الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثقافة متأخرة عن العمران·· لكن الهوة قابلة للردم

الثقافة متأخرة عن العمران·· لكن الهوة قابلة للردم
3 ابريل 2008 01:24
يمثل الابداع الثقافي أحد الملامح البارزة في تكوين الوجه الحضاري للأمم والمجتمعات، ولا بد لأي دولة ساعية نحو امتلاك مكانة متميزة، أن تأخذ تلك الحقيقة بعين الاعتبار، وأن تعمل على إيجاد توازن بين التقدم الحاصل في كل مناحي الحياة، وبين الاهتمام بالحالة الثقافية في المجتمع، نظراً للدور الأساسي الذي تلعبه الثقافة على الصعيد الفكري والاجتماعي والحضاري الشامل· بالنسبة لدولة فتية وناهضة مثل دولة الإمارات، تمثل الثقافة عنصراً بالغ الأهمية في تأصيل الهوية، وفي تحقيق التقدم المنشود الذي يسعى إليه أبناء الدولة، من هنــا تطرح مجموعة من التساؤلات المتعلقة بالمشهد الثقافي على أرض الإمارات، تدور حول مدى التوازن بين النهضة الثقافية، وبين النهضة الشاملة التي تشهدها الإمارات في مختلف المجالات، وهل هناك فجوة بين النهضة الثقافية والنهضة الحضارية، وإلي أي حد يتفاعل المواطن العادي مع تلك النهضة الثقافية وما هو انعكاسها على سلوكياته واهتماماته، التساؤلات هذه طرحناها على بعض من العاملين في الحقل الثقافي على أرض الإمارات، وجاءت الأجوبة في معظمها متفقة على إبراز حالة من عدم التوازي بين النهضة الاقتصادية، ومثيلتها على الصعيد الثقافي، وإن خالجها توقع متفائل بإمكانية تحقيق التكافؤ المنشود، عبر مزيد من الجهد والمثابرة· فرق شاسع الشاعرة جميلة الرويحي تقول: ''لا أعتقد أن هناك توازياً بين النهضتين الاقتصادية والعمرانية والنهضة الثقافية التي يشهدها المجتمع الإماراتي، بل أن هناك فرقاً شاسعاً بينها، وللتغلب على هذه الفجوة، يجب على الجهود المبذولة من المؤسسات الثقافية العاملة في جميع إمارات الدولة أن تتضافر جهودها وتتكامل، كي تتمكن من مسايرة النهضة الحضارية سواء داخل الدولة أو خارجها، وهذا يمكن تحقيقه من خلال التعاون مع وزارات الثقافة والإعلام، وتبادل الأنشطة بين تلك المؤسسات، وزيادة التعاون فيما بينها، لأنها جميعاً تعمل تحت سقف واحد، وفي دولة واحدة، وهذا التعاون والتكامل من شأنه أن يؤدي في النهاية الى رفع أسم دولتنا الفتية على الساحتين العربية والعالمية''· وتضيف الشاعرة الرويحي: ''لا أعتقد أن المواطن العادي يشعر بالتطور الثقافي كما يشعر بالتطور الآخر، وهو بعيد كل البعد عن الساحة الثقافية، ويركز جلّ اهتمامه على الطفرة الحاصلة للمال والاقتصاد وغيرها من أمور الحياة التي باتت تسيطر على اهتماماته، ولذلك نحن في أمس الحاجة لحفز أفراد المجتمع على الإسهام بشكل فعال في المشاريع والأنشطة الثقافية المختلفة التي تنظمها الدولة''· مبادرات واعدة أما الفنان التشكيلي والخطاط محمد مندي، فيقول: ''أتمنى أن تكون النهضة الثقافية موازية للنهضتين الاقتصادية والعمرانية، وهناك مبادرات عديدة من الأفراد والمؤسسات داخل الدولة تسعى الى تحقيق هذا الهدف، مثل جوائز العويس الثقافية التي تعطي زخماً للمشهد الثقافي في الإمارات، فضلاً عن التشجيع الهائل من جانب أولي الأمر لكافة الأنشطة والفعاليات الثقافية داخل الدولة وخارجها، ويرى مندي أنه لا توجد فجوة بين النهضة الثقافية والعمرانية، ولكن هناك عدة ملاحظات، ومنها ضرورة إضفاء لمسات جمالية وتراثية على المباني والمنشآت داخل الدولة، وهذا من شأنه أن يبرز التراث الخاص بالبلد ويؤكد هويتها لأن البلدان والحضارات لا تُقاس إلا بالفن والثقافة، ويؤكد أن هناك عودة لزمن الفن والثقافة، وهو ما نلمسه من تزايد المهرجانات والمعارض الفنية المختلفة، وأنه طالما كانت هناك مؤسسات ثقافية مبنية على أسس علمية وتخطيط جديد ودعاية كافية، فهذا من شأنه أن يشجـع النـاس على الاهتمام بالثقافة والإبداع مثلما هو حادث الآن في المجمـع الثقافي، الذي يحــوي العـديد من الأنشـطة والفعالـيـات الثقــافية التي تلقــى إقبـالاً كبـيراً من الجمهـور العادي· قصور لا فجوة يقول عبدالله العامري مدير مؤسسة الثقافة والفنون في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث: ''تشهد منطقة الخليج في الفترة الحالية نهضة اقتصادية كبيرة ألقت بظلالها على المنطقة بشكل عام، وعلى دولة الإمارات بشكل خاص، وكان للحركة الثقافية نصيبها من تلك النهضة، فأصبحت الإمارات تلعب دوراً أساسياً في المشهد الثقافي في منطقة الخليج، حيث نجد عدداً من المشروعات الثقافية العملاقة التي أقيمت على أرض الإمارات، بخلاف المشروعات الأخرى المُزمع إقامتها والتي من شأنها أن تجعل من الإمارات بؤرة ثقافية، ليس فقط على مستوى المتاحف وغيرها من الأنشطة الثقافية المختلفة، بل أيضاً على المستوى التعليمي والتخصصات العلمية، من خلال توافر برامج تعليمية وتطويرية، تسعى الى رفع كفاءة العاملين في الحقل الثقافي داخل الدولة وخارجها''· العامري يرى أنه لا توجد فجوة بين النهضة الثقافية والنهضة الاقتصادية على أرض الإمارات، ولكن هناك قصوراً في بعض النواحي العلمية والتعليمية المرتبطة بالعملية الثقافية، وهو ما يتم تداركه الآن من خلال خطة استراتيجية وضعتها إمارة أبوظبي، تهدف الى إنشاء العديد من فروع الجامعات العالمية على أرض أبوظبي، وتلك الجامعات سوف تشمل تخصصات علمية مرتبطة بالفنون، من مسرح وسينما وفنون تشكيلية وغيرها من نواحي الإبداع الثقافي، بالإضافة الى تخريج أشخاص قادرين على إدارة المهرجانات والمتاحف التي تزخر بها الدولة، ويشير محدثنا إلى أن النهضة الاقتصادية التي تشهدها الإمارات انعكست بشكل جليّ على الثقافة، بمعنى آخر يمكننا القول إن الإمارات تشهد ثورة ثقافية وفكرية سوف تُكلل بافتتاح المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات العام الجاري، مع عدم إغفال الدور الحيوي للمشروعات الثقافية الكبرى المقامة في مدن الدولة الأخرى، كدبي والشارقة، في إثراء حركة الثقافة والإبداع في الإمارات· التعليم أولاً من جانبه يرى الشاعر والمترجم الدكتور شهاب غانم، أن النهضة العمرانية التي تحققت في الإمارات كانت كبيرة بكل المقاييس، وحدثت خلال فترة قصيرة بدأ زخمها بعد تشكيل الاتحاد، وقد شهدت الثقافة أيضاً نهضة ملحوظة، خصوصاً منذ الثمانينيات، ولكنها لا تتوازى مع النهضة الاقتصادية والعمرانية، ويعلل الدكتور ''شهاب غانم'' ذلك قائلاً: إن التطور العمراني أسهل بكثير من التطور الثقافي، لأن عملية التطور العمراني يمكن أن تتم سريعاً بالاعتماد على العقول والسواعد المستوردة، طالما توافرت الموارد المالية مع الإرادة السياسية والإدارة الحكيمة، أما التطور الثقافي فيجب أن يتحقق من خلال أبناء البلد، أي يجب أن يكون لدينا مفكرون ومبدعون وعلماء من أبنائنا، وتلك العملية ليست سهلة وتستغرق وقتاً طويلاً، وهي تستوجب الاهتمام بالتربية والتعليم، باعتبار التعليم هو حجر الأساس في تحقيق النهضة المنشودة، على أن تشمل العملية التعليمية الاهتمام بالقيم والأخلاق وبث حب الوطن في أطفالنا وتعزيز انتمائهم لهذا الوطن وللأمة واللغة العربيتين، لأنه لا يمكن أن نبرز في التفكير العلمي والأدبي إلا من خلال لغتنا وهي لغة عظيمة وغنية، وكذلك علينا الانفتاح على كل ما يمكن أن يُعد إيجابياً لدى الشعوب الأخرى، مثل الاهتمام بالعلم والبحث العلمي وحرية الفكر والنظام والعمل الجماعي وقبول الرأي الآخر· ويوضح غانم أن المواطن العادي بشكل عام لا يتابع الساحة الثقافية، فهو يهتم بالرياضة ولعب الكرة ومتابعة المسلسلات التلفزيونية، وقد يكون مهتماً بأسعار الأسهم إذا كان من أصحاب الدخل العالي، وأحياناً قد يهتم ببعض البرامج التلفزيونية الثقافية مثل أمير الشعراء وشاعر المليون، ونظراً لأننا نعيش في عصر العولمة والاستهلاك والنموذج الأميركي الذي تجسده أفلام العنف والجنس، نجد أن قلة هم الذين يقرأون الكتب الثقافية ويهتمون بالثقافة، ولذلك نحن في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في التربية والتعليم وتكريس الاهتمام بالقيم والانتماء والهوية، وتعظيم قيمة العلم، ففي زمن آبائنا كانت قيمة الإنسان هي في علمه وأخلاقه، أما اليوم فهي فيما يملك من ثروة مادية· تشجيع سخي للثقافة أما الروائي والناقد ناصر عراق، مدير تحرير مجلة ''دبي الثقافية''، فيقول: ''المجتمع الإماراتي كمجتمع ناهض، بدأ حضوره يتأكد وينمو مع تأسيس الدولة سنة 1971 على يد المغفور لهما بإذن الله الشيخ زايد، والشيخ راشد وإخوانهما من حكام الإمارات، وقد حقق هذا المجتمع خطوات مدهشة ومذهلة طوال الأعوام الماضية، وما نراه الآن من حضور عمراني وتكنولوجي باذخ في الإمارات يؤكد قدرة قادة هذا المجتمع على السير بخطى حثيثة ومتسارعة نحو العصر الحديث، ويرى عراق أن أولي الأمر في الإمارات اهتموا كثيراً بتشجيع الثقافة والإبداع، وهذا الاهتمام له وجوه كثيرة، منها فكرة جائزة الشيخ زايد للكتاب، وإقامة دار للأوبرا، وكذلك مبلغ العشرة مليارات دولار التي تبرع بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي لتشجيع ودعم التعليم في الدول العربية، فضلاً عن تنظيم معارض للكتاب في أبوظبي والشارقة وغيرهما من إمارات الدولة، وإقامة مهرجانات وأيام مسرحية وسينمائية، ودعم المبدعين العرب داخل الدولة وخارجها·· هذه الأمور نراها جميعاً ونلمس مدى جهد القائمين عليها في تأكيد الدور الثقافي الذي تلعبه دولة فتية مثل دولة الإمارات، ويؤكد أنه لا توجد فجوة كبيرة بين النهضة الثقافية في الإمارات والنهضتين الحضارية والاقتصادية، لأنه من الطبيعي أن يتقدم العمران على الثقافة، ومع ذلك فإن الحركة الثقافية في الإمارات تشهد تقدماً لافتاً، وتشجيعاً سخياً لعمليات الفكر والإبداع وكافة الأنشطة الثقافية الأخرى من ترجمة ونشر ومسرح وسينما ومعارض وندوات· تحفيز المواطن الشاعر عباس أحمد العصفور يبادر الى القول: ''أعتقد أن النهضة الثقافية لا تتوازى مع مثيلتها الاقتصادية والعمرانية التي يشهدها المجتمع الإماراتي، نظراً لوجود قفزة اقتصادية هائلة على أرض الإمارات، ولكن هناك جهوداً كبيرة للتغلب على تلك الفجوة الموجودة بين النهضة الثقافية والاقتصادية، وتتمثل في المشروعات الثقافية الضخمة التي تقوم بها الدولة وترصد لها مبالغ كبيرة، فضلاً عن قيام الدولة بتكريم المتفوقين من حملة الماجستير والدكتوراه، وهو ما يدفعهم لتحقيق مزيد من الإبداع الفكري والعلمي، بالإضافة إلى وجود فعاليات ثقافية عديدة، من أبرزها مسابقة شاعر المليون التي استحوذت على اهتمام الكثير من المثقفين والأفراد العاديين، وبرغم كل هذه الجهود لا يزال المواطن الإماراتي عازفاً عن المشاركة في الحياة الثقافية بالشكل الذي نرجوه، ولذا يجب بذل مزيد من الجهود لتشجيع المواطنين على المشاركة بشكل أكثر فاعلية في الأحداث والأنشطة الثقافية الكثيرة والمتميزة، التي تتم على أرض الإمارات''· حضور ثقافي فاعل في السياق نفسه تقول الفنانة التشكيلية سوسن خميس: ''يوجد الآن حضور كبير للثقافة في المجتمع الإماراتي، والحركة الفنية التشكيلية، بوصفها عنصراً رئيسياً في المنظومة الثقافية، تشهد تطوراً ملحوظاً، حيث كانت تعتمد في السابق على المعارض فقط، ولكن أصبحت هناك ورش، وندوات، ومعارض داخلية وخارجية على مدار العام، بالإضافة الى بروز ظاهرة اقتناء الأعمال الفنية، وهذا بدوره يسهم في الارتقاء بالمستوى الثقافي لأفراد المجتمع، وتضيف: ''نحن كبلد عمراني نتطور بشكل سريع، وحققنا تقدماً اقتصادياً وعمرانياً هائلاً بالنسبة لكثير من البلدان، والحركة الفنية بدأت فعلاً في التطور، وهناك فجوة بين الحركة الثقافية وحركة التقدم العمراني، ولكن هذا يرجع للتطور الاقتصادي الهائل الحادث في الإمارات، وليس لوجود قصور في أي منحى من مناحي الحياة الثقافية، فالثقافة تعني الروح والرقي، ويمكن بفضل التقدم الاقتصادي الحاصل أن يتوفر الدعم للثقافة وتفعيل الحياة الثقافية، وهو ما نلمسه بوضوح في ازدياد الوعي الثقافي لدى الأفراد، نتيجة الحراك الثقافي الفعال الذي يشهده المجتمع، والمتمثل في هذا الكم من المهرجانات والمعارض التي تقام في مختلف ربوع الدولة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©