السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غطيني يا... باميلا

غطيني يا... باميلا
28 نوفمبر 2007 21:21
شخوص المشهد: حضرتنا وشقراء إنجليزية ومئات الداخلين والخارجين إلى محطة أنفاق (جرين بارك) اللندنية حيث مكان المشهد، أما زمانه ففي أوائل ثمانينات القرن الماضي حين حضرت إلى العاصمة البريطانية للعمل في مجلة عربية· لم أعد أذكر أسم الشقراء لكن انسجاما مع الذاكرة الصورية سأسميها باميلا فقد كانت مثل باميلا اندرسون من النوع الذي يهاجمك بمقدمة مصفحة كسيارات هامر ثم يودعك بخلفية منفلشة ممتدة كسيارات شيفروليه· أيامها حين تلقيت تلك الصدمة العاطفية المروعة لم تكن صداقة الشقراوات الانجليزيات للفتيان العرب معقدة مثل هذه الأيام، فلم تكن الحرب على الارهاب قد عقدت العلاقات بين البشر ولم تكن أخبار محاولة نزار هنداوي نسف طائرة عن طريق صديقته الايرلندية تصل إلى الفئات الشعبية التي تعيش ليومها لاهية عن السياسة، ولم يكن عمر بكري قد أصبح داعية مرموقا يظهر على الفضائيات والأرضيات، ولم تكن صورة أبو حمزة المصري بموبايله المعلق بالرقبة وخطافه المرفوع كالكابتن هوك تنشر يوميا في ''الصن'' و''الميرور'' لتذكر الشقراوات من خطورة الاقتراب من أشخاص من بني جلدتنا الذين غنى لهم يوري مرقدي·· ''أنا عربي فاخشيني''· كنت قد حصلت على هاتف باميلا من مكتب خدمات عاطفية، فقد كانت تلك المكاتب التي تحترف جمع الرؤوس بالحرام والحلال من أوائل الظواهر التي شدت انتباهي، وأجريت حولها عدة تحقيقات صحافية لأنها كانت حديثة العهد ـ حينذاك ـ وكانت بالنسبة لمكبوت من الشرق بوابة مناسبة للتجريب واختصار الطريق العربي الطويل الذي يبدأ بنظرة فابتسامة فموعد وفاءآت أخرى· أذكر أني سألت مديرة الوكالة التي قابلتها لانهاء التحقيق في مكتبها الفخم في (بوند ستريت) وكيف يتأكد زبونكم من أنه يحصل على خدمات نظيفة وليس خدمات بنات هوى··؟ اغتاظت الست من السؤال الاستفزازي وأعطتني ورقة مطبوعة فيها عدة مواصفات وأرقام وقالت جرب بنفسك لتتأكد من أننا لا ندير مكتبا للدعارة، وبما إني كنت مستعجلا فقد جربت الأرقام ذلك المساء دون التدقيق في المواصفات وحبكت موعدا مع باميلا لأقابلها أمام فندق ريتز· قبل الموعد لبست أفضل ما عندي وسرت أتهادى وكرش أنيق يسبقني، فقد كنت عائدا حديثا من الخليج محشوا بالمجبوس والهامور، وكان تأثير المنطقة ينسحب على اللون أيضا فقد أمضيت الأشهر الأخيرة هناك على شاطئ البحر أسبح وأصطاد حتى صرت مثل أهل زنجبار· في القطار إلى الموعد المضروب تصفحت ورقة المواصفات لأتعرف على ملامح الشخص الذي تبحث عنه باميلا واهتماماته وعندها أسقط في يدي لكن أوان الهرب كان قد فات· من النظرة الأولى عرفت باميلا من مقدمتها المتحدية والجاكيت الأحمر الذي اتفقنا أن ترتديه، وبينما هي تنظر إلى البلوفر الذي حشرت فيه نفسي قسرا كنت أرى الغضب يشتعل في عينيها الخضراوين، ومن يلومها فقد حددت طلباتها بدقة وقالت إنها تبحث عن أشقر طويل القامة بعينين زرقاوين فإذا بها تجد بدلا عنه في موعدها الغرامي أسمر بكرش مثل محمد فايق وصلعة لا يحسده عليها حسن عابدين· حاولت وقد أدركت ورطتها وورطتي أن أخفف ظلي لأتجاوز الموقف وأجرها إلى أقرب مقهى للتفاهم على الطلاق بالحسنى لكن دون جدوى فقد كانت تبرطم بأشياء لم أفهم نصفها، وفيما هي تهم بالانصراف قلت ما معناه ـ ما فيش فايدة يعني ـ فازداد غضب البنت من تناول القضية بهكذا لغة وبرطمت بما استطعت ترجمته: ما فيش فايدة ايه يا روح أمك هو احنا فاتحين مصرف خيري· أدارت باميلا خلفية الشيفروليه ومضت، وبقيت ساهما أحاول لملمة خيبتي واحباطي ولا أعرف لماذا غادرني حينها كل ما أعرف من أمثال وأقوال بليغة نتذكرها عادة في الكوارث والملمات باستثناء مقولة سعد زغلول في لحظات نزاعه الأخير: ـ ما فيش فايدة غطيني يا صفية··· ü شاعر وناقد سوري
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©