الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

شريط الذاكرة البشري

شريط الذاكرة البشري
9 نوفمبر 2007 02:18
ليس هناك حل آخر للتعامل مع الذاكرة البشرية، وتفهم مستواها التقني بأزمنته المختلفة، وطريقة استرجاعها للماضي، بل وربطها بين الواقع والمُتَخَيَّل، سوى تشبيهها بالسينما· فالسينما أداة متطابقة مع الطبع الاجتماعي لتنظيم الأفراد، ومن ناحية أخرى لتمردهم، ولن يكون هناك فرق بين السينما والواقع، حيث نفس التقسيمات المنوطة بإدارة العلاقة بين سُلطة الحُكم، وسُلطة الشعب، وسيدل ذلك على كيف يتكون الترتيب المهني للذاكرة، رغم عشوائية عملها، وكيف هي مرتبطة مباشرة بعمل الجسد، وكيف أنها تعاني حينما يعاني الجسد من عدم القدرة على تجاوز قدراته، حال رغبته في عمل ما لا يمكن تحقيقه· لكن سِحر الذاكرة رغم ذلك، سيبقى سِحراً لا منازع له، إنه السينما الذاتية للعقل البشري، رغم استطاعة السينما الوصول إلى تحقيق التصورات المتخيلة لغزو المسافة الزمنية والمكانية لما هو خارج طاقتنا عملياً، إذ ليس علينا سوى القول بأن الذاكرة هي التي تغذي السينما، فمثلاً منذ محاولة الإنسان الطيران، بدءاً من تركيب أجنحة له، حتى الوصول للمكوك الفضائي، يعكس فكرة الشريط السينمائي، تتالياً لإظهار صورة فحركة فتطور أحداث· وفي المقابل فإن الشريط السينمائي، ورغم تراكم عمله وخبراته منذ مائة عام، لا يمكنه مجابهة شريط الذاكرة الوجودي للإنسان، ليس فقط لأن التجربة البشرية أقدم وأشمل، وأن عقلها مرتبط بفاعلية الحياة، بينما السينما مرتبطة بما يتم حشوها به، بل لأن الذاكرة قادرة على ''الإنجاب الانحرافي''، أي غير المتوقع، وغير القانوني أيضاً· فلو أفصح أحدنا عن إحدى رغباته المكنونة، والمخالفة للنظم المعمول بها، سواء قبل تنفيذها، أو فقط لمناقشتها، لتَم اعتقاله بمنظومة قيم عقابية شائكة، تبدأ بالتعزير، وتنتهي بالإعدام· لذلك فالذاكرة هي الملجأ الآمن لعمل الفِكر، على عكس السينما، فالذاكرة صُوَرية استدلالية، والسينما صورية إخبارية· والسؤال هنا، أين كانت الصورة قبل تحققها فوتوغرافياً، فسينمائياً؟، وقبل كونها رسماً تطور منذ رسوم الكهوف، وحتى اللوحة؟، إنه سؤال يشير لطريقة عمل المنفذ البصري للإنسان، من العين إلى المخ، والحاجة إلى إنشاء أدلة واقعية للتعامل مع آثاره أثناء البحث عن معنى الحياة، من خلال العيش فيها، حيث الحاجة إلى التوثيق، وتعريف الموجودات بوضع لغة استرجاعية للاتصال بها· إذا استثنينا أي تحديد بيولوجي في المخ، مسؤول عنها بشكل ما، هل للذاكرة مكان في العقل والجسم؟، أليست عبارة عن تقابل عَرضي وليس تراتبي لجميع الحواس، ألا تعمل ضد التوليف ''المونتاج''، كما في السينما، فالتوليف يلخص الزمن لأنه لا يمكن قول كل شيء وأي شيء، ·· لا وجود في الذاكرة للمعنى السينمائي للمونتاج، فهي غير محصورة بوقت لعرض من الساعة كذا إلى الساعة كذا، ووظيفتها ليست جمالية أو توثيقية أو غير ذلك، بقدر ما هي عمل العالم والوجود كله· محمد المزروعي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©