الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النباشون .. «حرامية» الزبالة الشرفاء!

النباشون .. «حرامية» الزبالة الشرفاء!
1 مايو 2009 22:32
قصر قامته لم يسعفه في البحث واقفاً في الحاوية. فجسده الضئيل بات مغموراً في الحاوية، وثيابه الرثة تنبعث منها رائحة كريهة، بينما هو منهمك في عملية النبش والبحث بين المهملات والفضلات، حاولت الاقتراب منه لتصويره، منعني رافضاً، إنما مبتسماً، وعند سؤالي له عمّ يبحث عنه؟ أجابني «خان أكبر» وملامح الخوف والتردد ظاهرة على وجهه: «أبحث عن كراتين أو علب المشروبات الغازية أو النايلون، فعلى الرغم من صعوبة النبش في القمامة إلا أنني أجدها تدر بعض المال». وعن عدد سنوات عمله في هذه (المهنة) يقول خان أكبر: «أعمل في نبش القمامة منذ حوالى 6 سنوات، ومن خلال هذا العمل أكسب رزقي ورزق أسرتي». (بعد ذاك، حين استكملت جولتي الغريبة، بغية استكمال مادة تحقيقي، وضعت كمامات طبية لأتجنب الجراثيم والروائح الكريهة المنبعثة من حاويات القمامة). مشاهد يومية النبش في حاويات القمامة المنتشرة في الشوارع والأحياء، مشهد يتكرر أمام أعيننا، فنباشو القمامة يبحثون عن كل ما يصلح للبيع أو الاستعمال مجدداً بإعادة تدويره، فوجوههم مسوّدة من آثار القمامة، وأيديهم وأظافرهم قذرة، وملابسهم تكسوها طبقة سميكة من الأوساخ التي تزكم الأنوف، يعبرون برك المياه النتنة من أجل بضعة دراهم، وبينما الناس يلقون القمامة في الحاوية غير مكترثين لما يحدث لهذه الأكياس السوداء المليئة بالفضلات، نجد هناك الكثير منهم قد امتهنوا النبش بحثاً عن رزق ودخل يقيهم شر الحاجة والجوع. تتراكم الأوساخ علي يدي «شاهد رفيق»-40 سنة- يجمع في كيس يحمله ما تيسر له من أوراق وعلب البيبسي وأكياس النايلون، ثم يقذف بالكيس بعد ربطه إلى سيارة يقودها رجل آخر.‏ يقول: «لم أدخل يوما مدرسة ولا أملك شهادة قيادة، ولدي زوجة و 6 أبناء، ومن هذه المهنة أجمع المواد المطلوبة حسب رغبة التجار وأبيعها وأعيش من هذا الدخل المحدود والبسيط الذي يصل في نهاية الشهر حوالى ألف درهم، بعد كل هذة المشقة والظروف الصحية السيئة التي أمر بها فأنا مضطر للعيش على نفايات الغير»! أساليب أخرى يبحث نباشون آخرون عما يحتاجونه من الحاويات، بطرق ووسائل أخرى تقيهم بعض الشيء من التعرض المباشر لفضلات الحاويات، كأن يلبس أحدهم قفازات ويسحب مجموعة من الكراتين ويصفها بانتظام فوق بعضها البعض، أو آخر يضع كمامة تغطي فمه وأنفه وحتى محيط عينيه، مستخدماً أطراف أصابعه في النبش! بينما «سريجت مهان» يقف إلى جانب الحاوية حاملا في يده عصا طويلة يمزق بها الأكياس، مستدرجاً العبوات المعدنية، يبتسم قائلاً: «اعتدت على هذه الروائح المنبعثة من النفايات ولا يهمني هذا الأمر، فالمهم جمع أكبر عدد من علب الكرتون والفوارغ لأبيعها، فعلى الرغم من صعوبة الانتقال من حاوية إلى أخرى منذ الساعة الثالثة فجراً وحتى السادسة مساء إلا أنني مضطر لمزاولتها، فالمسؤولية التي تقع على عاتقي كبيرة وكذلك عدد أفراد أسرتي كبير». ظروف قاسية لاشك أن لكل عمل أو مهنة اشتراطات تقابلها ظروف ومعطيات خاصة بالأشخاص الذين يزاولونها، مهما كانت نوعية المهنة! من هذا المنطلق يشير نابش يبحث في الحاوية -رفض ذكر اسمه- إلى الأسباب التي دفعته لمزاولة هذا العمل، يقول: «لا تحتاج مزاولة هذه المهنة إلى دراسة أو شهادات علمية أو اتقان لغة ما، وهي رغم سوئها كمهنة تظل أقل مرارة من طعم الفقر والحاجة، (فأنا عملي شريف، لا أسرق ولا أخالف القانون) بل أجمع مع بعض الأصدقاء الكراتين والأوراق ونبيعها للتجار بأوزان كبيرة، بينما يقوم التجار أو المؤسسات -حسب علمي- بإعادة معالجتها وتدويرها لتصنيعها من جديد، يضيف مبتسماً: «الرزق على الله، يوميتنا تتراوح من 100 إلى 200 درهم، حسب حظنا في الحاوية فإن كانت مليئة يكون الحظ حليفنا». وفي حين فرغ جاكوري من نبش إحدى الحاويات قرب موقف السيارات، سألته عن الأمراض التي قد يتعرض ورفاقه لها أثناء عملهم هذا، فأجاب بلهجة الواثق: «إن الأمراض لا تصيبنا، نحن محصنون ضدها، فقد اكتسبنا مناعة تقينا الإصابة بها»! أما سليم ساجد فضيق ذات اليد جعله يمتهن النبش في فضلات الحاويات، يستذكر بألم وضيق أول يوم له في المهنة، يقول: «حاولت منع نفسي من التقيؤ بسبب رائحة المخلفات المنزلية والنفايات، وأصبت بضيق تنفس، لكن بعد مرور أيام تأقلمت مع ظروف العمل، ولا زلت أتحمله من أجل الحصول في نهاية الشهر على ألف درهم، يزيد أو ينقص قليلاً، فهو بطبيعة الحال لا يكفي لإعالة أسرتي». إزعاج يومي من جهة أخرى، فإن طرفاً آخر يعاني من انتشار هذه الظاهرة المزعجة، سواء قلقاً على صحة العمال النابشين، أو على صحته الشخصية، ويرى في الجهات التي تُشغّل عمال نبش الحاويات، «مافيا»! هذا ما عبر عنه محمد عابد- من سكان منطقة الخالدية، يقول: «إن بعض التجار وبهدف الربح يستأجرون أناسا من جنسيات آسيوية فقيرة، يجعلونهم ينتشرون في معظم أحياء المناطق المأهولة بالسكان، يعملون صباحاً ومساءً لإفراغ الحاويات والبحث في أكياس القمامة عن كل ما يمكن الاستفادة منه (بلاستيك ومعادن، وورق، وكرتون وغيرها) وربما يصطدم أحدهم بآلة حادة، أو يتعرض لإبرة ملوثة، لكن المهتمين بهذا العمل يسعون نحو الربح دون التفكير في مصالح هؤلاء المساكين»! فيما تقول أم خليفة- من سكان حي المشرف: «تقف أمام الفلل سيارة محملة بأكياس يقودها شخص، ينزل منها عمال يقومون بعمليات النبش لملء تلك الأكياس غير آبهين بالإزعاج اليومي والضرر الذي يحصل لسكان المنطقة». تضيف: «كيف يأبهون لنا، طالما أنهم لا يأبهون بالضرر الناجم عليهم، فهم يبحثون في القمامة عن أي عبوة يستفيدون منها». بعد هذه الجولة يوضح «مهربال شنكر» مسؤول في شركة لإعادة تدوير النفايات ليقول: نستقبل يوميا ما يقارب (10سيارات ) محملة بالكراتين، والعلب الفارغة والأوراق والبلاستيك وكل سيارة تحمل ما يقارب (51 طنا)، ويبلغ سعر الطن الواحد 100 درهم، بعد أخذ هذه المحتويات نقوم بإعادة تدويرها وتحويلها مرة ثانية إلى ماكانت عليه، صحيح هذه التجارة مربحة، الا انها هناك مواسم تقل فيها حسب متطلبات السوق والعرض والطلب، ولكن تبقى الأوراق والبلاستيك والكراتين هما الحاجة الأعلى وتلاقيان دائماً سوقاً رائجة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©