الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رجل من الزمن الجميل

رجل من الزمن الجميل
10 نوفمبر 2007 01:55
برائحة النخيل المشبعة بالجمال المخضل، وبطعم لذة الرطب والتمر وباشتهاء الماضي وبلون القدماء، رجال الهمة والعزيمة والصبر، على هيئة الصحراء ولهجة الأولين التي اندثرت إلا ما ندر عند أولئك الذين يحفظونها في القلوب، فلا ينتمون إلى لهجة لا تمت لهم من شيء، لسانهم نابع من رمال الصحراء وجبال العين، ''الهملة'' و''النقفة'' كأن الصخور تتحدث حين يتحدث راشد بن مبارك والملقب بـ''البعير'' حيث يرمز على هيئة أهل العين الأولين، الى حية طليقة، ووجه أسمر صلد، فلا زال يصر بأن للرجل كلمة مطلقة في البيت بينما حوله الزمن إلى موقف نابع من الرفض، ليبتكر لنفسه مجالاً أرحب، يرتشف القهوة وينزح بقاياها على الجدار المغلف بالديكور، فلا يضيره شيء!! يسرد راشد بن مبارك عن الأيام الخوالي حين كانت منطقة النخيل مسرحاً يؤمه أهل العين، ثمرها ذهب وماؤها عذب منبع فلج ''الصاروج'' ولتلك الحقبة رموز كانت لهم كنف وبيوت وقت القيظ، يسردون منها ذكريات باتت حكايات للأطفال الذين يبحثون دائماً عن ذكريات الدفء! يشعر راشد بن مبارك بأنه كالصقر حر طليق لا يود من يطبق عليه الخناق، ويشير إلى قلبه قائلاً هذا لا يمكن أن يجنح إلى آخر، ويستند إلى عصاه، ويرفض الاتكاء على المساعد من الخدم، يبدو في عرفه تقليلاً من هيبة الرجل!! وما يوحي عن تلك الحقبة بأن الزمن محض للصدف وثير الحقائق فلا مجال للمساومة على مصدر الرزق، فالدابة من البقر والجمال يخشى عليها كما يخشى على الأولاد! ولا مجال للأمن والأمان، فالصحراء تلفظ الرجال الأشداء ممن يبحث عن رزق من فتات الأرض، والأطفال وهم في مدار اللهو تتخطفهم ربما الأيادي الآثمة، فمنهم لا يعود أبد الدهر ومنهم من يتلمس عشه الأول بعد ضياع سنوات العمر الجميلة يوفدون على هيئة كبار من الدول المجاورة يبحثون عن الأهل والخلان!! ثمة حياة تفتقد الاتزان كما يوحي راشد قائلاً: أذا ما تراكم الدين على المرء أصبح تحت وطأة العمل بلا أجر!! أو ربما رهن أولاده حتى يسدد الديون المتراكمة! فمن القصص الطريفة التي سردها: بأن رجلاً باع بقرته إلى آخر فلم يسدد قيمتها لشهور فما كان من الأول إلا أن خطفها منه ليلاً !! ومن سمات المجتمع آنذاك كما صوره راشد يطغى عليه الخوف والانتظار والصبر والهيمنة من قبل القوي على الضعيف، ولكن عوامل تحدث وقت الفقر والزمن القائم على الفطرة ! ويحسب لأهل الإمارات بأنهم على صلة بالماضي ولا مكان للنكران أو التصنع، بل إن التراث يتوهج في عقول الصغار والكبار، وتكمن دلالات التقدم بأنها لم تنسلخ عن الماضي إلا أن هناك لهجات باتت تسود في المجتمع الإماراتي فكم من دعوة للمؤسسات الثقافية من أجل إعادة التوازن للهجة المحلية قبل اندثارها!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©