الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

آباء وأبناء من عقـدة جـودر إلــى عقدة أوديب

آباء وأبناء من عقـدة جـودر إلــى عقدة أوديب
23 نوفمبر 2007 02:59
قلةٌ من الباحثين العرب من استطاع قراءة النصوص الأدبية العربية القديمة وتحليلها واستخراج مفاهيمها الثقافية الدالَّة على أبعاد الهوية العربية الإسلامية والكاشفة عن تمثُّلات الذات وتجلياتها ومواقفها الاستراتيجية· ولعلَّ البحث في هذه المساحة المعرفية يساهم إسهاماً فاعلاً في تشكيل جملة من التصورات والمبادئ التي تدفع الذات لتفكيك أبنيتها ونقد مفاهيمها بهدف مراجعة مكوناتها وفهم مآزقها· ومن هنا تتأتّى أهمية هذه القراءات التي ينبغي أنْ تكون مشروعاً ثقافياً عاماً توجه له طاقات الباحثين وتُستنفَرُ لمواصلته جهودُ المُفكِّرين وقُدراتُ المؤسسات الثقافية المختلفة· تتأسس ''عقدة جودر'' على حكاية ''جودر بن عمر التاجر مع أخويه'' التي وردت في متن ألف ليلة وليلة، وتقوم الحكاية على نزاع ينشب بين الإخوة بسبب الحظوة عند الأب ينجُمُ عنه تآمرُ الأخوين؛ سالم وسليم على أخيهما جودر، وسوف يتخذ هذا التآمر عدة أبعاد ومستويات تبدأ بالتَّسلُّط، والكيد، والاحتيال، والخداع، والتخطيط للقتل، أمَّا الأم فقد تسلَّط عليها سالم وسليم بعد وفاة أبيهما ونالا منها بالسخرية والضرب والاستحواذ على ما ورثته من زوجها، إضافةً إلى الطرد الذي سرَّع بتحالفها مع ابنها جودر لمواجهة شرور سالم وسليم، إلا أنّ هذه التحالفات لا تستمرّ في الحكاية؛ إذ يقوم سالم وسليم بالتضرّع لأمهما لإنقاذهما من الأحوال السيئة التي آلت إليه أوضاعهما بعد فقدهما ما ورثاه من مال عن أبيهما وسوف تقوم الأم بمد يد العون لهما وإنقاذهما بإعطائهما مالاً وطعاماً مما يجنيه جودر بعد أنْ كانا قد نزعا منه ما ورثه من أبيه بحجة عدم العدل في قسمة الإرث، وهكذا سيصبح الإرث الأبوي محور النزاع والتنابذ بن الإخوة والأم· أما الحكاية الإطارية فسوف تتناسل لتُنجِب حكايات وتولـِّد دلالات تعجّلُ بتحريك البرنامج السردي وتعقيد مساراته وإحداث تحويلات في مساراته السردية حيث تتنامى الأحداث وفق قاعدتي النمو التصاعدي لمحور جودر والنمو التنازلي لمحور أخويه: سالم وسليم، إذْ يرتقي جودر من العيش على الكفاف إلى امتلاك ثروة طائلة ثمّ امتلاك السلطة باعتلاء عرش المملكة في حين تتفاقم مكائد سالم وسليم وترتد عليهما ثبوراً وذلك بأنْ تنتهي حياتهما في سجن الملك· وإذا كان الأخوان يواجهان أخاهما جودر بالكيد والتدبير والإيقاع فإنَّ جودر يقابلهما بالصفح والعفو والإحسان وينعم عليهما بالجود والأمن وجمع الشمل بعد أن يكونا قد دبرا لتشتيته· أما الأم فلها بعدان: بعدٌ واقعي بيولوجي حيث الأمومة، وبعد رمزي يتشكّل في إحدى الحكايات المتناسلة حيث يقتضي مسار الحكاية السردي أنْ يتمّ تعريتها لاستخراج الكنز· في كتابه ''الإسلام والجنس/''2001 أسس عبد الوهاب بوحديبة، مقتربه المعرفي على علاقة الأم/ الابن التي تمتد من الحكاية الإطارية إلى الحكايات الداخلية وبخاصة حكاية جودر مع الساحر المغربي ''عبد الصمد'' الذي يطلب من جودر تعرية أمه التي سيقابلها في الطريق المؤدية إلى الكنز المدفون في عمق أحد الأنهار· لا يستطيع جودر مسّ صورة الأم وتحطيمها رغم علمه بوهميتها ورغم ما أخبره به الساحر المغربي من أنّ الصور التي سيواجهها في طريقه إلى الكنز صور أشباح لا صور أرواح، ومع ذلك فقد أخفق جودر في تعريتها في المرَّة الأولى، ويرى بوحديبة أنَّ هذه الحكاية تمثل استعارة ثقافية مفادها ''أنَّ على المرء رؤيةَ صورة أمه الحقيقية ومواجهتها دون أي حواجز''· وبهذه الطريقة يتحرَّر الوعي الجمعي من الصور النمطية ويصبح قادراً على قتل الأشباح التي تنتهجها· وبموازاة ذلك يرى بوحديبة أنّ مكونات حكاية جودر السردية وعناصرها النفسية والاجتماعية والفردية واللاواعية والطبيعية والوهمية يجعلها دالَة على عمق إنسانيّ؛ فحكاية جودر تماثل ''حكاية أوديب'' من حيث علاقة الآباء بالأبناء، وإذا كان أوديب قد استحق عقوبة فقء عينيه لمحاولته قتل الأب بالتجرؤ على غشي المحارم فإنَّ جودر استحقّ الكنز لأنه نجح في التخلّص من عقدته، في المرَّة الثانية، بتعرية أمه وتجريدها من ملامحها الأسطورية والتعامل معها واقعياً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©