الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليونان... الديون وشبح الإفلاس

14 فبراير 2012
منذ قرابة عامين والحكومة اليونانية ومسؤولو الاتحاد الأوروبي يعقدون الاجتماع تلو الاجتماع من أجل التوصل لحل بشأن كيفية إنقاذ الاقتصاد اليوناني في وقت يتقاطر فيه المحتجون على شوارع أثينا غاضبين من زيادة التدابير التقشفية. وفي الأثناء، تلوح إمكانية إعلان الإفلاس في الأفق. فاليونان لديها دين سيادي مرتفع جداً، ففي 2011 كانت الدولة مدينة بنحو 350 مليار يورو (461?6 مليار دولار)، أي ما يعادل 160 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي، وهو أعلى معدل في أوروبا. كما أنها فقدت ثقة المستثمرين الخواص لدرجة أنها لم تعد تستطيع الاقتراض من أجل الوفاء بالتزاماتها المالية. وعندما انضمت اليونان إلى منطقة "اليورو" في 2001، لم تكشف أثينا عن المستوى الحقيقي لحجم اقتراضها العام من أجل استيفاء شروط وقوانين الانضمام. الأمر الذي أتاح لها إمكانية الاستفادة من الرأسمال الرخيص، لأن اليورو قدم لها معدلات فائدة أدنى من العملة الوطنية السابقة "الدراخمة". فتدفقت الأموال على البلاد، وارتفعت الأجور بشكل مهم، ولاسيما في القطاع العام، رغم أن التهرب الضريبي والفساد كانا متفشيين في البلاد. وفي 2009، قام رئيس الوزراء المنتخَب حديثاً آنذاك "جورج باباندريو" بمراجعة أرقام عجز الميزانية، ملمحاً إلى أن رؤساء الوزراء السابقين قاموا "بالتلاعب في السجلات المالية". ثم أخذ تصنيف اليونان الائتماني يتراجع. وفي العام نفسه، قدَّرت الحكومة اليونانية حجم السوق السوداء - الاقتصاد غير المهيكل غير الخاضع للضرائب- بحوالي 30 في المئة من الاقتصاد المعلَن. وفي 2010، خُفض تصنيف اليونان إلى مرتبة الحضيض، وارتفعت معدلات الفائدة على السندات اليونانية إلى مستوى جعل من الاقتراض أمراً لا يمكن تحمله، ما اضطر اليونان إلى طلب مساعدة دولية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. فقيل لها إن عليها أن تخضع لعمليات تقليص قاسية للميزانية وتدابير تقشفية صارمة - وصفة يقول بعض المنتقدين إنها غدت جزءاً من المشكلة. وفي هذا السياق، يقول "سايمون تيلفورد"، كبير الخبراء الاقتصاديين بمركز الإصلاح الأوروبي الذي يوجد مقره في لندن: "إن اليونان تحاول تقليص اقتراضها العام بشكل كبير في غياب أي شيء يرافق هذه التدابير من أجل التخفيف من أثرها، من قبيل (خفض قيمة) العملة مثلاً"، مضيفاً "ولذلك، فإن خفض الإنفاق يؤدي إلى هزم الذات نظراً لأن الاقتصاد ينكمش بوتيرة أسرع من قدرتهم على تنفيذ الخفض". ولكن، هل يمكن أن تفلس اليونان؟ من بعض النواحي، يمكن القول إنها أفلست منذ بعض الوقت، حيث يقول تيلفورد: "وفق كل السيناريوهات المعقولة، لا تستطيع اليونان خدمة دينها العام، إضافة إلى دينها الخاص"، مضيفاً "وبالتالي، يمكن القول: أجل، إن اليونان مفلسة". ومنذ أشهر والحكومة اليونانية تتفاوض مع مقرضيها الخواص حول حجم "قَصة شَعر"، وهو تنازل عن الدين يطالب به الاتحاد الأوروبي، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي قبل أن يمنحوا أثينا مزيداً من المساعدة المالية. وترقى إعادة هيكلة للدين اليوناني -الصفقة التي يتم التفاوض بشأنها في الوقت الراهن تتوقع إلغاء لحوالي 70 في المئة- إلى ما يوصف بإعلان إفلاس منظم. ولكن الصفقة لم تكتمل بعد بسبب معارضة بعض البنوك الخاصة وصناديق التحوط. وفي العشرين من مارس المقبل، يتعين على اليونان دفع 14?5 مليار يورو (19?1 مليار دولار). وفي حال لم تحصل على أموال جديدة حتى ذلك الوقت، فسيتعين عليها إعلان الإفلاس -أو إعلان إفلاس "فوضوي". وهو شيء لم يفكر مؤسسو منطقة اليورو في إمكانية حدوثه، ذلك أن الاتفاقيات التي تنظم الوحدة النقدية لا تشتمل على بنود تتعلق بمثل هذا الأمر، أو بانسحاب أحد الأعضاء، أو إرغامه على الخروج من الوحدة النقدية. والواقع أن الإرادة السياسية للحفاظ على مشروع منطقة اليورو سليماً والمخاوف من انتقال العدوى -فرار المستثمرين من بلدان أخرى أعضاء في منطقة اليورو قد تعتبر ضعيفة وهشة مثل إسبانيا وإيطاليا- جعلت منذ وقت طويل من عجز اليونان عن تسديد ديونها موضوعاً ممقوتاً في العواصم الأوروبية. وبعد مفاوضات مطولة، تم الاتفاق على حزمة إنقاذ مالي أولى تبلغ 110 مليارات يورو (145 مليار دولار) من القروض بين الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي في 2010، مربوطة بمطالب بإصلاح القطاع العام اليوناني واقتطاعات في الميزانية. وبعد أن أدرك الجميع أن ثمة حاجة إلى مزيد من الأموال، تمت الموافقة على حزمة إنقاذ مالي ثانية في 2011، ولكن الدفع لن يبدأ إلا عندما تطبق اليونان مزيداً من التدابير التقشفية. والجدير بالذكر هنا أن البنك المركزي الأوروبي اشترى ما قيمته 50 مليار يورو (66 مليار دولار) من السندات الحكومية اليونانية حتى الآن، ولكنه يرفض أن يكون جزءاً من صفقة "قَصة الشَّعر" التي تم التفاوض حولها مع المستثمرين الخواص. والحال أن عملية شطب واسعة للديون، تشمل البنك المركزي الأوروبي، هي الوحيدة التي يمكن أن تمنح اليونان جرعة أكسجين التي تحتاجها من أجل استعادة عافيتها، حسب توماس كلو، الباحث بالمجلس الأوروبي للشؤون الخارجية في باريس، الذي يقول: "إن حزمة الإنقاذ المالي الثانية لن تكون آخر تدخل دولي في اليونان". مايكل شتيننجر - برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©