الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ساركوزي : القطيعة مع الماضي بأي ثمن

ساركوزي : القطيعة مع الماضي بأي ثمن
24 نوفمبر 2007 22:48
لقد أرغم الإضراب الثاني لقطاع النقل الفرنسي العام - خلال شهر واحد- الجمهور الفرنسي إما على المشي أو استخدام الدراجات الهوائية أو التزام الجلوس في البيوت، إثر احتجاج العاملين في هذا القطاع على خطط حكومية تهدف إلى إلغاء امتيازات تقاعد العاملين السارية حالياً· على أن نهاية الإضراب الأخير هذا، لا تعني أنه لن يكون الأخير في سلسلة مواجهات الاتحادات النقابية والمهنية مع حكومة ساركوزي الحالية· فمن ناحيته يصر ''ساركوزي'' على ضرورة تبني فرنسا لنمط اقتصاد السوق التنافسي العالمي، الذي تبنته عدة دول أوروبية أخرى، من بينها بريطانيا وألمانيا؛ والصيغة المفترضة لهذا النمط، هي أن المزيد من المرونة تعنى المزيد من الازدهار الاقتصادي، ما يعني توفر المزيد من الموارد لتمويل الفوائد الاجتماعية· وبعد أن راوحت فرنسا لسنوات عديدة في رفضها لهذا النمط الاقتصادي، فهاهي اليوم تتخلف عملياً عن ركب كثير من جاراتها الأوروبيات· وبعد عقدين من الزمان -لزم خلالهما معدل البطالة نسبة 10 في المائة- بدت غالبية الناخبين الفرنسيين على وفاق مع الأهداف الإصلاحية التي يسعى ''ساركوزي'' إلى تحقيقها إثر توليه المنصب الرئاسي؛ وعليه فإن من الواضح أن كلا الطرفين يدركان أن فرنسا ستمر بأكبر انعطاف تاريخي لها نحو سياسات الإصلاح الاقتصادي الاجتماعي؛ فمن الجانب الحكومي صرح ''هنري جيانو'' -مستشار الرئيس ساركوزي- لقناة جة التلفزيونية الفرنسية قائلاً: إن رفض هذه الإصلاحات يعد بمثابة رفض عام للإصلاح في كافة نواحي الحياة الفرنسية· وكان الهدف من هذه الإضرابات الأخيرة هو توجيه تحذير مسبق إلى السلطات الحكومية من مغبة التفكير في خفض عدد العاملين في هذه المجالات والقطاعات، إلى ذلك كان الطلاب قد نفذوا إضراباً عن الدراسة شمل نحو ثلث الجامعات الحكومية الفرنسية البالغ عددها 87 جامعة· كان ''ساركوزي'' قد أعلن استعداده للتصدي للاضرابات هذه، بيد أن تعدد واتساع مدى هذه الاحتجاجات المهنية على سياساته سوف يكون أول اختبار عملي لعزمه السياسي، يذكر أنه كان قد وعد إثر توليه المنصب الرئاسي قبل ستة أشهر، بإحداث قطيعة مع الماضي بهدف خلق عدد أكبر من الوظائف وحفز النمو الاقتصادي للبلاد، التي وصفها بأنها تباطأت كثيراً في تبني الإصلاحات الاقتصادية التي سبقتها إليها عدة دول أوروبية من بينها ألمانيا وبريطانيا· والمعروف أن لحزب ''ساركوزي'' المحافظ أغلبية برلمانية يعتد بها، إلى جانب إشارة نتائج استطلاعات الرأي العام، إلى رغبة الفرنسيين وتطلعهم إلى التغيير أيضاً، وإن كانت تلك الرغبة نظرية حتى الآن؛ وكان ''ساركوزي'' قد حظي في صيف العام الجاري بالتأييد السياسي الذي يلزمه لاتخاذ قرار يقضي بإلغاء الضرائب المفروضة على العمل الإضافي، تشجيعاً للعاملين على تجاوز ساعات العمل الأسبوعي البالغة 35 ساعة· وفي المنحى نفسه مضى ''ساركوزي'' إلى تشريع سلسلة من القوانين والنظم التشريعية خلال الشهر الماضي، كان آخرها قانون الهجرة المثير للجدل الذي صدر مؤخرا؛، بيد أنه أطلق عقال أكبر حملة معارضة نقابية ضده، نتيجة هجومه الأخير على حقوق وامتيازات التقاعد الخاصة بعدد من العاملين في القطاع العام· وليس أدل على هذا من وصف النقابات والاتحادات المهنية للعاملين في مؤسسات القطاع العام، لإصلاحات ''ساركوزي'' بأنها تمثل بداية لهجوم مستمر من جانب حكومته على امتيازات العاملين وأمنهم الوظيفي؛ يذكر أن النقابات والاتحادات المهنية في فرنسا، تعتمد على الدعم الحكومي المقدم لها، أكثر من اعتمادها على عائدات اشتراكات عضويتها· كانت الشرارة التي أشعلت نيران الإضراب الأخير هذا، الخطط التي أعلن عنها ''ساركوزي'' لإلغاء الفوائد التقاعدية الكبيرة التي يحظى بها عمال السكك الحديدية وقطاع النقل العام، وموظفو البنك الفرنسي والعاملون في دار الأوبرا القومية، وكذلك موظفو المسجل التجاري، إضافة إلى موظفي 125 جهة أخرى، مع العلم أن هذه الفوائد باهظة التكلفة للميزانية الحكومية· ووفقاً للسياسات السارية حالياً، فإنه في وسع المستفيدين من هذه الحقوق والامتيازات التقاعدية، البالغ عددهم 500 ألف عامل -أي ما يشكل حوالي 10 في المائة من مجموع العاملين في القطاع الحكومي- التقاعد المبكر اعتباراً من سن الـ50 مع تمتعهم بكامل الحقوق السارية؛ وفي حين تحسب حقوق هؤلاء على أساس آخر راتب شهري تقاضوه، يلاحظ أن الحقوق التقاعدية لعمال القطاعات الأخرى، بما فيها القطاع الخاص، تحسب على أساس متوسط رواتبهم لمدة 25 سنة· وبما أن مساهمة دافعي الضرائب الفرنسيين في تمويل هذه السياسات التقاعدية لا تزيد على 7 مليارات يورو سنوياً، فإنها تظل تشكل نصيب الأسد من العجز المالي الحكومي في هذا المجال· صحيح أن المفاوضات بين النقابات والحكومة والشركات قد بدأت يوم الأربعاء الماضي - والتي من المقرر أن تستمر لمدة شهر- غير أن موقف الرئيس ''نيكولا ساركوزي'' وتصميمه على عدم التراجع لا تبشر كثيرا، لا سيما وأن جوهر الخلاف بين الطرفين المتعلق بإصلاح أنظمة التقاعد الخاصة تشكل جوهر الخلاف· سوزان ساكس- باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©