الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مواجهة فكرية مع الخراب وأدواته

28 نوفمبر 2007 21:27
الشاعر الفلسطيني زهير أبو شايب يفكر كما يكتب، ويكتب كما يفكر، أي بصعوبة وبجهد كبيرين، فهو ليس ممن يقبلون على الأفكار الجاهزة والكتابة السائدة، بل يسعى ويجتهد لتكون له أفكاره الخاصة، وصياغته المتميزة لهذه الأفكار، ولتكون لهذه الأفكار شخصيتها التي تعكس ملامح شخصيته، وذلك حتى لو كان يتناول أكثر الأفكار شيوعاً وأشدها انتشارا في ساحة الجدل العربي المحتشدة بالغثاء وبالممل من الأفكار والمعالجات، كما هي ساحة ''الإبداع'' العربي تحتشد بالممجوج وما هو تحت العادي من الكتابات المصنفة شعرا ونثرا· وفي كتاب ''ثمرة الجوز القاسية'' (دار أزمنة، عمان، 2007) تأتي كتابة زهير استجابة للعنوان وانسجاما مع مضمونه، مثلما هي كتابة تنسجم مع شخصية كاتبها التي تعتبر شخصية ذات قشرة صلبة ويستحيل النفاذ إليها بالسهولة التي يريدها قارئ مستعجل لا يملك أدوات ''القراءة'' الذكية والتلقي المتمعن والمتعمق في ما يتلقى، ومن هنا تأتي قراءتنا هذه في كتابة زهير أبو شايب لتلقي ما أمكن من الأضواء على كتابة صعبة ومعالجة صعبة لأفكار ناجمة عن جهد واجتهاد في التفكير الذي يولي اهتمامه الأساس لذائقته الرفيعة، ويمنح الفرصة لعقل المتلقي كي يتفاعل ويجتهد بدوره من أجل المشاركة في اكتمال حلقة الكاتب/ المتلقي والكتابة/ التلقي·· وصولا إلى رسالة الكتابة والكاتب، رغم ما يقال عن كون الكتابة الإبداعية لا رسالة لها سوى ذاتها، فذات الكتابة هنا رسالة محملة بموضوعها الذي يظل سرا من أسرارها لا يكشفه سوى الغوص في تلك الذات· الكتاب يضم مجموعة مقالات كتبت، ضمن زوايا صحافية أسبوعية، قبل عشرين عاما أو أكثر، وتناولت قضايا متعددة، بعضها متعلق بالكتابة والإبداع، والبعض الآخر مرتبط بالتجربة الشخصية/ الإنسانية للكاتب الشاعر وحياته وعلاقاته، وهناك مقالات تتناول جوانب من التجربة الوطنية الفلسطينية، إضافة إلى ''نظرات'' في جوانب من التراث العربي الإسلامي وانعكاساته في الراهن العربي (يقسم زهير كتابه في أربعة فصول: ضد الأنا ومع الذات، ذات لها آخر، من سماء الكتابة إلى أرض التأليف، والدرجة الصفر للمقاومة)· ولأن المقالات هي من ''ماضي'' زهير القديم نسبيا، وعلى الأقل نفسيا، كان لا بد له أن ينظر إليها بوصفها طريقا إلى المستقبل، أي بوصف ذلك الماضي- حسب زهير نفسه ''لا يقدم سوى المادة الخام التي قد تتسبب في ولادة المستقبل، مثلما قد تتسبب في إجهاضه''، ذلك أن ''المستقبل- وليس الماضي- هو الذي ينتج المستقبل في الحقيقة، ولذا على الكاتب أن يقف في (مستقبل ماضيه) يوما ما، وأن يسمح لنفسه بـ''ابتكار'' ماض منخّل يصلح لأن يستنبت منه مستقبل معافى''، وهذا الوقوف في ''مستقبل الماضي'' هو الذي دفع الكاتب إلى إعادة إنتاج ''معظم مقالات هذا الكتاب''، حيث ''ما من قداسة للأرشيف'' الذي يمثل الماضي و''جاهليته''، مثلما لا قداسة للماضي- الموروث إلا بقدر ما يكون مستقبليا، ومن هنا تحتفظ مقالات زهير في كتابه هذا بقدر كبير من راهنيتها ومستقبليتها، ففي ما هي تكتب الراهن- الذي كان ماضيا- كانت تكتب المستقبل أيضا، أي مستقبل تلك اللحظة المفكَّر فيها، وهذ هي سمة الفكر الإبداعي الرافض للاتباعي والتقليدي والشائع الذي لا يرى في الراهن سوى راهنيته· بهذه الروحية المنفتحة، والعقلية المتفتحة أيضا، يأخذنا كتاب زهير هذا في رحلة إلى عوالم الكتابة أولا، عبر السؤال المألوف ''لماذا أكتب؟''، قائلا إن ''الكتابة استسلام·· نؤديه لأنه يسبب لذة غامضة، ولا نتساءل عن جدواه''، ويمضي متسائلا: ابتداء ''أليست اللذة سببا كافيا للكتابة؟''· لكن هذه اللذة ـ كما أرى ـ لا تتحقق بمجرد الكتابة''، ولذلك يجد زهير نفسه يقف على معنى الكتابة، فهو يكتب لكي يكون ''معنى الكون كله'' (كما يقول النفري)· فمن غير الممكن أن تظل الكتابة بلا معنى، ومعنى كبير تحديدا·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©