الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العراق... وتحديات ما بعد «الانسحاب»

العراق... وتحديات ما بعد «الانسحاب»
14 فبراير 2011 21:23
ماكس بوت محلل سياسي أميركي يعتقـد أبنائـي الذين لا يتجـاوز سـن أكبرهم 13 عاماً أن كل ما حدث قبل ظهور "الآي باد"، أو المتصفح الإلكتروني، هو جزء من التاريخ، ومن ثم فهو لم يعد مهمّاً في الوقت الحاضر. والحقيقة أن العديد من السياسيين الأميركيين، ومعهم الرأي العام، يتفقون مع هذا المنطق، وإلا فكيف نفسر الاختفاء المفاجئ للعراق من خطابنا العام؟ فهل مازلنا نتذكر بلداً اسمه العراق؟ تلك الدولة التي احتلتها قواتنا في عام 2003 وخسرنا فيها أكثر من 4400 جندي أميركي، فيما جُرح ما لا يقل عن 32 ألفاً، ناهيك عن 800 مليار دولار أنفقناها هناك. فمع أن العراق ظل إلى حدود عام 2008 مهيمناً على سجالات السياسة الأميركية وحاضراً بقوة في النقاشات العامة، إلا أنه لم يعد هو القصة الرئيسية اليوم، بل خرج كموضوع من الصفحات الأولى للجرائد ووسائل الإعلام لتحل محله موضوعات أخرى مثل مشكلات الاقتصاد والرعاية الصحية وأفغانستان وتونس ومصر. ولعل العراق كان بشكل من الأشكال ضحية للنجاح الذي أحرزه في الآونة الأخيرة، فبسبب تقدمه النسبي على أكثر من مسار، فقد نقل السياسيون الأميركيون اهتمامهم إلى انشغالات أخرى باتت أكثر استعجالاً، ولذا فإن الخوف كل الخوف هو أن تُلهينا القضايا الأخرى وننشغل عما يجري في بلاد الرافدين من تحديات ما تزال قائمة وقد تقوض النجاح الذي تحقق بصعوبة بالغة على مدى الفترة السابقة. ولاشك أن العراق حقق منذ عام 2006 نجاحات باهرة وتجاوز لحظة التدهور الكبير الذي وصله عندما كاد ينزلق إلى حرب أهلية طاحنة، حيث تراجعت حدة العنف بأكثر من 90 في المئة حتى في ظل انخفاض عدد الجنود الأميركيين من 170 ألفاً في 2006 إلى 50 ألف جندي حاليّاً. كما أن النظام السياسي العراقي ما زال قائماً بعد تشكيل الحكومة الائتلافية الأخيرة بقيادة المالكي، هذا في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد انتعاشاً ملحوظاً بعد توقيع الحكومة العراقية لعدد من العقود مع شركات أجنبية للاستثمار في القطاع النفطي. ولكن مع ذلك ما زالت هناك مؤشرات تذكرنا بالأيام القاتمة التي مرت على العراق في أحلك لحظاته، فقد شهد شهر يناير الماضي مقتل أكثر من 250 عراقيّاً في عمليات إرهابية مسجلاً ارتفاعاً بحوالي 151 قتيلاً عن عدد ضحايا عنف شهر ديسمبر الماضي ممن حُملت مسؤولية مقتلهم للعمليات الإرهابية التي ينفذها تنظيم "القاعدة"، على رغم المرات العديدة التي أُعلن فيها القضاء على التنظيم واختفاؤه من الساحة. ولا ننسى هنا أيضاً التقارب في عدد القتلى الذين سقطوا في العراق مقارنة بعددهم في أفغانستان، وهو ما يعيدنا إلى حقيقة حساسية الوضع في العراق وهشاشة المكتسبات التي تحققت. وهذه الهشاشة يغذيها الوضع السياسي غير المستقر تماماً، لاسيما بعد الصراع المرير بين الكتل السياسية وحالة الشد والجذب التي دخل فيها العراق لمدة طويلة قبل التمكن من تشكيل الحكومة. كما أن إياد علاوي الذي أحرز أعلى نسبـة من الأصوات خسر منصب رئاسـة الوزراء واكتفـى بمجلس السياسات الاستراتيجية الذي لم تحدد بعد صلاحياته، هذا في الوقت الذي لا تخفي فيه قاعدته السُّنية التي صوتت عليه بكثافة تخوفها من تهميشها في التشكيل الحكومي الجديد. وفي المقابل يُضمر المالكي تشككاً واضحاً تجاه الجماعات السنية مثل "أبناء العراق"، فضلاً عن خصومه الشيعة سواء في حركة الصدر، أو "المجلس الإسلامي الأعلى". وإذا كان من شيء يجمع السُّنة والشيعة فهو توحدهم حول منع انفصال إقليم كردستان، وهذا ما يخيف من جهة أخرى الأكراد الساعين إلى تكريس مكاسبهم. وباختصار فإن العراق ما زال بركاناً مشتعلاً قد ينفجر في أي وقت، لاسيما إذا كان صمام الأمان الذي يحول دون ذلك اليوم المتمثل في وجود الجيش الأميركي سينسحب مع نهاية السنة الجارية. ولعل ما يثير القلق أكثر هو تراجع احتمال التوقيع على اتفاق أمني يتيح بقاء القوات الأميركية في العراق بعد عام 2011، بسبب انعدام الثقة في الولايات المتحدة التي يبدو أن المالكي الذي قضى سنوات طويلة منفيّاً في سوريا ما زال يتوجس من نواياها، وهو بالتأكيد لا يريد أن يبقى في العراق عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين تحت إمرة جنرال يراقبون كل ما يقوم به. هذا دون أن ننسى أوباما نفسه الذي جاء إلى الرئاسة بتعهد واضح بسحب القوات الأميركية من العراق. وما لم يغير الرجلان-المالكي وأوباما-رأيهما قريباً فإن المهمة التي يشرف عليها حاليّاً 50 ألف جندي ستؤول إلى ألف من الدبلوماسيين وربما مئة جندي في مكتب التعاون الأمني مع وجود الآلاف من المتعاقدين الأمنيين غير الأميركيين الذين يوفرون الخدمات الأمنية واللوجستية. ولتعويض الجيش الأميركي تنوي وزارة الخارجية إقامة شبكة من القنصليات ومراكز التدريب موزعة في سائر التراب العراقي. ولكن تقريراً أعدته لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس الأميركي حذر من عدم قدرة الوزارة على القيام بعملها خارج بغداد دون مساعدة الجيش الذي يوفر كل شيء من الطائرات المروحية وحتى قوات التدخل السريع في وقت الاضطراب. وحتى في حال تولي وزارة الخارجية المهام الموكلة للجيش، فإنه لا يمكن الاستغناء عنه في بعض الأعمال مثل تسيير دوريات مشتركة بين الجيش الأميركي ونظيره العراقي وقوات البشمرجة على حدود إقليم كردستان لمنع اندلاع العنف بين الأطراف المتنازعة. وبالطبع لا يمكن ضمان استقرار الوضع لو انسحب الجيش الأميركي لتبقى القوات العراقية والبشمرجة وجهاً لوجه، كما لايمكن التعويل على وزارة الخارجية والعمل الدبلوماسي لمنع الاحتكاك بين الطرفين. وحتى لو استطاع العراق في المرحلة المقبلة شق طريقه الصعب، فإنني سأكون أكثر ثقة حول مستقبله لو تمسكت الولايات المتحدة بالتزامها تجاهه، لأن الأمر سيكون مأساة حقيقية لو خسرنا العراق بعد سنوات من التضحية والصراع بسبب عدم اهتمامنا ونفض أيدينا منه في وقت نحن أقرب ما نكون فيه لتحقيق النجاح. ينشر بترتيب خاص مع «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©