الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السياسة الخارجية الأميركية والرأي العام الإسلامي

السياسة الخارجية الأميركية والرأي العام الإسلامي
23 نوفمبر 2007 23:15
كثيراً ما يقال للأميركيين إن الحرب في العراق ساهمت في ''تأجيج المشاعر في العالم الإسلامي''، وهي العبارة التي استخدمها ''أندرو كوهوت'' -رئيس مركز ''بيو'' للأبحاث- لوصف تداعيات الحرب الأميركية في العراق وتأثيرها على الرأي العالم الإسلامي بعد شهور قليلة من بدء المواجهات· ومن جانبه أكد وزير الخارجية الأميركي السابق ''كولين باول'' على أن استمـــرار احتـــلال العراق أدى إلى ''تنامي المشاعر المناهضة لأميركـــا في العالم الإسلامي''· وفي السيـــاق ذاته كتب ''بوب هوربرت'' -المعلق في صحيفــــة ''نيويورك تايمز''- مشتكياً من ''الغضب الذي يشعر به المسلمون في أنحـــاء العالم جراء الحرب على العراق''· يبدو أن منتقدي السياسات الأميركية يعتبرون أن تراجع شعبية أميركا لدى الرأي العام الإسلامي، باعتباره نتيجة للحرب في العراق، هو أفدح الخسائر التي منيت بها الولايات المتحدة فيما يتعلق بصورتها العالمية؛ وهكذا أصبح الدرس الأول المستخلص من الحرب على العراق هو ضرورة الاهتمام بالرأي العام الدولي وإيلاؤه الانتباه اللازم، لا سيما الرأي العام الإسلامي عند وضع قواعد السياسة الخارجية· والحقيقة أنه لا يوجد معيار أسوأ لتحديد علاقتنا الخارجية أسوأ من الرأي العام العالمي، والإسلامي على وجه الخصوص· يظهر ذلك بوضوح من خلال الجدل المثار حالياً حول كيفية المساعدة على وقف العنف المستشري في ''دارفور'' بالسودان، ففي الأول من شهر يناير المقبل ستُنشر قوة مشتركة لحفظ السلام مكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي يصل قوامها إلى 26 ألف رجل، قصد حماية المدنيين من أعمال العنف والقتل التي عانوا منها طيلة الخمس سنوات الماضية، وخلفت ما لا يقل عن 200 ألف قتيل· وبالطبع لا يمكن أبدا اعتبار القوة المشتركة المرتقب نشرها في بداية السنة المقبلة محط خلاف، أو موضع جدل لأنها تتكون أساساً من القوات الأفريقية تحت قيادة نيجيرية، كما ستقدم تقريرها لدبلوماسي كونجولي، مع مجموعة من المهندسين الأوروبيين والموظفين المساعدين؛ هذه القوة المشتركة تحظى بتأييد مرشحي الرئاسة الأميركيين، ونشطاء حقوق الإنسان، بالإضافة إلى الموظفين الدوليين· وبذلك لا يمكن مثلا مقارنة القوة المشتركة المزمع نشرها في ''دارفور'' بمهمة حلف شمال الأطلسي في كوسوفو التي أسفرت عن قصف القوات الصربية، بل هي قوة تنافي تماماً الأحادية المتهورة التي يشتكي منها منتقدو إدارة الرئيس بوش؛ لكن مع ذلك بعث ''أسامة بن لادن'' برسالة في الشهر الماضي -لم تحظَ باهتمام إعلامي كبير- يدعو فيها إلى شن ''حرب مقدسة'' ضد موظفي الأمم المتحدة في دارفور؛ ورغم أن القوة المشتركة كانت أحد مقترحات الليبراليين الدوليين الذين يعارضون بشدة سياسات الرئيس بوش في العراق، إلا أن ''بن لادن'' فشل على ما يبدو في التقاط النوايا الحسنة والأهداف النبيلة التي يسعى هؤلاء إلى تحقيقها· فهو لا يرى في القوة المشتركة سوى ''احتلال سافر لا يقبله، أو يوافق عليه سوى مرتد أو كافر''· والأكثر من ذلك دعا ''بن لادن'' ليس فقط إلى شن حرب ضد قوات حفظ السلام، بل أيضا إلى مواجهة الحكومة الإسلامية في الخرطوم، لأنها وافقت على دخول القوات إلى أراضيها· الواقع أن تصريحات ''بن لادن'' تقوض تحذيرات من ينادون بضرورة الانتباه إلى رأي العالم الإسلامي، باعتباره أحد محددات السياسة الخارجية الأميركية، إذ يبدو أنهم لا يفهمون القاعدة الأيديولوجية للجماعات الإسلامية المتشددة· فـ''بن لادن'' يرى أن الإسلام في حرب ليس فقط مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بل مع الغرب عموماً، بل حتى ضد المسلمين الذين لا يتفقون مع تأويله الأصولي للإسلام· ورغم أن البعض قد يقول بأن ''بن لادن'' لا يمثل المسلمين جميعاً -وهو صحيح إلى حد ما- إلا أن شعبيته المتراجعة في العالم الإسلامي بسبب انحسار تأييد التفجيرات الانتحارية وباقي الهجمات الإرهابية لا يعني أن المسلمين لا يوافقونه الرأي فيمـــا يتعلــق بالتدخـــل الدولي في بلد مسلم، وهو المسلـــك الذي تعارضــه شرائح واسعة في العالمين العربي والإسلامي، لا سيما بعــــد الحــــرب الأميركيــــة علــى العراق· إن الأخطر من ذلك أن قوة حفظ السلام العالمية ستكون أضعف من الاضطلاع بمهامها، وقد تشكل هدفاً سهلا لهجمات ''القاعدة'' لتبقى الحقيقة الماثلة أمامنا أن الجيش الأميركي هو الوحيد القادر على تركيع حكومة الخرطوم وحماية المدنيين· فبعد مرور أربع سنوات على الجهود الدبلوماسية التي لم تثمر أية نتائج، ومساعي السلام المتعثرة وتضامن الحكومات العربية مع الخرطوم لا بد من بعض الوضوح، فلا يجادل أحد أن قوات الاتحاد الأفريقي المنتشرة في ''دارفور'' عاجزة عن حماية نفسها، ناهيك عن حماية المدنيين كما اتضح ذلك في الهجوم الأخير الذي شنته إحدى جماعات التمرد على قوات حفظ السلام وخلف عشرة قتلى· لحل المشكلة في دارفور، لا مناص من التدخل الأميركي حتى لو كان يعني المزيد من المشاعر العدائية تجاه الأميركيين في العالم الإسلامي، ومع أنه يتعين الإقرار بالدور الذي يلعبه الرأي العام العالمي في توجيه السياسة الخارجية الأميركية، إلا أن التصرفات الخارجية الأميركية لا تحددها في النهاية آراء من يعارضونها، بل تحددها القيمة التي تحملها تلك التصرفات، وما إذا كانت تلتزم بمعايير الصواب والخطأ، لا سيما عندما يتعلق الأمر بأعمال قتل واسعة كتلك التي ترتكب في دارفور· جيمس كيركيتش كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©