الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مجد الحيرة

مجد الحيرة
24 نوفمبر 2007 22:51
الحيرة - ربما أعظم إنجازات الإنسان على هذه الأرض· الحيرة، ليس الوضوح والحسم، ولا المستقبل المُمّجد في كل الأدبيات والخطابات عبر التاريخ· إن تلك الكلمات تنطوي على خدعة كبيرة تنبع من جذر التكوين الأول لعِلة الوجود الأزلي· üüü السؤال البديهي الذي ينسف تلك المنظومة المستقرة من التصورات، هو أي وضوح يوصل إلى جنة المستقبل في هذه الغابة الأكثر غموضا وتعقيداً، من العناصر والوقائع، تاريخاً وراهناً· وإذا كان تاريخ الكائن برمته لم يفض إلا إلى هذه الهاوية الفاغرة دوماً وأبداً من الالتباسات والقلق واللهاث والحروب العبثية· والوضوح قرين التبسيط هو ما أقصده، وليس ذاك الذي ينجزه المغامر الباحث، والمؤَرّق بالمعرفة الحقة، وضوح الصحراء الخاطف الذي يقذف صاحبه إلى التباس أقسى وحيرة أعمق· üüü (المستقبل) كل شيء للمستقبل· يلهج الفرد والجماعة، الدكتاتورية والديمقراطية، الذكي والأهبل الأكثر سعادة يقيناً، في رؤيته للأمور والأحوال·· يلهج الجميع بتلك الكلمة الأكثر فتنةً وسحراً، وفي الوقت نفسه شموليّة وقمعاً وواحة أوهام· الحياة تتسلل من ثنايا الأصابع والروح، هاربة من غير عودة، باسم المستقبل· لنرجئ كل شيء من أجل المستقبل··· المجازر والاستباحات والتنازلات اليومية واللحظية من أجل المستقبل· القلة القليلة التي تسحق البقية بسعادة وترف من أجل المستقبل· الثري البخيل يكدس أمواله للمستقبل، صانعاً فقره المدقع حسب بيت المتنبي· والكاتب العاجز عن تسويق عشر نسخ من كتابه يكتب من أجل الذين يولدون من رحم المستقبل· كل شيء للمستقبل ونحوه، وإليه الحج والحجيج، ونحوه تندفع البشرية لترعى عشب الجنان الموعودة· üüü لكن هذا الدكتاتور الساحر المهيمن، أين يسكن، في أي كوكب ومحيط وأرضٍ مزروعة بكل هذه الجاذبية والأحلام؟! أليس الماضي هو المستقبل وهذا الأخير هو الماضي يجدّف في بحر الأجداث الهائج بالكوابيس والخيانات والهذيان؟ وأي مستقبل لهذا القادم من الظلام الكثيف والذاهب إليه منذ لحظة الولادة وما قبلها، بحيث لن يستطيع حمل أي شيء معه في هذا العبور القلق السريع عدا أوهامه وجراحاته البليغة· أي مستقبل، أي ماض وراهن تروج له الصيغ الجاهزة للوعي المتداول، المشرق السعيد ظاهراً والمظلم المخيف جوهراً وباطناً· وحدها (الحيرة) نجمة التائهين بعد طول أسى وتشرد في دروب كثيرة·· وحدها إكليل الوجود المضطرب، أنشودة الحقيقة الهاربة على الدوام· وحدها كذلك رغم أن التاريخ لا ينجزه إلا الحسْم الذي يصل إلى ضراوة الفعل الدموي الوحشي لسماسرة المستقبل· وليس رهافة الحيرة ونبلها· üüü اليمامة تهذي والبحر سهل ناعس للعشب حين أخذته في فمها بحنان الأم الشبقة لحظة الانزلاق في الكهف الطحلبّي رنّ جرس الباب لتطلَّ برأسها هامة الانتقام
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©