الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما جـدوى حـوار الحضـارات ؟

ما جـدوى حـوار الحضـارات ؟
16 نوفمبر 2007 23:16
استضافت ''المكتبة الوطنية الجزائرية'' مؤخراً ندوة فكرية لمناقشة إشكالية حوار الحضارات حضرها الدكتور سعيد اللاوندي، نائب رئيس تحرير ''الأهرام'' المصرية، والدكتور مصطفى شريف من الجزائر اللذان ألقيا محاضرتين قيِّمتين عن الموضوع، إلا أن مداخلات الجمهور من دكاترة وأساتذة جامعيين ومهتمين بعالم الفكر حوَّلها إلى ندوة جماعية ساخنة· وبحضور الأب هنري تيسيي، أسقف كنيسة الجزائر، ألقى مدير المكتبة الجزائرية الدكتور والروائي أمين الزاوي كلمة افتتاحية قدّم فيها اللاوندي ووصفه بـ ''رفاعة الطهطاوي المعاصر'' بعد أن قضى 20 عاماً في ''جامعة السوربون'' ينهل من الفكر الغربي المعاصر، والتقى المفكرَ الجزائري محمد أركون، وهو أول من استعمل مصطلح ''الإسلاموفوبيا'' في كتاب صدر له في القاهرة، ثم أحال الكلمة إلى الأستاذ مصطفى شريف الذي أكد أن حوار الحضارات موضوع قديم ولكنه بدا وكأنه جديد من فرط الحديث عنه بعد أحداث 11 سبتمبر ،2001 ولاحظ أنه على كثرة الحديث عن الموضوع إلا أن العالم يعيش واقعاً مختلفاً ومراً مليئاً بالغطرسة والعنف والاعتداءات، مما جعل ''الصدام بين الحضارات'' يتغلَّب على ''الحوار'' بينها برغم جهود كل الخيِّرين، وأكد أن''الأقوياء يرفضون الحوار ويريدون فقط إملاء شروطهم علينا''، كما أن العالم الإسلامي يُستعمل الآن كبعبعٍ بعد أن اختارته قوى الهيمنة عدواً جديداً لغاية فرض هيمنته، وقد ساعد الغربَ على ذلك من خلال أخطائه، وكذلك عدم البحث عن أصدقاء، ليصل المُحاضر إلى الاستنتاج بأننا الآن لسنا ''خير أمة أخرجت للناس''؛ فمقاومتنا أصبحت رجعية؛ بالعنف الأعمى والعواطف المحمومة وليست بذكاء ووعي· وبنظر المحاضر، فإن المتطرفين العَلمانيين والإسلاميين مسؤولون عن هذا الوضع؛ فالطرف الأول يحاول قطعنا عن الأصالة بذريعة أنها تمثل التخلُّف، والثاني يحاول قطعنا عن العصرنة بحجة أنها انحلال وتبعية، ودعا إلى نقد هذه التناقضات والحوار بين الطرفين أولاً لإحراز تقدُّم قبل الحوار مع الغرب، ونبه إلى أن صورتنا مزيَّفة في نظر الغرب ومثيرة لشفقة الأصدقاء أيضاً حتى أن الفيلسوف المتعاطف مع العرب جاك دريدا قال إن العرب يظهرون في ذيل المتخلفين سياسياً في العالم وقد درس تاريخهم فلم ير فترة أسوأ من الخمسين سنة الأخيرة· وهنا وضع مصطفى شريف نقطة نهاية لمحاضرته محيلاً الكلمة للدكتور اللاوندي الذي استهلها بالاقتراح الذي تقدم به الرئيس الإيراني محمد خاتمي عام 1997 بأن يكون هناك عامٌ لـ ''حوار الحضارات''، وتنبَّت ''الأمم المتحدة'' الاقتراح في عام 2001 لكن أحداث 11 سبتمبر نسفته، لتردَّ أمريكا باختراع ما أسمته بـ ''الحرب الاستباقية'' التي اتخذتها ذريعة لضرب أية دولة، فاتضح أن حوار الحضارات وُلدَ ميِّتاً ولم تنجح كل المحاولات فيما بعد لبعثه لأن شروطه لم تتحقق وأهمها أن يكون بين ندِّين بينما ترى أميركا أن العلاقة بينها وبين العالم الإسلامي هي علاقة سيد بعبده؛ علاقة قائمة على الإملاء والغطرسة، فكيف ينجح الحوار بين طرفين غير متكافئين؟! ومن شروطه أيضاً المعرفة والقبول، بينما لا يعرفنا الغرب ولا يبذل جهوداً كافية لذلك ولا يقبلنا أيضاً وينظر إلى العالم الإسلامي على أنه مجرَّد مصنع لتفريخ الإرهابيين، وهو يهوِّل صورة بن لادن و''القاعدة'' لإثارة الفزع وتغذية مشاعر النفور والكراهية في نفوس شعوبه، ونجح في ذلك حتى باتت الكتابات الحائطية العنصرية الحاقدة على المسلمين تملأ الجدران الغربية، وهو ما يسهِّل على أميركا تنفيذ مخططها لتفتيت العالم الإسلامي من جاكرتا إلى الرباط· ولاحظ المحاضرُ أيضاً أن الدراسات والكتابات الأكاديمية الغربية عن الإسلام هي أقرب إلى الإسلام الصحيح، لكنها حبيسة رفوف المكتبات الجامعية ولا يعرفها إلا المتخصصون، وأن ''الصورة الإعلامية'' الغربية السلبية عن الإسلام طغت بشكل كلي على ''الصورة الأكاديمية'' الموضوعية والمنصفة، لأن الغرب يريد تضخيم الأولى والتعتيم على الثانية· وبدأت بعدها المناقشات بتدخل الدكتور محمد جباب الذي لاحظ أن حوار الحضارات أصبح موضوعاً سياسياً من حيث التناول والآليات والأدوات؛ حيث يعتمد التنازل والمناورة مع أنه تاريخي أساساً وينبغي أن يعتمد الجدل والإقناع، ولاحظ أيضاً أن حوار الحضارات منذ فجر التاريخ محكوم بالقوة ولا يمكن للقوي أن يتنازل للضعيف؛ الحضارات تقوم على الصراع والتدافع والمطلوب إعادة ترتيب العلاقة بيننا وبين الغرب والتخلي عن الحوار· وأيده الدكتور عبدالعالي رزاقي حينما تدخَّل ليقول إن حوار الحضارات مغالطة كبيرة لأنه بعد 11 سبتمبر ولدت إمبراطورية جديدة أصبح شغلها الشاغل احتلال الدول، وطالب رزاقي المسلمين بالكف عن الدعوة إلى الحوار، بينما تقوم أميركا بجبروتها باحتلال المزيد من أوطانهم، وبدل ذلك ينبغي أن ينصبَّ تفكيرهم على أنجع السبل لمقاومتها· ورأى متدخل ثالث أن حوار الحضارات مجرَّد ''نظرية أيديولوجية'' واستمرار النقاش حولها يعني تغذيتَها وإعطاءها نفساً جديداً، وقال إن هذه سذاجة خطيرة· بينما رأى متدخلٌ رابع أن فكرة الحوار صعبة وغير قابلة للتحقيق لأننا نقدم أنفسنا كـ ''ذات دينية'' لا سياسية· وهنا تدخَّل اللاوندي ليقول: ''هناك حوار طرشان الآن؛ العرب يطلبون مساندة فلسطين، والأوربيون يريدون الأسواق والنفط والمصالح''، وأثار مسألة ذاتية العرب في نظرتهم إلى الآخرين مستشهداً بمقولة روجيه أرنالديز: ''مشكلة العرب والمسلمين أنهم لا يعرفوننا، بل يعرفون أنفسهم فقط''· ومقابل الآراء الداعية إلى الكفِّ عن ''استجداء'' الحوار مع الآخر القوي الذي لا يعترف بنا ويصر على استعبادنا، تدخل عددٌ من المفكرين للدعوة إلى تفعيل الحوار والتمسُّك به لتلطيف العلاقة المتشنجة مع الغرب، فدعا الدكتور عمر بوساحة إلى تخليص الحوار من الغطاء السياسي، واعتراف المسلمين بشجاعة الاعتراف بأنهم ارتكبوا ''خطايا'' يوظفها الأميركيون والغرب وأخطرها الإرهاب الذي شوَّه الإسلام، وحول مسألة الندِّية قال بوساحة: ''نحن متخلفون ولا يمكن أن نكون ندا لهم، ولكن يمكننا أن نستفيد منهم كما استفادوا هم من المسلمين الأوائل''· بينما حوَّل الأستاذ سمير سطوف حوار الحضارات إلى حوار ديانات تحديداً وقال: إن نقاط التلاقي بين الديانات الثلاث أكثر من نقاط الاختلاف، ويجب استغلال ذلك في إنجاح الحوار حتى وإن بقي الغرب يتعمَّد تضخيم نقاط الاختلاف، واعتبر أن هناك ''ثالوثا غير مقدس'' يعين بعضه بعضاً على الصدام والمواجهة بين الحضارات، ويتمثل في الغرب والأنظمة القائمة في العالم الإسلامي وقوى التطرُّف والظلام· وأيَّده الدكتور مصطفى شريف بالقول: إن مقاومتنا المستميتة للعولمة والتغريب والليبرالية المتوحشة تحيِّر الغرب، لكن العنف والاستبداد يصبان في مصلحته، فضلاً عن تخلفنا التكنولوجي والاقتصادي· وأثار مفكرون آخرون مسألة ضعف الحوار حتى بين المسلمين؛ فقال محمد سعيدي، قيادي في أحد الأحزاب الإسلامية بالجزائر: نحن غير قادرين حتى على إجراء حوار ناجح بيننا، فكيف ننجح في الحوار مع الآخرين؟ ثم تساءل: من يحاور من؟ هل الغرب والمسلمون فقط هم الذين يمثلون الحضارة والعالم؟ لماذا لا نتحاور مع آسيا وأميركا الجنوبية؟ لماذا نصر على الدوران دوماً على مركز الغرب؟ وفتحت هذه التساؤلات شهية الأستاذة أميمة من قناة الـ ''بي بي سي'' فتدخَّلت لتشير إلى أن هناك ''جدراناً ثقافية'' سميكة بين المشرق والمغرب العربيين؛ إذ لا يعرف المشرق الكثير عن المغرب والعكس صحيح· ونبَّهت إلى أن نجاح الحوار مع الغرب مرهونٌ بوجود مصالح مشتركة مترابطة، كما تأسَّفت على حال السفارات العربية بالخارج وقالت إنها لا تحسن تقديم العرب· وشجع هذا الحديث الدكتور اللاوندي للتدخُّل والتنبيه إلى عدم وجود حوار عربي ـ عربي بسبب طغيان القطرية، وضرب مثلاً بميل بعض المفكِّرين المصريين إلى تضخيم دور مصر على الصعيد العربي بشكل فيه الكثير من النرجسية والشعور بالعظمة، مع أن مصر دون العرب لا تساوي شيئاً، وأضاف اللاوندي محذراً: ''هناك الآن إذكاء لروح الانعزالية القطرية، وكذا الطائفية والمذهبية''· أما مدير المكتبة الجزائرية الروائي أمين الزاوي فنبَّه إلى ''عطب'' آخر أصاب العرب وهو عدم قدرتهم على ''استثمار أصدقائهم'' في العالم ومن كل الديانات، فضلاً عن استثمار العقول العربية بالغرب وهو رأسمال فكري كبير بإمكانه دفع حوار الحضارات قدُماً· بينما قال اللاوندي: إننا ''متخصِّصون في تضييع الفرص'' السانحة حيث طرحت البرازيل فكرة عقد ملتقى يؤسس لقيام حوار عربي ـ إسلامي/ مسيحي ـ لاتيني، لكن لم يكلف أي رئيس عربي نفسه عناء حضور الملتقى بالبرازيل فوئدت الفكرة في مهدها، كما طرح ثاباتيرو فكرة ''تحالف الحضارات'' بالقمة العربية في الجزائر في مارس ،2005 وجاء إلى الجزائر لشرحها في خطاب مطوَّل ثم كلَّف سفاراته بشرحها، لكن لم يرد عليه أي سياسي أو مثقف ولا حتى سينمائي، وكأن ثاباتيرو كان بصدد مونولوج· وانتهت الندوة دون نتائج معينة أو اتفاق على ضرورة مواصلة حوار الحضارات وتفعيله أملاً بنجاحه، أو الكف عن ذلك وإيقافه والبحث عن بدائل ومنها تفعيل المقاومة، لكن الحاضرين شعروا برضى كبير عن مجريات الندوة وتلاقح الأفكار والرؤى ووجهات النظر فيها، فحينما ينجح''الحوار'' بين المفكرين والمثقَّفين ويخلو من التشنج والغلو وتسفيه أفكارهم المتعارضة، فذلك دليل على إمكانية نجاح''الحوار العربي- العربي'' ومن ثمَّة نجاح حوار الحضارات مع الآخر المختلف عنا في كل شيء·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©