الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عجائز يجاورون الموت ويحاولون استعادة حياتهم

عجائز يجاورون الموت ويحاولون استعادة حياتهم
25 نوفمبر 2007 23:09
كتب غابرييل غارسيا ماركيز تعليقاً على رواية الجميلات النائمات للياباني ياسوناري كاوباتا، الصادرة عن دار الآداب بترجمة ماري طوق أنها الكتاب الوحيد الذي وددت لو أكون كاتبه · وكاوباتا الروائي الياباني الكبير، الذي عاش على المستوى الشخصي تراجيدية استثنائية، من موت والديه وأخته وجدته، ولم يبق له سوى الجد الأعمى الذي قضى أيضاً قبل أن يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، حتى انتحاره بطريقة تراجيدية في نيسان ·1972 كان الأدب ملجأه من العذابات، وهو خير من صور العذابات الإنسانية، عبر التجربة اليابانية· كتب العديد من الروايات بلد الثلج و ضجيج الجبل و سرب طيور بيضاء · وكاوباتا الحاصل على جائزة نوبل سنة 1968 هو كاتب يصنع في أعماله جدلية قوية وواحدة للحب والموت والجنس والتوحد والعذابات الداخلية، كل ذلك يستطيع أن يفرده على صفحات أعماله بطريقة أنيقة ومتينة· النقد القاسي لقد أثرت رواية الجميلات النائمات في ماركيز، فهو الذي كتب في العام 1982 أنه يود أن يكون كاتب ذلك الكتاب، عاد في عام 2004 ليحاول كتابة عمل مواز، فكانت روايته ذاكرة غانيات الحزينات التي تروي حكاية رجل تسعيني يقع في غرام عاهرة في الخامسة عشرة من عمرها ولكنها كانت من أضعف أعمال ماركيز الروائية، ونال عليها الكثير من النقد القاسي· رواية الجميلات النائمات تصور عالماً غامضاً، وقضية في غاية الدقة والحساسية· فالرواية تدور أحداثها داخل منزل غامض، يسعى إليه العجائز المصابون في رغباتهم، يذهبون إليه لقضاء الليل إلى جانب فتاة مراهقة جميلة نائمة نوماً اصطناعياً· أي أنها نائمة بفعل المخدر وليس بفعل النوم الطبيعي· والفتيات يجهلن تماماً أي شيء عن العجائز الذين يقضون الليل إلى جوارهن، فعليهن الدخول إلى النوم قبل دخول العجائز إلى الغرفة، وعلى العجائز المغادرة صباحاً قبل أن تستيقظ الفتيات· يبدو العالم الذي تدور فيه الرواية عالماً من السحر والغموض والسرية الغرائبية، حيث يمارس فيه طقس لا يقل غرائبية، ويمارسه عجائز في نهاية أعمارهم، يأتون إلى المكان الذي يعلن وبشكل صارخ عن عجزهم المطلق، ولكنهم يمارسون الطقس بالكثير من الرهبة والخوف والمحبة، يدخلون في طقس غير قادرين على إكماله حتى لو رغبوا في ذلك· غموض التجربة تشكل تجربة الليالي الخمس التي يمضيها ايغوشي العجوز بطل الرواية في المنزل الغامض، فرصة لاستعادة تجربته الحياتية وتأملها من جديد· فمنذ دخوله إلى المكان تنصحه المرأة المضيفة وتقول له وأرجو منك أن تتجنب المضايقات السمجة لا تحاول وضع أصابعك في فم النائمة الصغيرة! هذا غير لائق وتقول له لا تحاول تنبيه الصغيرة من نومها· مهما فعلت لإيقاظها فهي لن تفتح عينيها أبداً··· وهم لا يتقبلون سوى زبائن لا يجلبون المتاعب · عندما دخل ايغوشي في التجربة تذكر ما قاله صديقه العجوز كيغا، من أن المرأة لا تستفيق بأي حال هي بالتأكيد للعجائز·· وأن أناساً أمثاله لا يحسون بالعيش من جديد إلا في تلك اللحظات التي يجدون أنفسهم بالقرب من امرأة نائمة· تذكر الفتاة ايغوشي برائحة حليب ابنته وفجأة يكتشف أن ذاكرة الإنسان وذكرياته لا يمكن وصفها بالقريبة أو البعيدة وفقاً لترتيبها الزمني القديم أو الحديث، فقد تبقى حادثة تعود إلى الطفولة منذ ستين عاماً في ذاكرتنا بشكل أفضل مما تبقى واقعة البارحة· غموض التجربة وما تؤديه من دور هو ما يجعلها مستمرة، ففي تجربة من هذا النوع كان جلياً أن الفتاة لا تنام في مكان كهذا إلا طمعاً بالمال، أما العجائز الذين يدفعون فكانوا يجدون في التمدد إلى جانب فتاة كهذه متعة· وبما أن الفتاة لن تفيق، فالزبائن المسنون يوفرون على أنفسهم الشعور بالخجل والنقص وهو ميزة الهرم، ويجدون الحرية للاستسلام دون قيد أو شرط لخيالهم وذكرياتهم مع النساء· ولعل إحدى التعزيات المحزنة للعجائز تكمن في الاستغراق بذكرى نساء ينتمين إلى ماض انقضى إلى الأبد، وهم يلامسون جميلة لن تستفيق أبداً من نومها العميق· في المرة الخامسة يأتي ايغوشي في ليلة باردة، تقول المضيفة ما كان عليك أن تكلف نفسك عناء المجيء في ليلة باردة كهذه يجيب ايغوشي ألا تعتقدين أني أتيت لهذا السبب بالذات تقول المضيفة تتفوه بأشياء كريهة! يجيب ياه! إن العجوز جار الموت! من هذا القرب إلى الموت يحاول العجائز العودة إلى الحياة متوسلين أجساد فتيات صغيرات، لا يجلبن لهن سوى الخيبة، ولكن في النهاية يبقى جار الموت في مكانه، منتظراً نهاية له تكون أقل إيلاماً·
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©