الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة فنزويلا.. ومسؤولية الجوار الإقليمي

2 مارس 2018 03:20
أعلنت الأمم المتحدة أن خمسة آلاف فنزويلي فروا إلى جزيرة كاراساو من مجموعة جزر الأنتيل، وفر 20 ألفاً إلى جزيرة أوروبا، وهي من جزر الأنتيل أيضاً، كما فر 30 ألفاً إلى البرازيل، و40 ألفاً إلى ترينداد وتاباجو، وأكثر من 600 ألف إلى كولومبيا. وكانت الولايات المتحدة تتصدر المشهد في الاستجابة لعمليات الخروج الجماعي الناتجة عن أزمات إنسانية أو سياسية. وفي عام 1980، استقبلت الولايات المتحدة نحو 125 ألف كوبي فار. وبعد ذلك بعقدين قدمت ملاذاً لعشرات الآلاف من الهندوراسيين والنيكاراجويين بعد إعصار ميتش، ولأكثر من ربع مليون من السلفادوريين بعد الزلزال الذي وقع عام 2001. وكل هذا حدث في وقت لا ترحب فيه المنطقة بالتدخلات الأميركية، لكن حين تقع أزمات، ما زالت دول أميركا اللاتينية تتطلع إلى الشمال. ورغم أن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على فنزويلا لاستعادة ديمقراطيتها، فإن عبء احتواء انهيار ما كان ذات يوم أكثر دول أميركا اللاتينية ثراءً، يقع بكل ثقله تقريباً على عاتق أقرب دول الجوار. ولم يعد بوسع هذه الدول أن تنتظر الولايات المتحدة المشتتة والأقل نبلاً حتى تقوم بما هو صائب. بل يتعين على هذه الدول، من أجل مستقبلها الجمعي والآني، صياغة استجابة إقليمية لما أصبح أكبر أزمة إنسانية في النصف الغربي من الكرة الأرضية. ولا تبدي إدارة ترامب إلا قليلاً من الاستعداد لتصدر المشهد في الأميركيتين أو على الأقل في المناطق التي بها قضايا ملحة. فقد انسحبت من اتفاق الشراكة عبر الهادئ وهددت مراراً بالقضاء على اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، وانسحبت من اتفاق باريس للمناخ الذي أيدته دول أميركا اللاتينية على نطاق واسع، وتراجعت عن انفتاحها مع كوبا. وبالنسبة لسكان أميركا اللاتينية أنفسهم، فإن ترجيح أن تطردهم الولايات المتحدة أو تمنع دخولهم بإقامة جدران فاصلة، هو احتمال أكبر من ترجيح الترحيب بهم. فلم تكتف الولايات المتحدة بتقليص عدد الأماكن المفتوحة أمام اللاجئين إلى النصف فحسب، بل تعجل بعملية معالجة طلبات اللجوء للمتقدمين في الآونة الأخيرة، وهو قرار سيتمخض على الأرجح عن عمليات ترحيل سريعة لكثير من طالبي اللجوء الفنزويليين الذين كان بوسعهم العمل أثناء انتظارهم فحص طلباتهم. ونبه دبلوماسيون أميركيون كبار إلى المحنة الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان التي تمر بها فنزويلا، لكن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أثناء زيارته التي شملت خمساً من دول المنطقة ركز على تعزيز الدعم لفرض عقوبات جديدة وليس معالجة الكارثة الملحة. وبينما عرضت إدارة ترامب المساعدات على فنزويلا، وهو ما رفضته حكومة مادورو مراراً، تواجه الدول التي استقبلت لاجئي فنزويلا القضية معتمدة على نفسها إلى حد كبير. وأثقل الأعباء تتحملها كولومبيا التي منحت وضع الحماية المؤقت الخاص بها لنحو 150 ألف فنزويلي. لكن كولومبيا قلصت تأشيرات الدخول الجديدة، وعززت الدوريات العسكرية على الحدود لوقف نزف عمليات العبور غير القانونية، وزارت مخيمات اللاجئين في تركيا لتتعرف على أفضل الممارسات. والبرازيل أعلنت حالة الطوارئ على حدود ولاية رورايما وعززت عدد الجنود ودعمت الخدمات الأساسية لعشرات الآلاف من الوافدين الجدد. ورغم أن بيرو والأرجنتين ليستا في الغالب أول مقصد للفارين، لكنهما خففتا شروط الحصول على تأشيرة دخول ومكنت مهاجرين فنزويليين من الإقامة والعمل. وهذه الاستجابات الجزئية ليست كافية، فقد أرهق فيضان النازحين عبر الحدود الاقتصادَ وأنظمةَ الصحة والمدارس والمساكن الأساسية في كولومبيا والبرازيل، بل وفي الأكوادور أيضاً. ودول جوار فنزويلا في الكاريبي- وكثير منها مؤسساته ضعيفة وما زالت تتعافى من أعاصير العام الماضي- غير مؤهلة لأن تواجه مثل هذه التحديات الجديدة. والنازحون هناك عرضة لتجارة البشر والابتزاز من جماعات الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات. وتزايدُ عدد اللاجئين يهدد بتغيير الواقع السياسي في عام يتوجه فيه نحو ثلثي الناخبين في أميركا اللاتينية لصناديق الاقتراع لاختيار رؤساء جدد لبلدانهم. ولسوء الحظ، لن يكون التنسيق بين دول أميركا اللاتينية سهلاً. فرغم كثرة الكلام عن التعاون ووجود أكثر من عشرين منظمة اقتصادية ودبلوماسية إقليمية، ما زالت المساعي في مجال السياسة الخارجية تتم بشكل منفرد إلى حد ما. ولا يوجد تحالف على غرار «الناتو» ولا اتحاد جمركي حقيقي، ولا توجد حتى الآن هيئة إقليمية قادرة ومستعدة للعمل بشكل حاسم. وتختلف دول أميركا اللاتينية حالياً عن ماضيها الأكثر سلبية. ففي الوقت الحالي يبلغ الإنتاج المحلي الإجمالي المجمع للمنطقة أكثر من خمسة تريليونات دولار، وبها اثنتان من أكبر 15 اقتصاداً في العالم. وهذا الثقل الاقتصادي المتزايد للمنطقة يعني توافر موارد أكبر لمواجهة أزمة مثل الأزمة الفنزويلية. وقد انضمت المكسيك في الآونة الأخيرة إلى القائمة التي يتزايد امتدادها لدول أميركا اللاتينية التي تساهم في مهام حفظ السلام. وكل دول المنطقة تقريباً ذات أنظمة حكم سياسي ديمقراطية، وبالتالي فإن تأثير انتشار أزمة فنزويلا على جمهور الناخبين فيها يخلق قضية إقليمية مشتركة ملحة. وتلطيف حدة الأزمة الإنسانية يتطلب تنسيق وتمويل جهود كبيرة لتوفير الغذاء والماء والمأوى والعقاقير.. لمن نزحوا بالفعل ولمن يتوقع نزوحهم. وهذا يعني إقامة مدارس، لأن نصف اللاجئين عادة من الأطفال وبناء منشآت بنية تحتية توفر سبل العيش للنازحين. ويعني أيضاً توسيع دائرة الدول التي تستقبل النازحين لتخفيف الأعباء عن دول الجوار الأقرب لفنزويلا. ولتنشيط الاستجابة، يجب على زعماء المنطقة الذهاب إلى بنك إنتر-أميركان ديفلوبمنت والبنك الدولي للحصول على قروض منخفضة الفوائد بسرعة لإقامة بنية تحتية تركز على اللاجئين. وعليهم كذلك الضغط على الصين التي تتعطش للمواد الخام في أميركا اللاتينية ولأسواقها الاستهلاكية المتنامية، كي يدعم العملاق الآسيوي هذه الجهود وكي يحث فنزويلا على ضرورة تغيير مسلكها السياسي. وعلى زعماء المنطقة تنبيه كوبا التي دعمت ووجهت النصح للرئيس نيكولاس مادورو أثناء تفكيكه ديمقراطية بلاده وإشرافه على التدمير الذاتي للنظامين الاقتصادي والمالي للبلاد. ولا تحتاج أميركا اللاتينية إلى آلية جديدة لتحقيق هذه الاستجابة الأكثر تماسكاً وشمولاً، فمجموعة «ليما» التي تشكلت حديثاً، والتي تضم 14 دولة، تستطيع الوفاء بالغرض، والهيئات الدبلوماسية الأقدم تريد القيام بمهمة. ولا تحتاج الدول إلا إلى استجماع الإرادة والقيادة فحسب لحل المشكلة الإنسانية الإقليمية. وإذا فعلوا هذا، ربما يكون قد جاء دور الولايات المتحدة لتتبعهم. شانون أونيل* *باحثة بارزة في دراسات أميركا اللاتينية بمركز «مجلس العلاقات الخارجية» البحثي في نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©