الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التحصين... ضمانة قانونية لمراقبة الأميركيين

التحصين... ضمانة قانونية لمراقبة الأميركيين
11 نوفمبر 2007 01:40
في وقت سابق من هذا الشهر وافقت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ومعها البيت الأبيض على السماح للجهاز التنفيذي برصد الاتصالات الإلكترونية للمواطنين الأميركيين· ووافقوا أيضاً على ''تحصين'' شركات الهواتف الأميركية من الدعاوى القضائية التي تتهم بعضها بالتعاون مع الحكومة لانتهاك الدستور والقوانين الفدرالية القائمة· وشخصياً أُعتبر مدعياً في إحدى تلك القضايا وآمل أن يفكر الكونجرس مليّاً قبل أن ينكر عليَ حقي، وحق الملايين من الأميركيين، للمثول أمام المحكمة والإدلاء بشهاداتنا· على امتداد الفترة التي عشتها لمست تغييراً كاسحاً في الطريقة التي ينظر بها الأميركيون الناشطون سياسياً إلى علاقاتهم مع الحكومة· في عشرينيات القرن الماضي، وخلال فترة شبابي، مازلت أذكر الملاحقة الحكومية لأكثر من عشرة آلاف شخص تم القبض عليهم لأنهم كانوا أعضاء في اتحادات عمالية، أو كانوا ينتمون إلى جماعات تدعو إلى تغيير السياسة الداخلية والخارجية لأميركا· وبالطبع أطلقت الحكومة العنان لمراقبة المواطنين وتتبع حركاتهم وتعميق التحقيقات التي قادت بدورها إلى الاعتقالات الواسعة التي شهدتها أميركا في تلك المرحلة من تاريخها· واستطاع مكتب التحقيقات، الذي سبق مكتب التحقيقات الفدرالي الحالي، استحداث قاعدة بيانات حول أنشطة الأشخاص، وهي الممارسة التي استمرت لاحقاً· في الخمسينيات التي شهدت مرحلة ''الماكرثية'' البغيضة استخدمت الآراء الشخصية للمواطنين ومواقفهم السياسية ذريعة لتشديد الحكومة مراقبتها على المواطنين، وفي هذا الإطار أيضاً أجبرت الحكومة الشركاتِ الخاصةَ وقطاعاتٍ صناعيةً عديدةً على التبليغ عن الأشخاص المشتبه بهم والحؤول دون حصولهم على وظائف، وكنت شخصياً من بين الذين وضعت أسماؤهم في اللائحة السوداء بسبب معتقداتي السياسية، حيث كان ذنبي الوحيد التوقيع على ملتمسات تعارض السياسات التي اعتمدتها الحكومة وقتها، والمطالبة بمراقبة الإيجار، فضلاً عن دفاعي عن السياسات السلمية في العالم· ونظراً لاعتقادهم أن أفكاري السياسية تحركها معتقدات شيوعية لم أعد قادراً على العمل في التلفزيون، أو الإذاعة لأني رفضت التصريح بأني خدعت عند توقيعي تلك الملتمسات· استمرت الحكومة في مراقبتها للمواطنين حتى فترة الستينيات وما تخللها من حركة مدنية قوية تناهض انعدام المساواة وتناقش حرب فيتنام تحركها الجماعات المطالبة بالعدالة الاجتماعية، فردت الحكومة على ذلك بالمزيد من المراقبة، إذ قام مكتب التحقيقات الفدرالي، باسم الحفاظ على الأمن القومي، بالتنصت على المكالمات الهاتفية للأميركيين حتى بدون الحصول على إذن قضائي، مستهدفاً على الخصوص النشطاء السياسيين والصحفيين، بل حتى موظفين سابقين في البيت الأبيض وأعضاء من الكونجرس الأميركي· لكن الأمور تغيرت في العام 1975 عندما كشفت جلسات الاستماع التي نظمها السيناتور ''فرانك تشورش'' من ولاية ''أيداهو'' حجم التدخل الحكومي لجهة مراقبة المواطنين والمنظمات القانونية؛ وما إن أدرك الأميركيون الضرر الذي تلحقه تلك الممارسات بالبناء الديمقراطي الأميركي حتى تم التوصل إلى توافق على ضرورة الحد من تلك المراقبة وإخضاعها لضوابط صارمة· وفي هذا السياق مرر الكونجرس الأميركي عام ،1978 وبدعم شعبي واسع، قانون مراقبة الاستخبارات الخارجية الذي وضع تحقيقات الأمن الوطني، بما فيها التنصت على المكالمات، تحت نظام تشرف عليه محكمة خاصة· ومع أن القانون انطوى على ثغرات عديدة، إلا أنه بفضل المصادقة عليه، بالإضافة إلى العديد من القوانين الفدرالية اللاحقة، تمكن جيل كامل من الأميركيين من الاطمئنان على حرياتهم المدنية التي يضمنها نظام قانوني وعقد اجتماعي يحد من قدرة الحكومة على مراقبتهم، أو رصد اتصالاتهم الإلكترونية· لكن إدارة بوش أطاحت بالنظام القانوني والعقد الاجتماعي اللذين توافق عليهما الأميركيون، والأكثر من ذلك اقترح البيت الأبيض ولجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، بعد كشف برامجهم السرية للمراقبة، مشروع قانون يضفي الشرعية على التنصت بدون إذن قضائي؛ والواقع أن التشريع يتعارض مباشرة مع التعديل الرابع من الدستور الأميركي الذي يفرض على الحكومة الحصول على إذن قضائي مسبق قبل الاطلاع على البريد الإلكتروني للمواطنين، أو التنصت على مكالماتهم التليفونية، كما يفرض عليها تحديد الهدف من المراقبة وما تتوقعه منها· ولمفاقمة هذه الأخطاء ينوي الكونجرس الأميركي منح ''بطاقة الخروج من السجن'' تعفي شركات الهواتف التي انتهكت حقوق المنخرطين من تحمل مسؤولياتها القانونية· ومع أن البعض في الكونجرس يجادل بأن عملية انتهاك القانون تلك يمكن التغاضي عنها، لأنها جاءت لمساعدة حكومة في وقت أزمة، إلا أنه يتعذر عليه معرفة الدوافع الحقيقية لتلك الشركات، أو معرفة كيف ستستخدم الحكومة المعلومات الخاصة التي حصلت عليها من الشركات· ليس ذلك لأن شركات الاتصالات لم تكن على علم بعدم قانونية مراقبتها، بل كانت تعرف ذلك حسب ما أفاد به القاضي ''فون ووكر'' الذي أكد أن ''الممارسات ذاتها ثبت عدم قانونيتها في السابق''· لقد قضيت وقتاً طويلاً أراقب الحياة الأميركية وأكتب عنها، والحقيقة أنه ما عاد هناك شيء يدهشني؛ لكن عندما تكشف الحقائق وتعطى الفرصة للفعل، غالباً ما يتحرك المجتمع السياسي ويقوم بتصويب الوضع· وبعرض الحقائق على منبر عام سيكون أمام الشعب الأميركي فرصة الاضطلاع بدوره التاريخي، بوضع أمتنا مجدداً على طريق الحرية، وهو ما يجعل الوقوف أمام المحكمة وعرض القضية أمراً بالغ الأهمية· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©