الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لماذا تمرَّد فؤاد زكريا على الفلسفة الوجودية ؟

لماذا تمرَّد فؤاد زكريا على الفلسفة الوجودية ؟
10 نوفمبر 2007 02:56
في شهر ديسمبر القادم، يتم المفكِّر المصري فؤاد زكريا الثمانين من عمره، وهو الذي أثرى الدراسات الفلسفية العربية من خلال أعماله العديدة والمتميزة، وترأس قسم الفلسفة بجامعتي عين شمس والكويت، وساهم في تأسيس سلسلة ''عالم المعرفة''، ويتولى منصب مستشار هيئة التحرير فيها منذ صدور عددها الأول مطلع عام ،1978 وقبل ذلك ترأس في مصر تحرير مجلتي ''الفكر المعاصر'' و''تراث الإنسانية'' في الستينيات من القرن الماضي· ولد فؤاد زكريا بمدينة بورسعيد في عام ،1927 وانعكس طابع تلك المدينة عليه؛ فهي تقع على شاطئ قناة السويس، وكان بها الحي الإفرنجي الذي يقطنه الأوروبيون العاملون في شركة قناة السويس والمتعاملون معها، والحي العربي الذي سكنه ''أبناء العرب'' أي المواطنون المصريون، ومن هذه النشأة أدرك فؤاد أهمية العنصرين معا في ثقافتنا وتفكيرنا· تخرج زكريا في قسم الفلسفة بجامعة القاهرة عام ،1949 وفي 1952 نال الماجستير، وبعدها بأربع سنوات حصل على درجة الدكتوراة، وهو تلميذ للدكتور عبدالرحمن بدوي، والذي انتقل معه إلى جامعة عين شمس عند تأسيسها عام ،1950 لكن زكريا كان تلميذاً متفرداً، فقد طبع بدوي تلاميذه بطابعه، فهو مؤسِّس الوجودية العربية وأول من أدخلها إلى الجامعة منتصف الثلاثينات، وصارت الوجودية موضوعاً لدراسات تلاميذ بدوي أو منهجاً اعتنقوه والنماذج في ذلك كثيرة، مثل: الدكتور عبد الغفار مكاوي، والدكتور محمود رجب، ومن قبل هناك الدكتور زكريا إبراهيم والأستاذ أنيس منصور· لكن فؤاد زكريا ابتعد عن الوجودية دراسة ومذهباً، وحكى هو أن ذلك وضعه في حرج وأزمة مع أستاذه إلى حد أنه عطَّل مناقشة رسالته للدكتوراة بعض الوقت، ومن يراجع كتاب فؤاد عن الفيلسوف الألماني ''نيتشه'' يكتشف مدى تميزه عن أستاذه، الذي كان قد وضع كتاباً عن نيتشه، صدر عام ،1939 فقد كان عبد الرحمن بدوي مفتوناً تماماً بشخصية نيتشه وبأفكاره عن السوبرمان وفلسفته عموماً، ونجد الدكتور فؤاد يتخذ موقفاً نقدياً حاداً من نيتشه، فقد اعتبر فلسفته وأفكاره هي البذور الأولى لفكرة تفوق العنصر الآري وظهور النازية، وتعامل زكريا مع نيتشه باعتباره فيلسوفاً ظهر في لحظة فكرية وثقافية معينة في ألمانيا وتمرد عليه· وإذا كانت الوجودية تهتم في المقام الأول بالوجود كله والوجود الإنساني خاصة فإن فؤاد زكريا اهتم بالمعرفة الإنسانية، ومعرفة الكون، وفهم الطبيعة، وعبَّر عن ذلك في كتابه المهم ''نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان''· انحصر نشاط زكريا بين التأليف والترجمة؛ فقد وضع كتابا عن ''اسبينوزا''، وآخر بعنوان ''الإنسان والحضارة''، وغيرهما من المؤلفات، وفي مجال الترجمة نقل إلى العربية نص كتاب ''جمهورية'' لأفلاطون مع مقدمة مستفيضة ووافية لها، وطبعت بعض دور النشر مقدمة الترجمة كعمل منفصل، وترجم كتاب ''الفن والمجتمع عبر التاريخ'' في مجلدين، وكتاب ''حكمة الغرب'' لبرتراند رسل· نقل فؤاد زكريا الفكر الفلسفي من مدرَّجات الجامعة إلى الشارع، ورأى أن الأكاديمي عليه أن يلعب دوراً مؤثراً في الثقافة العامة وتشكيل الوعي العام، من هنا كان يبسِّط القضايا الفلسفية، ويُعمِل الفكر العقلاني في الواقع، وبدا ذلك واضحاً في مقالاته بمجلة ''الفكر المعاصر'' التي أسسها الدكتور زكي نجيب محمود من خلال مقالاته ودراساته بها عمد إلى إشاعة الروح العقلانية والتفكير العلمي، فكان يأخذ القضايا البسيطة التي تبدو كمسلمات لرجل الشارع وللمثقَّف العادي ويحاول الوصول إلى جذورها وكشف ما فيها من وهمٍ أو خرافة في بعض الحالات· قادته الروح العقلانية تلك إلى معارك ثقافية وسياسية عديدة مع اليسار ومع اليمين، فقد كتب عدة مقالات في مجلة ''روز اليوسف'' منتصف السبعينيات من القرن الماضي يعيد فيها تقييم سنوات حكم الرئيس عبد الناصر وثورة يوليو من منطلق حرية الرأي والتعبير والحريات العامة عموماً، وانتهى إلى إصدار حكم سلبي على تلك الفترة، وانطلق عدد كبير من كتّاب اليسار للرَّد عليه، وجُمعت تلك المقالات في كتاب كامل حمل عنوان ''فؤاد زكريا واليسار المصري''· وفي نقاش معه حول هذه القضية، أبدى حيرته من أن الرئيس عبد الناصر لم يسمح بالحرية السياسية، رغم أنه لو سمح بانتخاب ''رئيس الجمهورية'' وليس بالاستفتاء، فإنه كان سيفوز حتماً في أي منافسة، إذ نال شعبية طاغية منذ تأميم ''قناة السويس'' و''العدوان الثلاثي'' عام ·1956 هذا الموقف الفكري نفسه هو الذي دعاه إلى أن يرد على كتاب محمد حسنين هيكل ''خريف الغضب'' بكتاب مواز له عنوانه ''كم عمر الغضب؟'' والذي ذهب فيه إلى أن فكرة الاستبداد والانفراد بالقرار لم تظهر مع السادات، لكنها كانت موجودة من قبل، تحديداً منذ عام ·1952 وبقدر أشد اختلف فؤاد زكريا مع جماعات الإسلام السياسي وأصدر أكثر من كتاب في تفنيد أفكارها، سواء منها ما يتعلق بالموقف من المرأة أو الدولة الدينية والمدنية وفكرة الديمقراطية وحرية التعبير· يمكن القول: إن كتابه ''التفكير العلمي'' الذي انتهى منه في مارس عام ،1977 وصدر في العام التالي ضمن سلسلة ''عالم المعرفة'' بالكويت، هو آخر كتاب فكري وفلسفي متخصِّص صدر له، لا نعرف له بعد ذلك سوى دراسة قصيرة عن ''الجذور الفلسفية للبنيوية''· ولكن كتاباته كلها كانت في القضايا العامة، فحينما رأى أن الرئيس السادات اتجه بالكامل إلى الولايات المتحدة الأمريكية أصدر كتابه ''العرب والنموذج الأميركي'' الذي حلل فيه نشأة ونهضة المجتمع والقوة الأمريكية، وأثبت أن هناك ظرفاً تاريخياً خاصاً أحاط بها، ولا يتوفر مثل هذا الظرف للعالم العربي الآن، ومن ثم فإن التقليد الكامل للنموذج الأميركي لن يؤدي إلى نتائج ايجابية في واقعنا العربي· وعبر دراساته ومقالاته أثبت زيف بعض القضايا التي شغلت المثقفين لسنوات مثل قضية الأصالة والمعاصرة وما بينهما من صراع أو توافق، وذهب إلى أن جوهر الأصالة يكاد يكون جوهر المعاصرة، ولا تضارب بينهما فنحن في الأصالة نبحث عما هو عميق في ثقافتنا ويدفعنا إلى التقدم والنهوض وهو نفس ما نبحث عنه في المعاصرة· ودلَّل على ذلك بأن أشد دعاة المعاصرة كانوا الأكثر اطلاعاً على التراث العربي والإسلامي، وكانوا الأشد إلماماً به مثل الدكتور طه حسين، والدكتور حسين فوزي، والأستاذ يحيى حقي، وغيرهم· ولم ينعزل فؤاد زكريا عن الواقع العام، وحاول أن يجعل من دراسته للفلسفة وتفلسفه دافعاً للرُّقي الفكري العام، وكان هدفه ومازال هو إشاعة التفكير العلمي في المجتمع ومناحي حياتنا عموما· الدكتور فؤاد زكريا مفكِّر جسور، أعلن رأيه دائماً واصطدم باليسار واليمين، وانتقد عبد الناصر والناصريين، وهاجم السادات وفريقه، واختلف مع فصيل من القوميين العرب أيام احتلال الكويت، فقد أدان غزو صدام للكويت من اللحظة الأولى، ودخل حرباً ضارية مع الإسلاميين، ولم يخش أي تهديد أو تشهير وربما يكون ذلك سبب تجاهله في السنوات الأخيرة من كل الأطراف، حتى أنه يقترب من الثمانين ولم تهتم أي جهة للاحتفاء به؛ لا الجامعة التي عمل بها، ولا ''لجنة الفلسفة'' بالمجلس الأعلى المصري للثقافة وهو الذي كان مقرِّرها لفترة طويلة، ولا ''وزارة الثقافة'' التي ترأس تحرير مجلتين بها·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©