبد قطاع الزراعة وتربية الدواجن خسائر كبيرة تقدر بعشرات ملايين الشيكلات الإسرائيلية. وتم إلغاء زيارات وجولات لمستثمرين وزبائن جدد من خارج إسرائيل، بسبب المخاوف الأمنية التي أدت في النهاية إلى انخفاض نسبة ووتيرة الإنتاج في المصانع، حيث أوقف نحو 70 مصنعاً في محيط القطاع العمل كلياً، باستثناء المصانع التي اعتبر عملها ضرورياً، خلال أيام العدوان الثمانية، بالإضافة إلى ذلك، تضررت وتيرة العمل في 430 مصنعا آخر تقع في محيط القطاع. وتسبب العدوان بخسائر للاقتصاد الإسرائيلي بما قد يتجاوز 760 مليون دولار، بعدما أكد خبراء اقتصاديون أن تكلفته الاقتصادية ستقترب من 100 مليون دولار أميركي. وقالت مصادر في وزارة الدفاع الإسرائيلية، إن الوزارة ستُطالب الحكومة الإسرائيلية بمبلغ يتراوح ما بين 250 مليونا و510 ملايين دولار كتعويض عما أنفقته على العدوان. وأوضحت أن نفقات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تشمل تكلفة الصواريخ والقذائف والذخيرة وتحريك المئات من الآليات والمركبات العسكرية والجنود، واستدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط ونقلهم، بالإضافة إلى النفقات المرتبطة بتوفير الغذاء لهم وتسليحهم، وتكاليف آلاف الطلعات الجوية، والوقود اللازم لتحريك القوات. كما لحقت أضرار كبيرة بالممتلكات كالمنازل والتجهيزات العامة والبنية التحتية والمركبات والطرق والأعمال التجارية وغيرها، والتي يقدر حجمها بملايين الدولارات يومياً. وأوضحت التقديرات أنه إذا اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارا بتقديم تعويض كامل للقاطنين في المناطق التي تقع في نطاق سبعة كيلومترات من حدود قطاع غزة مع تقديم تعويض جزئي لبقية السكان، فإن الخسائر المالية الناتجة عن التعويضات ستصل إلى 3.25 مليون دولار يومياً. وعلى الرغم من فداحة الخسائر في الجانب الفلسطيني، هنأ عباس رئيس حكومة «حماس» إسماعيل هنية باندحار العدوان وتظاهر آلاف الفلسطينيين في القطاع احتفالاً بتوقف القتال بعد إعلان التهدئة، كما أعلنت «حماس» يوم الخميس 22 نوفمبر عطلة رسمية تحت عنوان «يوم النصر». وفي إسرائيل، خرجت تظاهرات صغيرة ومتفرقة للاحتجاج على اتفاق وقف إطلاق النار. وفي الواقع، فشل العدوان في تحقيق هدفه العسكري المعلن وهو وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على إسرائيل، إذ استمر إطلاقها حتى إبرام اتفاق التهدئة. كما فشل، بالتالي، سياسياً في دعم حملة نتنياهو الانتخابية للفوز بولاية جديدة في الانتخابات العامة الإسرائيلية المقرر إجراؤها يوم 22 يناير المقبل، وأشبعت إسرائيل فقط غريزة القتل والخراب المتأصلة لديها بتدمير القطاع. وتدخلت الولايات المتحدة لأول مرة مباشرة من أجل وقف إطلاق النار، بناء على طلب إسرائيل فيما يبدو، حيث زارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون المنطقة وأجرت محادثات مع نتنياهو والرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز وعباس والرئيس المصري محمد مرسي، انتهت بإعلان وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو التوصل إلى الهدنة خلال مؤتمر صحفي مشترك معها في القاهرة. شهادة ميلاد فلسطين تحت الاحتلال اختار الرئيس الفلسطيني محمود عباس ذكرى صدور قرار الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين يوم 29 نوفمبر عام 1947 الموافقة يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني 29 نوفمبر الماضي لتقديم طلب فلسطين وضع دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، في خطوة رمزية نحو الاستقلال، ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الطلب بأغلبية 138 دولة،عارضته تسع دول، وامتنعت 41 دولة عن التصويت. وبين الدول الموافقة ثلاث من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وهي فرنسا وروسيا والصين، في حين عارضته الولايات المتحدة وامتنعت بريطانيا عن التصويت، كما امتنعت ألمانيا غير دائمة العضوية عن التصويت، أما الدول الثماني الأخرى التي رفضته فهي إسرائيل وكندا وتشيكيا وبنما وجزر مارشال وميكرونيزيا وناورو وبالاوا. ودعا القرار مجلس الأمن إلى قبول طلب دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، الذي قدمه عباس في سبتمبر عام 2011. وأكد ضرورة التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، والوقف الكامل لجميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. كما أكد تصميم الأمم المتحدة على الإسهام في دعم الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني والتوصل إلى تسوية سلمية في الشرق الأوسط تنهي الاحتلال الذي بدأ في عام 1967 وتحقق رؤية الدولتين، وعبر عن الحاجة الملحة إلى استئناف وتسريع المفاوضات من أجل تحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة وشاملة. وتعهد عباس باستئناف عملية السلام فور التصويت على القرار. وقال في كلمته قبيل التصويت «إن الجمعية العامة مطالبة اليوم بإصدار شهادة ميلاد دولة فلسطين». وأوضح أنه لا يطالب بنزع الشرعية عن دولة قائمة بالفعل هي إسرائيل، بل يطالب بشرعية لدولة يجب أن تقام هي فلسطين. وأضاف «الأسرة الدولية تقف الآن أمام الفرصة الأخيرة لإنقاذ حل الدولتين». وصعد الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية العام نشاطه الاستيطاني غير الشرعي بموجب القانون الدولي بشكل غير مسبوق ببناء آلاف الشقق السكنية في الضفة الغربية، خاصة منطقة القدس، وسلب ونهب المزيد من الأراضي الفلسطينية من أجل توسيع المستوطنات القائمة وبناء مستوطنات جديدة، بما يقضي على فرص تحقيق «حل الدولتين» وإقامة دولة فلسطينية مستقلة متواصلة الأراضي. وقال «المكتب الوطني (الفلسطيني) للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان»، إن سلطاته عمدت إلى إحكام الخناق على بلدتيْ العيسوية والطور المقدسيتين، وفرض أمر واقع على الأرض فيهما تمهيداً لتهويد القدس. وغداة منح فلسطين وضع مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، قررت الحكومة الإسرائيلية مصادرة أموال عائدات الضرائب المستحقة للسلطة الوطنية الفلسطينية، المقدرة بمبلغ 100 مليون دولار شهرياً، حتى شهر مارس المقبل. كما أعلنت أخطر مشروع استيطاني يشمل بناء أكثر من من 4 آلاف وحدة سكنية في القدس والمنطقة التي تسميها (إي-1) شرقي المدينة وربط مستوطنة «معاليه أدوميم» بالمدينة. وسيؤدي ذلك إلى عزل القدس تماماً عن باقي الأراضي الفلسطينية وتقسيم الضفة الغربية إلى ثلاثة أجزاء بما فيها منطقة القدس علماً بأنها مقطعة الأوصال بمستوطنات تربطها طرق التفافية مخصصة للمستوطنين الإسرائيليين فقط، ومحمية بقوات الاحتلال وجدار الفصل العنصري الإسرائيلي المتشعب في الضفة. وأقرت، للمرة الأولى منذ 8 سنوات، استحداث آلية خاصة لتسريع اعتماد عدد من المشاريع الاستيطانية العالقة في القدس سمتها «لجنة استكمال الخطط». ونتيجة لذلك، صادقت سلطات الاحتلال على بناء 1500 وحدة سكنية استيطانية في القدس. ثم شرعت في إقرار أكبر مشاريع لتهويد المدينة منذ احتلالها عام 1967، تشمل بناء أكثر من 6 آلاف وحدة سكنية وغرفة فندقية. كما قررت بناء 1048 وحدة سكنية في مستوطنات على أراضي القدس وبيت لحم ورام الله ونابلس، متجاهلة مطالب المجتمع الدولي، بما فيه حليفتها الكُبرى الولايات المتحدة، بوقف الاستيطان باعتباره تهديداً خطيراً لمبدأ «حل الدولتين وعقبة أمام السلام». ووافقت على بناء 523 وحدة سكنية في بؤرة استيطانية ضمن مجمع مستوطنات «جوش عتصيون» جنوب بيت لحم تمهيداً لتحويلها إلى مستوطنة ضخمة بحجم مدينة، فيما منعت الولايات المتحدة مجلس الأمن الدولي من إصدار قرار لإدانة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية والمطالبة بوقفه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©