السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبدالعزيز المقالح: لاشيء يبعث على السرور

عبدالعزيز المقالح: لاشيء يبعث على السرور
28 نوفمبر 2007 21:19

عبد العزيز المقالح الاسم اليمني الأكثر شهرة في الحياة الثقافية العربية والعالمية يواصل حياته وكأنه يبدأ للتو· فبكل تواضع يقابل أدباء اليمن الشباب ويكتب عنهم ويقدمهم، كما يبقى على صلة بالمشهد الثقافي خارج اليمن بكل مجايليه، وهو أحد الأصوات العربية التي ارتادت في خمسينات القرن الماضي آفاق القصيدة الحديثة·
المقالح الذي بدأ في النشر عام 1958 وأنجز ما يقرب من خمسين كتاباَ في الشعر والفكر والنقد، وكتب آلاف المقالات والمحاضرات الأكاديمية ظل مخلصاَ لفكره كرائد تنوير يرى أنه عليه القيام بدوره في الحياة التعليمية والاجتماعية، ولهذا شغل منصبي رئيس جامعة صنعاء ومركز الدراسات والبحوث وغيرهما·
في هذا الحوار نسائله عن منجزه شعراً وحياةً بعد صدور مجموعته الشعرية الكاملة، عن آفاق الحداثة المرجوة في ظل حال عربي يشهد الكثير من التحولات، وعن مشاغله بين الفكر والشعر والنقد· 

- بعد أربع عشرة مجموعة شعرية وما يقرب من رحلة نصف قرن من الكتابة الشعرية، كيف تقرأ صدور المجموعة الشعرية الكاملة لك أخيراً، في تحولاتها· وهل وجدت نفسك شعراً وحياة، عبر كل هذا المنجز؟
ـ لم يفاجئني صدور المجموعة الكاملة، كما فاجأني صدور ديواني الأول في مطلع السبعينات ''لا بد من صنعاء''، وكما فاجأني صدور مجموعاتي الأولى في مجلد عن ''دار العودة'' في أواخر السبعينات· لقد أضحى الزمن مختلفاً الآن· لا شيء يثير ولا شيء يبعث على السرور· لقد صار العالم ـ كما قال أحدهم ـ بشعاً والناس حزانى· والهموم التي سكنتني خلال صدور هذه المجموعة الكاملة كانت أكبر من التفكير أو الاحتفاء أو التأمل في حصيلة الرحلة· صحيح أن الكتابة الشعرية ماتزال هاجساً جميلاً بالنسبة لي ولكن ظهور نص شعري أو مجموعة نصوص لي في مجلة أو ديوان أو حتى ظهورها مجموعة بهذا الحجم (ثلاث مجلدات) لم يعد يعني كثيراً، إن فظاظة الواقع أكبر وأصعب من كل شيء في حياتنا الراهنة·
وهنا لا أنكر أن أغلب قصائد هذه المجموعة تحمل صورتي وصوتي وشيئاً من أفكاري وتفاصيل همومي وأشواقي، لكن ذلك لا ينسيني أن التباساً غامضاً وعميقاً يقوم بيني وبين كل ما كتبته في الستينات والسبعينات والثمانينات من شعر يبحث عن الحرية، شعر فكري، سياسي في معظمه يتناسب مع هموم تلك المرحلة· وليس ذلك شأني مع الشعر الذي ظهر لي في التسعينات وبداية القرن الجديد حيث يبدأ الاهتمام بالمكان، وتهمس الكلمات بصوت خافت يكاد يكون صوفياً يعطي للشعر قيمة وجمالاً· وسيكون في مقدور النقاد الذين ينكبون بإخلاص على الأعمال الشعرية أن يدرسوا من خلال هذه المجموعة الكاملة أحزاني وأحلامي القديمة والحديثة، وأن يقرأوا كذلك الأسئلة القديمة والحديثة التي حاولت قصائدي الكثيرة أن تطرحها بعفوية حيناً وبقصدية حيناً آخر·
وبكل الصدق أعترف أنني، بعد كل هذه الرحلة الطويلة، ما زلت أبحث عن القصيدة التي أتمنى كتابتها، والتي كلما قلت إنني عثرت عليها أو اقتربت من أقاليمها وجدت أنها تبتعد عني وتشير إلي أن اقترب أكثر وأدنو من مناخها الذي يتراءى لي اليوم أكثر بعداً من أي وقت مضى، وأبعد ما تكون عن التحقق بالصورة المشتهاة، فالشعر كالكون لا تحده بداية ولانهاية· ومن هذا المنطلق سأظل أواصل البحث عنه إلى آخر لحظة في الحياة مع التأكيد على محدودية الحياة التي نعيشها والامتداد النهائي للأحلام التي هي مصدر الشعر وكل إبداع·

إعادة الصياغة

- هناك عدد من الشعراء عندما يعيدون نشر أعمالهم الشعرية كاملة أو منفردة يقومون بما يسمونه بالصياغة النهائية· وقد وجدنا في الأعمال الكاملة أنك قمت ببعض التغييرات، أو إعادة الصياغة لبعض القصائد· هل برأيك تظل القصيدة في متناول الشاعر، ومن حقه أن يغير فيها أو يجددها ما دام أراد ذلك؟

ـ كانت التغييرات طفيفة جداً لا تكاد تذكر بالقياس إلى التغييرات والتعديلات التي قام بها بعض الشعراء تجاه ما سبق لهم نشره، وهو ما يمكن أن يقال عنه إعادة صياغة جديدة· وأعتقد أن من حق الشاعر أن يضيف ويحذف من نصوصه التي سبق نشرها ما يشاء وأن يعيد صياغتها إن أراد، فلا ننسى أن الشاعر الحقيقي يتجاوز نفسه وأنه في حالة مسيرة تصاعدية تجعله تحت وطأة هذا التصاعد يفرض سلطته على ذاته وعلى النص أيضاً·

كتاب أم ديوان؟

كتبك الأخيرة تمضي في سياق موضوع واحد: كتاب القرية، كتاب صنعاء، كتاب المدن·· كيف يتم لديك ترتيب هذا السياق في مختبرك الشعري؟
 
 أزعم أن الاسم وحده هو الواحد، أعني ''الكتاب''، بينما الموضوع أو بالأصح الموضوعات مختلفة تماماً في سياقها كما في محتوياتها· صحيح أن ثلاثة أعمال منها تتناول المكان وهي: كتاب ''صنعاء'' وكتاب ''القرية'' وكتاب ''المدن'' إلاَّ أن سياق كل كتاب يختلف عن الآخر في مادته وكيفية معالجة التجربة وعرضها شعرياً· كذلك كتاب ''الأصدقاء''، وكتاب ''الأم'' الذي لا يزال قيد الطبع كلاهما مشحون بقيم ودلالات ورموز مختلفة ومتميزة عن بعضها· ودعني أولاً أشرح لك الأسباب التي دفعتني إلى اختيار كلمة (كتاب) لهذه الأعمال الشعرية الأخيرة بدلاً عن (ديوان)، وذلك أن لاسم ''الكتاب'' رنينه وقيمته، بعد أن خفت اسم ''الديوان'' واختلط بـ ''ديوان الوزارة'' و''ديوان الملك'' و''ديوان المحاسبة'' و''ديوان المقيل''··· إلخ·
لذلك هربت من كلمة (ديوان) إلى (كتاب)· والإشارة إلى ''كتاب القرية '' تؤكد أنني رغم كوني مدنياً إلاَّ أن القرية لا تزال تكمن في داخلي وبمعنى آخر، تكمن الطفولة التي كانت القرية مسرحها أو فضاؤها الأول· فهي تمثل النشأة والشرارة الأولى التي سوف تتوسع لتشمل مكاناً حضرياً هو (صنعاء)، وفيها وصلت إلى مراجعة ذكرياتي وتداعياتها حول (المدن) خارج صنعاء، تلك التي عرفتها وعرفتني وتركت في النفس ما تمثلته شعرياً عنها، وسوف تلاحظ أن تقنيات الكتابة في الكتب الثلاثة تتشابه في اشتمالها الشعر والنثر أحياناً، والاقتباسات التي تؤطر النصوص كذلك·

تمتاز على كثير من جيل الروّاد الشعري بأنك بقيت داعماً ومناصراً للحداثة الشعرية، أو ما تسميه الأجد، أو قصيدة النثر· ما السبب برأيك الذي استدعى مضي أكثر من نصف قرن لكي تبرهن هذه الأشكال الحديثة على مشروعيتها في الحياة الثقافية العربية؟ 

 نحن نعيش، للأسف، في أكثر بقاع الأرض قاطبة تخلفاً وتعرضاً للجمود· ومن هنا كان عليّ وعلى غيري أن نبشر بالحداثة في أشكالها المختلفة، وأن نقف مع كل مشروع إبداعي أو فكري أو سياسي يخدم التحديث، وذلك ما شكل موقفي المتمثل في دعم غير محدود، ومناصرة غير محدودة أيضاً للأصوات الشعرية الجديدة، سواء من خلال النشر أو التقديم والتعريف والنقد· أما عن السبب الذي جعل كل هذا الوقت يمضي قبل أن تبرهن الأشكال الحديثة عن وجودها الفاعل، فذلك يعود إلى سطوة التخلف، وسيطرة التقاليد العروضية والنفسية، التي ما زالت تنتج معارضين للحداثة بوصفها ظاهرة فكرية قبل أن تكون أدبية إبداعية، أو ظاهرة زمانية محكومة بالتطور· والمقلق في هذا المجال أن مجتمعاتنا العربية بسبب تفشي الأمية ما تزال تسير نحو التحديث ببطء مخيف وهو ما لا يساعد على انتصار التحديث الحقيقي بوصفه مخاطرة فكرية وتطلعاً جمالياً وإنسانياً· وفي موقف التعاطف هذا قدر كبير من التكفير عن الذنب، ذنب الآباء الذين اعتبروا كل خروج على نظام الكتابة الشعرية التقليدية مروقاً وخروجاً عن الطريق المستقيم وخطأهم الأكبر أنهم ربطوا بين مالا يتغير من الثوابت العقائدية وما لا يجوز أن يتجمد وهو الإبداع بأشكاله وأبعاده المختلفة ، كما أنهم خلطوا بين البدعة والإبداع·

وفي الحقيقة أن السؤال الذي يشغلني البحث عن إجابته هو: كيف يمكن للمبدع أن يضبط انفعالاته في حدود ما يعكسه الواقع من حالات انكسار وخذلان وما تفرزه هذه الحالات من إحباط ويأس من كل شيء وبخاصة من اللغة التي تكشف الهوة المخيفة به الأحلام اللامتناهية والواقع البائس والمتناهي، ولكن من حسن حظ المبدع أنه كلما امتلك مزيداً من الطاقات الإبداعية وجد نفسه خارج دائرة الإحباط وما يفرزه من تخلف وجمود، ولهذا فالمبدعون هم الضوء الذي يؤسس ويغامر ويتقدم القافلة· صحيح أن قوى من داخل نفس المبدع وأخرى من خارجه قد تحول بينه وتحقيق كل ما يطمح إليه لكنه يستطيع أن يقاوم وأن يتغلب· وهذا ما يحدث·

نقيض الانتماءات الضيقة

- هل يمكن الحديث عن حداثة شعرية راهنة في ضوء تراجع مشاريع الحداثة السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟

 من الصعب ذلك، لكنه ليس من المستحيل فالمبدع الحقيقي رائد في قومه وصوت مختلف عن سياق السائد والمألوف· والشواهد كثيرة على ذلك في مجتمعنا العربي، كما في المجتمعات الأخرى، وصعود التيارات الماضوية وما هو أسوأ منها من عرقية وطائفية يضاعف من مهمة المبدعين لا في المواجهة وتعميق الاختلافات وإنما في التجريب والاستمرار في الإبداع وكسر القيود قيداً بعد آخر· ولعل أهم مشكلة يعاني منها المبدع في عالمنا أنه لا يسعى إلى تحقيق ذاته فحسب، وإنما يسعى إلى تحقيق وجود المجتمع الجديد، ومن هنا تكبر المهمة وتتضاعف تكاليفها· وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن المثقف الحقيقي والمبدع الحقيقي نقيضان للانتماءات الضيقة والمتخلفة· سواء من حيث الموقف أو الإبداع·

والحال هكذا، هل يمكن القول بتراجع دور الشاعر الداعية أو المحرّض في الحياة السياسية والاجتماعية؟

 ربما تكون أساليب الدعوة بالنسبة إلى المبدع قد اختلفت فقط فلم يعد التحريض مباشرة· لقد تعرضت الحداثة كالعقلانية تماماً لانكسارات حادة لكنها لم تتوقف ولم تنهزم· وفي رأيي أن الظروف الآن مواتية وأفضل مما كانت عليه في الثمانينات وأن الفعل هو المطلوب أكثر من القول، على أن يذهب في اتجاه المستقبل واستشرافه· والخطوات الواجب علينا اتخاذها أن ندع الأمور تسير كما هي دون ضجيج أو شكوى أو تبرم·

نقاد وشعراء

''الناقد شاعر فاشل''، كيف تقرأ هذه العبارة وقد أنجزت ما يقرب من الثلاثين كتاباً في النقد والفكر؟

  هذه العبارة صحيحة إلى حد ما حين تطلق على بعض النقاد الذين هجروا الشعر بعد تجربة قصيرة، وقد أثارت ـ أي هذه العبارة ـ جدلاً واسعاً في حياتنا الأدبية وصارت من المقولات المحفوظة التي يتم ترديدها بمناسبة وبلا مناسبة· ولكن علينا أن نتنبه إلى أن أهم النقاد المعاصرين وأكثرهم نجاحاً هم الشعراء الناجحون· وتلك مفارقة ينبغي التركيز عليها، وأن نتذكر أن أهم نقاد الشعر في الآونة الأخيرة هم شعراء: أدونيس، كمال أبو ديب، صلاح عبد الصبور، قاسم حداد، علوي الهاشمي، محمد علي شمس الدين، جودت فخر الدين، محمد بنيس، علي جعفر العلاق، وعلي الحضرمي وآخرون·

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©