الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أورهان باموك يحاضر في جامعة جورج تاون عن العولمة الأدبية للعالم

أورهان باموك يحاضر في جامعة جورج تاون عن العولمة الأدبية للعالم
9 نوفمبر 2007 02:18
ألقى الروائي التركي أورهان باموك الحائز على نوبل للآداب في العام ،2006 خطاباً في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بجامعة جورج تاون، ولم يكن خطابه خطاباً مما تعوّد الجمهور في واشنطن على سماعه· جاء باموك إلى واشنطن لتسلُّم شهادة تقديرية بمناسبة الذكرى الرابعة والثمانين لولادة جمهورية تركيا، ولكنه لم ينبس ببنت شفة عن تعامل بلده مع الأرمن والأكراد، وهي القضية التي سبق وأدّت إلى إلقاء القبض عليه في العام 2005 بعد أن وُجّهت إليه تهمة المسّ بالهوية التركية، وقد أُسقطت هذه التهمة عنه مؤخراً· كما أنه لم يتطرق إلى الحرب في العراق، مع أنه كان قد صرّح في نيويورك في العام الماضي أن ''جرائم الاستبداد القاسية لمائة ألف إنسان تقريباً لم تأت لا بالسلام ولا بالديمقراطية'' إلى ذلك البلد، بل ''أشعلت الغضب ضد الغرب''· التخيٌّل وبدلاً من ذلك، تحدَّث باموك عن ''العولمة الأدبية للعالم''، وطرح موجزاً عالج فيه الخيال لدى الروائي، وطريقته في التخيّل، عندما يستحضر ''الآخر، والغريب، والعدو الذين نجد أصداءهم داخل رؤوسنا''· وقال عن هذه الطريقة: إنها يمكن أن تكون قوى تحررية· بعد المحاضرة، منحت جامعة جورج تاون الروائي باموك شهادة الدكتوراه في الأدب في احتفال رسمي كامل· في الحقيقة، كان باموك قد تحدث في جامعة جورج تاون في العام ،2002 وفي تلك السنة برز الاهتمام بروايته ''إسمي أحمر''، التي صدرت في العام ،1999 وكانت تصوِّر صراع الشرق والغرب في القرن السادس عشر، وكيف تمّ تصويره فنياً· رافقت روايات باموك المبدعة ضجة كبيرة· فجرأة باموك في اتخاذ مواقف إنسانية جرّت عليه مشكلات كثيرة، وأبرزها موقفه من قضية إبادة الأرمن· فقد أعلن اعتذاره، ودافع عن الأرمن، وطالب تركيا بالاعتذار عن جريمتها العرقية بحق الأرمن إبان انهيار الإمبراطورية العثمانية مابين 1915 و·1917 قُدّم باموك إلى الجمهور بالإشارة إلى أن تركيا هي الجسر الذي يربط بين أوربا وآسيا، وإلى أن أعمال باموك تعالج المواجهة بين الشرق والغرب، بين التقليد والحداثة، بين العالم الأوربي والعالم الإسلامي· في هذا السياق، فإن آخر أعمال باموك، وهو الآن في الخامسة والخمسين، كتاب عنوانه ''ألوان أخرى''· يبدأ باموك الكتاب بوصف نفسه كناسك أدبي، يقول: ''عندما أفكر في الكاتب، أفكر في شخص يختلي في غرفة''، فيشرع في مدّ جسور بين الكلمات ليعبر عن نفسه، ''مثل بنّاء يبني الجسور بالأحجار''· تحدث باموك أيضاً عن البحث الذي قام به من أجل روايته ''الثلج'' في العام ،2002 التي ذهبت به خارج غرفته متوجهاً صوب فرانكفورت في ألمانيا، وإلى مدينة قارص التركية البعيدة التي يقطنها القارصيون· وهم أناس يسكنون المكانين، ويُعرفون بمحبة الثلج· فلكي يحصل على معرفة بهؤلاء الناس، طوّف باموك بين الأتراك في فرانكفورت، واستكشف أحوال أهل قارص هناك، وجال المدينة شارعاً شارعاً، ودكاناً دكاناً، متحدثاً إليهم، ومتعرفاً لأحوال العاطلين منهم الذين يقضون أوقاتهم في المقاهي بلا أمل في الحصول على عمل مطلقاً· كان باموك يروي القصة موضّحاً موضوعاً يتعلق بالسؤال الآتي: كيف يحوّل كاتب ما ''الآخر'' إلى شخص يمكن أن يتعرّفه القراء؟ وكيف يمكن للروائي أن يتخيل على نحو كامل هذا المخلوق الذي لا يشبهنا أبداً، الذي يثير أشدّ أنواع الكراهية والخوف والقلق لدينا؟ وهنا يأتي الجانب السياسي معلناً عن نفسه بجلاء، لأن استثارة ''الآخر'' هي، بحسب تحديد باموك، فعل سياسي متأصل· وخلافاً لما يفترضه أغلب الناس، رأى باموك أن ليس للروائي مدخل سياسي يعالج به المجتمعات، والأحزاب، والأقوام التي ينتمي إليها· فسياسة الروائي تنبع من الخيال، من قدرته على تخيّل نفسِه شخصاً آخر· وهذا ما يجعله المتحدث باسم أولئك الذين لا يستطيعون الكلام إلى أنفسهم، والذين لا يتحسس أحدٌ أبداً غضبَهم، وكلماتهم مقموعة دائماً· غرام الصحافة يرى باموك أن الصحافة أغرمت بقضية الشرق والغرب، ولكن حين نرى الايحاءات التي تنطوي عليها هذه القضية في صحافة الغرب، نميل إلى اتخاذ موقف يرى أن من الأفضل عدم الكلام عن إشكالية الشرق والغرب· لأن الفرضية الغالبة في أغلب الأوقات هي أن البلدان الفقيرة في الشرق يجب أن تراعي المواقف المتخذة من الغرب والولايات المتحدة· ربما من المفيد الإشارة إلى أن باموك نشأ وسط عائلة تركية موسرة لها ميول ثقافية نحو أوروبا، غير أن ذلك لا يعني أنه لم يستطع أن يفهم ويتفهّم التقليديين من مواطنيه· تحدث باموك أيضاً في محاضرة ''جامعة جورج تاون'' عن الدوافع التي حدت بتركيا في بواكير القرن العشرين إلى الاتجاه إلى أوروبا وإصلاح البلاد بالغربنة، وكانت معالجته رسالة موجهة للعديد من الجهات محتواها أن ثقافة البلاد كانت عاجزة· وقال ''حيثما يشعر الناس بالذلّ على نحو عميق، يمكن أن نتوقع رؤية نزعة قومية فخورة تطفو على السطح''· يعتقد باموك أن الرواية أملنا الأمثل لفهم فرادة تاريخ البشر الآخرين، ومن الواضح أننا لا نرجو تفهم هذه القضايا بعمق عن طريق قراءة الجرائد والمجلات ومشاهدة التلفزيون فقط· وإنه ليعوّل كثيراً على القرّاء الذين يتخذون مقاعد لهم في الزوايا محتضنين الرواية بشغف، ويعيشون الأجواء والأفكار والأحلام التي عاشها وخبرها الروائي في خبرته وحياته· يحاول هؤلاء القراء الآن أن يتخيلوا ''الآخر'' حين يضعون أنفسهم في مكانه، يحلمون أحلامه، ويعيشون حياته، ويتمثلون رؤاه، أي في تمكّنهم من وضع أنفسهم في موضع ''الآخر''· في ختام كلمته، قال باموك إنه يرى قرّاءة ''أمة كاملة ··· تتخيّل نفسَها في هذا الوجود''·
المصدر: واشنطن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©