الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ذكريات درس شوقى 3-4

ذكريات درس شوقى 3-4
27 نوفمبر 2007 22:36
مرّت السنوات بعد أن انتهيت من أطروحة الماجستير عن 'الصورة الشعرية'' عند شعراء الإحياء·وقد حصلت على أعلى التقديرات فى المناقشة العلنية التى لم أعد أذكر من تفاصيلها سوى نقد أستاذى الدكتور شكرى عياد، رحمة الله علي· وكان نقده قاسيا رغم تقديره قيمة الجهد المبذول والاستقصاء غير المسبوق لمصادر الصورة الشعرية الإحيائية وطرائق تحولاتها الكيميائية فى أذهان شوقى وأقرانه من خلال عملية التوليد التى نقلت مواصفاتها من البلاغة القديمة، وأعدت توظيفها لتحليل أوجه علاقة الاتباع بين التراث الشعرى وشعراء الإحياء· وكان جوهر نقده السلبى أننى كنت دوجماتيا، وأننى بدأت من أطروحة،أو فرضية مسبقة، ظللت مؤمنا بها ،ولا أتخلى عنها فى كل مجالات التحليل النص ·وبالفعل كانت فرضيتى هى ضرورة فهم شعراء الأسلاف فى ضوء معنى '' الإحياء '' أو '' البعث '' الذى تحول إلى مصدر لكل مظاهر ''الاتِّباع''السلبى التى اختزلت فيه كل شعر الإحياء بوجه عام وشعر شوقى بوجه خاص· ولم ينفعنى فى الدفاع عن نفسى استشهادى بكتاب أستاذى عبدالعزيز الأهوانى،رحمة الله عليه، عن الشاعر المتأخر ''ابن سناء الملك''· وقد أقام الأهوانى دراسته لشعر هذا الشاعر على أطروحة مؤداها أن الشعراء المتأخرين الذين عاشوا فى دواوين أسلافهم أكثر مما عاشوا فى الحياة التى أحاطت بهم، لا ينبغى أن ندرس شعرهم فى ضوء علاقته بالحياة التى كتب فى سياقها، أو كتب استجابة إلى أحداثها، فالأفضل درسه فى علاقته بدواوين الشعراء السابقين الذين عاش المتأخرون فى قصائدهم القديمة أكثر مما عاشوا حياتهم المغايرة· ولم يكن منهجى فى دراسة الصورة الشعرية بعيدا عن نهج الأهوانى الذى ترك أعمق الأثر فى تكوينى العلمي وانتهت المناقشة بدفاع مجيد من أستاذتى سهير القلماوى التى أثنت على الجهد الذى بذلته طوال أربع سنوات إلى أن فرغت من أطروحة الماجستير · وكان لدفاعها أطيب الأثر فى نفسى، خاصة أن شكرى عياد وافقها على رأيها، وعلى أن تمنحنى لجنة المناقشة درجة ممتاز بالإجماع · وكان إلى جانب شكرى عياد وسهير القلماوى المرحوم الدكتور عبدالحميد يونس الذى قدّم لى ملاحظات شكلية لم أعد أذكر منها سوى ردى القاسى عليه، عندما عاتبنى على أننى لم أفد من كتابه ''الأسس الفنية '' للنقد الأدبى، فاندفعت أجيب، بحماسة شاب فى العشرينيات وجلافته الوقحة، بأننى اكتفيت بقراءة أصل كتابه وهو '' مبادئ علم الجمال '' للفيلسوف الإنجليزى روبين كولنجوود، وقد اغبرَّ وجه الأستاذ الطيب من الرد القاسى الذى لم يكن يتوقعه من تلميذ ينزله منزلة الابن، وصمت، ولم يعقب على إجابتى إلا بأن انتقل، بعد وقفة، إلى موضوع آخر· والحق أننى لا أزال ألوم نفسى إلى اليوم، كلما عرضت لى ذكرى عبدالحميد يونس على هذا الرد الجاف الذى ما كان يليق به أو يليق بى· وازداد تأثير لومى لنفسى بعد أن عرفت من سهير القلماوى أنه أثنى على بحثى فى المداولة السرية، وشارك شكرى عياد إعجابه بالجهد المبذول، ولذلك أجمع الثلاثة على إجازة أطروحتى بأعلى تقدي· ومضت الأعوام التى انشغلت بها بإعداد أطروحة الدكتوراة ع ''مفهوم الصورة الفنية فى التراث النقدى''· وكانت استمرارا لأطروحة الماجستير التى لم أتحمس إلى طباعتها كما يفعل الباحثون الشبان فى الأغلب الأعم، ورغم أن سهير القلماوى أبدت رغبتها فى أن تطبعها الهيئة المصرية للتأليف والنشر التى أشرفت عليها لسنوات، فقد كان شيء ما يدفعنى إلى التردد فى عملية النشر· وكنت كلما هممت بفعل ذلك تذكرت النقد المخلص (القاسي) الذى وجهه شكرى عياد إلى عملي· وصحب التردد نوع من إعادة النظر فى الأطروحة ووضعها موضع المساءلة الطويلة التى ازدادت عمقا بعد فراغي من أطروحة الدكتوراة، وقيامي بتدريس شعر شوقي وأقرانه من شعراء الإحياء لطلاب السنة الأخيرة من قسم اللغة العربية · وكنت أعاود النظر فى شعر شوقي كل عام دراسي، وأحاول النظر إليه من منظور جديد ·وكانت دراستي فى النقد الحديث تعمّق فى فكري مبدأ أن الشاعر العظيم لا يمكن اختزاله فى صيغة واحدة، أو صفة مذهبية واحدة·إنه مثل ''الشخصية النامية'' في اصطلاح نقاد القصة،أي الشخصية التى تتعدد ملامحها، ولايمكن اختزالها فى صفة واحدة،فهي شخصية قادرة على مفاجأة قارئ الرواية، سواء فى علاقتها بالأحداث،أو غيرها من الشخصيات· وكنت أرى لشوقي قصائد تخالف القواعد التى انتهيت إليها، وتبرز شوقي شاعرا متميزا من طراز رفيع، نادر الوجود· وكنت أعجب لنفسي كيف اختزلته فى صفة واحدة، هى صفة التقليد خلال الماجستير، رغم أننى لم أكن أملّ من ترداد قصائده التى غناها له أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب · وهى قصائد بالفصحى والعامية على السواء · ويبدو أن حبي المستمر، إلى اليوم، لقصائد من مثل''؟ ياجارة الوادي '' ، و''جبل التوباد '' و''النيل نجاشى ''جعلتنى أقول لنفسى إن هناك أحمد شوقى آخر لم أعرفه ولم أكتشفه، وأنه لابد من معرفته واكتشافه · ولن يحدث ذلك إلا إذ قمت بتغيير العدسات النقدية التى اعتدت النظر من خلالها إلى الشعر، ووجدت عدسات جديدة قادرة على أن تريني ما لم أستطع أن أراه من خلال العدسات القديمة · وأصبحت على يقين فى النهاية بأنني لن أكشف عن الأسباب الحقيقية لإعجابي الذى أخذ يتزايد بشعر شوقى إلا بأن أنظر إليه فى ضوء جديد وعدسات نقدية مغايرة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©