الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لبنان الأزمة.. خطر الطوأفة ونسف الطائف

لبنان الأزمة.. خطر الطوأفة ونسف الطائف
20 نوفمبر 2007 22:41
فجأة تغيرت اتجاهات الأزمة السياسية في لبنان متجاوزة حدود التباين بين متعارضين يمثلون طرفا يدعى الأكثرية، وآخر يدعى المعارضة، الى حدود ''ما خفي كان أعظم''، ألا وهي المعضلة الطائفية عبر العزف على وتر ''من يختار من''، في بلد يفترض أنه دفع من الدماء ما يكفي لعدم طرح هذا السؤال مرة أخرى· السابقة التي حدثت في لبنان وللمرة الأولى في تاريخه منذ الاستقلال عام ،1943 كانت إقحام مرجعية دينية تمثل جزءا من كل الطوائف في عملية اختيار يفترض أن يكون الجزء فيها ممثلا لكل الطوائف· والخطورة في الأمر لا تكمن في هذه المرجعية التي لا يشكك أحد في وطنيتها أو دورها، بل تكمن في المخاوف من تعميم هذه التجربة مستقبلا تحت شعار حل أزمات المناصب بـ''الطوأفة''، خلافا لاتفاق دستوري وقع بالدم تعهدا بإلغاء الطائفية السياسية بعد 17 عاما من حرب لم ترحم أي طائفة بلا استثناء· عجزت الأكثرية والمعارضة على مدى أكثر من عام عن حل خلافاتها التي انعكست على الأرض تجميدا لدور المجلس التشريعي (البرلمان) وتشكيكا لشرعية المجلس التنفيذي (الحكومة)، ووصل الجانبان إلى مفترق طرق بشأن اختيار حامي الدستور (الرئاسة)· وتدخلت الوساطات، عربية وإقليمية ودولية لإنهاء الأزمة، ومنع دخول لبنان في فراغ رئاسي، لكن بدلا من تركيزها على كيفية جمع الطوائف على قاعدة انتخاب من يمثلها كلها ويدافع عنها كلها على قاعدة ''المسافة واحدة مع الجميع''، جاء الطرح مغايرا عبر مبادرة فرنسية جمعت كل الوساطات، ومنحت البطريرك الماروني ''نصر الله صفير'' سلطة إعداد لائحة تضم عددا من الأسماء لطرحها على رأسي الأكثرية النيابية، ممثلة بزعيمها النائب سعد الدين الحريري، والمعارضة ممثلة برئيس مجلس النواب نبيه بري سعيا لاختيار ''الأنسب'' توافقيا· لا أحد ينكر أن رؤساء لبنان الـ11 منذ الاستقلال، تم اختيارهم وفق ظروف المصالح السياسية، فالبريطانيون استغلوا ضعف النفوذ الفرنسي عام 1943 لفرض الرئيس ''بشارة الخوري'' وبعدها الرئيس ''كميل شمعون'' في 1952؛ وترجم التوافق الأميركي المصري عام 1958 بانتخاب قائد الجيش ''فؤاد شهاب'' رئيسا، وبعدها جاء ''شارل حلو'' عام 1964 امتدادا للنهج الذي كسر لاحقا في أول انتخابات من دون تدخلات خارجية، جاءت بالرئيس ''سليمان فرنجية'' عام 1970 بفارق صوت واحد (50-49) على منافسه ''الياس سركيس'' الذي عاد وفاز بالمنصب، لكن في ذروة دماء الحرب الأهلية عام ·1976 وجاء انتخاب الرئيس ''بشير الجميل'' عام 1982 في ظل الاحتلال الإسرائيلي، لكنه لم يؤد القسم واغتيل بعد 3 أسابيع، ليخلفه شقيقه ''أمين الجميل'' الذي فتح الباب أمام سوريا لتصبح الناخب الأساسي في تحديد من يشغل المنصب بعد إدخاله لبنان في أزمة حكومة عسكرية سلمها السلطة برئاسة قائد الجيش العماد ''ميشال عون''، لتندلع آخر حروب ما قبل اتفاق الطائف الشهير عام 1989 الذي وضع حدا للحرب· ورغم ذلك لم يؤد أول رئيس بعد الطائف هو ''رينيه معوض'' القسم، وخلفه في المنصب الرئيس ''الياس الهراوي'' الذي مدد لولايته 3 سنوات إضافية (1989-1998) عبر اتفاق ضمني بين دمشق وواشنطن في ذلك الوقت· في عام 1998 تم اختيار قائد الجيش ''اميل لحود'' رئيسا، وذلك للدور الذي بذله في توحيد الجيش، وبنائه بعد الحرب، ومدد له أيضا 3 سنوات عام ،2004 لكن هذه المرة بقرار سوري آحادي سرعان ما ظهرت آثاره عبر انقسام داخلي مزقته الاغتيالات السياسية ولا يزال مستمرا· ضرورة ما تقدم، هو للإضاءة على تحكم المصلحة السياسية في عملية اختيار الرئيس والتي لم تكن تحت أي ظرف عبر بوابة دينية، ذلك أن مسألة توزيع المناصب محسومة في عرف الدستور (رئاسة الجمهورية للموارنة، ورئاسة الوزراء للسنة، ورئاسة مجلس النواب للشيعة)؛ أما الخطر فيكمن في المعالجة الحالية لأزمة منصب رئاسة الجمهورية، ليس بسبب محاولة إقحام مرجعية ''بكركي'' في اختيار ممثل الموارنة فحسب، بل حتى في جدل الموارنة نفسه حول من يحق له الاختيار· وإذا كان البطريرك صفير -ومن منطلق حرصه على وحدة لبنان ودرء الخطر عنه- لم يتوان وبحسن نية عن المساهمة في دور إنقاذي، عبر تقديم لائحة المرشحين المحتملين، وهو الأمر الذي قبلته الطوائف الأخرى، إلا أن استغلال القيادات السياسية لهذه المسألة شوهها بالكامل، وطرح ما هو أخطر بكثير، وهو اعتبار المنصب حقا مارونيا صرفا لا تحدده إلا الطائفة، وهو الأمر الذي لا يناقض الدستور فحسب، بل يهدد بنسف ميثاق العيش المشترك من أساسه، وإلا بماذا يفسر كلام عون بالأمس بأن الرئيس يمثل إرادة المسيحيين وقول زعيم ''القوات اللبنانية'' سمير جعجع: ''إنه لا يحق إلاّ للمسيحيين التوافق فيما بينهم على اسم مرشح الرئاسة، لأن الموقع يخصهم حصراً ولا يخص المسلمين''· إن طرح مسألة الرئاسة بهذه التشوهات، تعني ببساطة الدعوة إلى إدخـال لبنان مجددا في دائرة الخطر الطائفي؛ فيما يفترض أن التمثيل في أي منصب محمي بموجب الدستور، فالرئيس لا ينتخب إلا بأصوات الثلثين أي بالمسيحيين والمسلمين معا، ورئيس مجلس الوزراء لا تتم تسميته ومنـــح حكومتــــه الثقة، إلا بأغلبية الثلثين أيضا، ورئيس مجلس النواب لا ينتخب إلا وفق الآلية نفسها، لأن الموجودين في المناصب يخدمون لبنان بكل طوائفه، ولا يخدمون طائفة بعينهـــا دون أخــرى· لبنــان على موعــد مـــع حرب أهليــة جديــدة، إذا استمر صب الزيت الطائفي على نيران أزمة يمكن حلها بالتوافق، على أساس العودة إلى مرتكزات الطائـف· أمــا إذا استمرت الأصــوات التي تلوثـــت يدها بدماء اللبنانيين في عزف النغمة نفسهــا، فإن المستقبل لن يكون مفتوحا على المجهول فحســب، وإنما على ما هو أبشع من ذلــك بكثير؛ والنيـران إذا اندلعـــت لن تحرق طرفـــا دون الآخـــر، والحـــرب اللبنانيـــة (1975-1990) لا تزال في الذاكرة· عماد رياض المكاري
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©