الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بعلبك مدينة الشمس والجمال ومركز العبادات القديمة

بعلبك مدينة الشمس والجمال ومركز العبادات القديمة
14 فبراير 2011 21:19
مرت على بعلبك مدينة الآثار اللبنانية عواصف الطبيعة والغزوات، وعبرت من خلالها الجيوش، لكنها أبت إلاّ أن تبقى مدينة الشمس الخالدة، ورمزاً للفن والجمال. يؤمها الناس من كل حدب وصوب، ومن جميع أصقاع الدنيا، ويقصدها العلماء وخبراء الآثار، للتزود من فنها العريق، والاغتراف من معالم جمالها وأوابدها التاريخية. (بيروت)- تعد بعلبك مدينة الهياكل والآثار والتاريخ، عمرها من عمر الزمان، فقد كانت منذ فجر التاريخ، وقبل العصر الروماني بعهود طويلة، مركزاً لعبادات سامية قديمة، كما كان يقصدها الحجاج والمتعبدون أصحاب النذور من مناطق بعيدة، ولما دخل الرومان البلاد أرادوا التودد إلى المشرقيين، بتقديس آلهتهم وتكريس مدنهم المقدسة، فكان أن أقاموا هذه الهياكل الجبارة التي تفوق بعظمتها وروعتها، كل ما تركوه من آثار في العالم القديم برمته، والذي كان خاضعاً لسيطرتهم طوال قرون. تاريخ طويل يذكر التاريخ أن الرومان هم أصحاب التصميم، ويعود الفضل في تحقيق الفكرة والإنجاز إلى القياصرة من أبناء البلاد مثل (فيليب العربي وكركلا وسفيرورس) عدا عن كبار البنائين والفنانين من المنطقة الذين اشترك في عملية النحت والنقش، بحيث أن قلعة بعلبك لم ينظر اليها كأثر، الاّ بعد من منتصف القرن 15. وفي عام 1898 زار بعلبك الأمبراطور “غليوم الثاني” قيصر ألمانيا الذي فوجئ بما رآه من سوء مظاهر الهياكل، وتلال التراب والحجارة المحطمة والمتناثرة، والأكواخ المقامة هنا وهناك، ومن فقدان الهياكل لمعالم عظمتها فعمد إلى إصلاح ما يمكن إصلاحه منها، وإزالة كل ما في ساحتها من حجارة وتراب وأكواخ، وأمر بمجيء بعثة ألمانية أثرية راحت تعمل في رحاب الهياكل من عام 1900 إلى 1904، لاستعادة رونق وعظمة حجارتها. بدورها، عملت حكومة الاستقلال اللبناني على تحسين مظهر قلعة بعلبك، فعمدت إلى إجراءات ترميم وصيانة وإصلاح. وفي عام 1976 توقفت أعمال الحفر والتنقيب نتيجة الحرب في لبنان، والتي أدى خلالها معوّل التخريب والتفتيش عن الكنوز والآثار والقطع الأثرية من قبل البعض، إلى ترك بصمات سيئة لقيمة هذا الكنز الأثري الكبير. صيانة القلعة في حديثه عن القلعة أشار توفيق الرفاعي- مدير مصلحة آثار بعلبك، إلى أن الاعمال توقفت عدة مرات، لاسيما فيما يختص بالحفر والتنقيب، وانحصر العمل بالصيانة والمحافظة على النظافة ضمن الهياكل، وصولاً إلى بناء المتحف الخاص بالقلعة وتأهيله، عدا إنشاء أرصفة وحواجز حديدية لمنع تسرب المياه إلى داخل المسجد الكبير الأثري، ومنع وإزالة تجمعات المياه والسيول التي تداهم “معبد فينوس” في كل مرة، وما عمل من طمى وأملاح تلحق الأذى بالحجارة ومعالم الآثار. ويضيف الرفاعي عن الوضع السائد في تلك الفترة، وعن الضرر الذي لحق بقلعة بعلبك وآثارها وأعمدتها، خصوصاً الآثار التي تقع خارج القلعة: “كثرت أعمال الحفر غير الشرعية على كل الأراضي اللبنانية بحثاً عن الكنز الدفين تحت الأرض فأصاب بعلبك وقتها النصيب الوافر، لاسيما في المناطق الجبلية المحيطة وفي خراج المدينة، وللأسف فإن مواقع أثرية مهمة مثل “حصن الشادورة” والقليعة وعين البنية “والحرفشة” وغيرها من المناطق الاثرية قد جرفت بالجرافات بطريقة اعتباطية، وهذا الأمر أدى إلى حرمان مواقع تراثية كان يمكن ان تجري عليها دراسات علمية لبيان أهميتها”. معابد شاخصة عرفت بعلبك، بأسماء عديدة منها هيليوبوليس، مدينة الشمس، واشتهرت عبر العصور بخطوطها البرية، فتميزت بموقعها على مفترق من طرق كانت ممراً للقوافل التي تصل الساحل المتوسطي بالبر الشامي، وشمال سورية بفلسطين، فاستفادت عبر تاريخها من هذه الميزة، لتصبح محطة تجارية ذات أهمية زراعية، لاسيما بعد أن بنى الرومان عليها أكبر الهياكل، كمعابد (باخوس وجوبيتر وفينوس وميركوري) الذين بقوا شاخصين كعمالقة للتاريخ وبالرغم من “الزلزال” الذي دمر العديد من معالم المدينة. فـ”جوبيتر” لم يبق من أعمدته الـ 54 إلاّ ستة أعمدة فقط. فيما استقبلت غرفه العديد من الشخصيات المهمة مثل الرئيس الفرنسي شارل ديجول، والكاتب جان كوكتو. فضلاً عن ذلك تعتبر بعلبك من ضمن أهم المدن السياحية في الشرق الأوسط، وفيها حجر “الحبلة” الذي يمثل أكبر حجر منحوت في العالم. وتشتهر المدينة بالمهرجانات الدولية السنوية، التي تقام في معبدي جوبيتر وباخوس، والتي شارك فيها أشهر الفنانين اللبنانيين والعرب والأجانب، وتقام فيها حفلات رائعة بين الأماكن الأثرية، مثل أوبرا باريس وميلانو، والرحابنة وفيروز ووديع الصافي وصباح فخري، وفرقة عبد الحليم كركلا للرقص الشعبي، والمغني العالمي ستينغ وفرقته والعازف عبد الرحمن الباشا. إلى ذلك برز فيها العديد من العلماء والأدباء والمفكرين، منهم الإمام الاوزاعي وابن المضاء والشيخ الحارثي، وجمع ممن ترك آثاراً مهمة في علوم الحساب والهندسة والعلوم الدينية، ولا ننسى خليل المطران الذي أغنت مؤلفاته المكتبات اللبنانية. السيل الجارف زائر بعلبك يرى من ضمن المعالم المهمة الموجودة في المدينة بقايا جامع “أم عياد”، وقبتا أمجد ودوريس وهما عبارة عن حجارة استخدمت من معابد بعلبك، وتطل محطة القطار التي تعود الى حقبة الثلاثينيات إلى جانب فندق “بالميرا” الذي يعود تأسيسه إلى نحو 120 سنة ماضية. المعمرون في مدينة الشمس يحدثون السياح والزوار عما رواه لهم التاريخ وحدث في 16 مايو 1372م، عندما وقع سيل جارف في بعلبك، أدى إلى وفاة الآلاف من السكان، إضافة الى اختفاء الكثير من المنازل والمحال التجارية التي تعرضت إلى الطمر نتيجة الطوفان الذي حصل. ويذكر المؤرخ اللبناني حسن عباس نصرالله في ما حصل بقوله: “قدم إلى سماء بعلبك غيم أسود قاتم اللون حجب نور الشمس، وعندما كان المصلون في المساجد، بدأ البرق والرعد يهزان المدينة الصغيرة بعنف، ليأتي بعدها سيل علوه (13 متراً) أغرق البيوت والمحال حاملاً معه الطمي، فلم ينجو من الكارثة سوى رجل مسن أعمى وإلى جانبه ولد صغير لا يتجاوز عمره الـ4 أشهر، أما الضحايا فكانوا من المصلين في المساجد والساكنين في البيوت الترابية والحجرية. غياب السياحة تعيش بعلبك عرساً فنياً وثقافياً وسياحياً، لكن في مواسم معينة وليس طوال العام! وهذا ما يدل على أن بعلبك عاجزة عن مجاراة الدور الذي يمكن أن تستفيد منه من قلعتها التاريخية، حيث لا يوجد مؤسسة سياحية من فنادق ومطاعم ومتنزهات تستوعب مستوى ومكانة قلعة بعلبك، لدرجة أنه من المستغرب ألا أحد من أبناء المدينة وخارجها، فكّر جدياً بالاستثمار السياحي فيها! مع العلم أنه استثمار مربح ويعطي القلعة وبعلبك وجهها الحضاري والإنساني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©