الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بعد أن ملَّكه الغرب القدرة بوتين وورثـة أبنـاء آوى

بعد أن ملَّكه الغرب القدرة بوتين وورثـة أبنـاء آوى
27 نوفمبر 2007 22:29
في الصور التي تسجل عملية القبض عليه، يظهر بطل العالم السابق في الشطرنج، وزعيم المعارضة الروسية الحالي ''جاري كاسباروف'' وهو يرتدي سترة رمادية عادية، وغطاء رأس صوفيا عتيق الطراز، وبدون قفاز· كانت صورته تبدو على العكس تماما من صورة رجال الأمن الروس الذين ألقوا القبض عليه والذين كانوا يرتدون الزي العسكري الكامل المكون من أغطية رأس طويلة من الفرو، المثبت بمنتصفها شعار معدني، والبذلات العسكرية المموهة، والقفازات الجلدية السوداء ويحملون أجهزة ''ووكي توكي''، وتطل من أعينهم نظرات قاسية· هذه الصور التي التقطت أثناء تجمع ''روسيا الأخرى'' الاحتجاجي الذي جرى تنظيمه في موسكو يوم السبت الماضي، تبدو وكأنها تنتمي إلى عقدي الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي، عندما كانت الشرطة السوفييتية تقبض على المحتجين بشكل شبه منتظم· والتشابه بين حركات الاحتجاج الجديدة والقديمة ليس تشابها يتعلق بالصور فحسب وإنما هناك ملامح تشابه أخرى· ففي عز مجدها، كانت حركة المنشقين السوفييتية، لا تزيد عن كونها خليطا غريبا أحيانا، وعاجزا عن العمل في معظم الأحيان، يتكون من ناشطي حقوق الإنسان، وأعضاء حركيين محبطين، ودخلاء ذوي أمزجة دموية، ومتعصبين دينيين، وقوميين متحمسين، ينتمون إلى مختلف الجمهوريات التي كان يتكون منها الاتحاد السوفييتي السابق· كان أعضاء تلك الحركة يتبنون مواقف متباينة، ففي الداخل كانت تختلف عن تلك التي يتبنونها في الخارج، وهو ما جعلها غير قادرة على تحقيق إنجازات مهمة· ولا يختلف وضع حركة المعارضة الروسية الحالية عن وضع حركة المعارضة السوفييتية السابقة؛ فزعيمها الحالي ''كاسباروف'' الذي يستمد شهرته من كونه بطلا سابقا للعالم في الشطرنج، أكثر مما يستمدها من كونه سياسيا معارضا بارعا، نسيج فريد في ذاته، فهو يتحالف داخل حركة ''روسيا الأخرى'' مع مزيج غريب من الأشخاص المتنافرين يضم رجالا ينتمون إلى التيار الرئيسي السابق لليبراليين الاقتصاديين· وكما جمعت الكراهية للشيوعية السوفييتية بين أعضاء وأقسام حركة المعارضة القديمة، فإن الكراهية للبوتينية -إيديولوجية تكرست في الشهور الأخيرة وتشبه عبادة الشخصية- هي التي تجمع صفوف ''روسيا الأخرى''· الغريب بشأن تلك حركة ''روسيا الأخرى'' إنه لم يكن يسمع عنها شيء على الإطلاق؛ فحتى فترة قريبة كانت السلطات الروسية التي حرصت على تبني موقف مهادن تجاه المعارضة السياسية بشكل عام تتسامح مع أنشطة هذه المجموعة؛ وكان ''بوتين'' ذاته، وفي سبيل الإيحاء بأنه رئيس ديمقراطي، يسمح بالعديد من صور المعارضة لنظامه طالما ظل حجمها محدودا· فعلى الرغم من أن معظم وسائل الإعلام كانت واقعة بصورة أو بأخرى تحت سيطرة الكرملين، إلا أن عددا قليلا من الصحف المحدودة الانتشار، هو الذي كان يسمح له بتوجيه بعض الانتقادات للدولة· وفي حالة ظهور أي أحد لديه من الإمكانيات الشخصية ما يمكن أن يجعل منه تهديدا محتملا لبوتين، كان يتم تحطيمه على الفور· ولكن الذي حدث هو أن الأمور قد تغيرت في السنة الأخيرة حيث تم اغتيال الصحفية المعارضة لـ''بوتين''، ''أنا بوليتكوفسكايا''، ثم تلا ذلك شن هجمات بدنية ولفظية على معارضي الرئيس، لدرجة وصفهم في إحدى المرات كجيش متنافر من المتحديين والمجرمين، والأشخاص الذين يريدون أن يصبحوا سياسيين، والنصابين، واللصوص، الذين يعيشون على هامش المجتمع الروسي· أما بوتين نفسه فقد وصف معارضيه بأنهم ''مجموعة من أبناء آوى النهاشين الذين يعيشون بفضل الهبات الأجنبية''· والسؤال إذا ما كان هؤلاء المعارضون حقا عبارة عن مجموعة من المتحديين وأبناء آوى، فلماذا يقبض عليهم؟ وإذا ما كان هو يحظى بشعبية واسعة مثلما تدل الاستطلاعات، فلماذا يشتمهم كلهم؟ يجيب ''كاسباروف'' على هذه الأسئلة بقوله، يرجع السبب في ذلك، إلى أن بوتين ''أقل إحساسا بالإمان مما يبدو عليه''· قد يكون الأمر كذلك بالفعل؛ ولكن إجابة ''كاسباروف'' تستبعد الاحتمال الأكثر قتامة، وهو أن ''بوتين'' يضرب المعارضة، لأن لديه القدرة والإمكانية للقيام بذلك· فالدولار يتهاوى، وصورة ''جورج بوش'' تبهت، وأوروبا ليس لديها سياسة موحدة تجاه روسيا بعد، أما موسكو فهي تتمرغ في أموال النفط، كما أن الانتخابات البرلمانية التي ستجري الأسبوع المقبل ستمضي حسب ما يريده الكرملين بصرف النظر عن أي شيء، وبصرف النظر عن الشتائم التي قد توجه إليه على صفحات ''الواشنطن بوست'' والتي لن تهمه في شيء بعد أن حصل هو ورجاله على كل ما يريدون من الغرب، بما في ذلك فرصة استضافة قمة الدول الثماني الكبرى في مدينة ''بطرسبرج''· وإذا ما كانت الصور التي التقطت الأسبوع الماضي تبدو وكأنها ملتقطة منذ ثلاثين عاما فذلك لا يهم أيضا، لأن هناك قليلين في روسيا هم الذين سيطلعون عليها، ومعظم الذين سيفعلون ذلك سيتوصلون إلى الخلاصة المقصودة، وهي أن يبتعدوا بقدر الإمكان عن أي تجمعات قد تُنظم في المستقبل في أي ميدان من ميادين موسكو· آن أبلباوم كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©