الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مفاوضات الكويت بين الســـــلام والحــرب

مفاوضات الكويت بين الســـــلام والحــرب
16 ابريل 2016 20:17
محمد الغيثي * قبل الخوض في موضوع المفاوضات المزمع عقدها في دولة الكويت الشقيقة يوم غد الاثنين، يجب التطرق إلى الوضع السياسي اليمني قُبيل «عاصفة الحزم» المباركة، ليسهل على القارئ معرفة سبب خوض الحرب والسبب الذي أدى إلى قبول الخارجين على القانون بالمفاوضات المذكورة. الحرب لم يعد يخفى على أي متابع للأحداث في اليمن أن الأوضاع والخلافات وصلت إلى نتيجة واحدة تقول إن استخدام القوة العسكرية والكفاح المسلح هو خيار وحيد أمام الأطراف التي ترى أن السياسة والتاريخ والجغرافيا اليمنية عربية الهوية وإسلامية الانتماء. وهذا ما دفع بالناس هناك إلى تحديد مواقف واضحة عندما اجتاحت قوات المخلوع والحوثيين ومن والاهم من المحافظات اليمنية واحدة تلو الأخرى. لاحظنا حينها أن شرارة الكفاح المسلح قد انطلقت من محافظة «الضالع» إحدى المحافظات الجنوبية المحيطة بالعاصمة عدن التي دائماً ما يطلق عليها المخلوع صالح «مثلث الموت» والمعروفة بخلافها منذ عقود مع المخلوع وزبانيته ونظامه. هاجمت قوات المخلوع وميليشيات الحوثي المحافظات اليمنية، معلنين حربهم الظالمة، يصيحون بلغة القوة ورافعين شارات النصر وصور خامنئي إيران، معلنين انسلاخهم من هويتهم التي طالما كنا نظن أنها «عربية». تشجع الناس بعد أن انطلقت شرارة الكفاح من «الضالع» وامتدت إلى عدن تحت قيادة «المقاومة الجنوبية» دفاعاً عن الوطن والشرعية وفخامة الرئيس هادي، فقاتلهم الناس واستبسلوا في حربهم في المحافظات الجنوبية وكذلك في المحافظات الوسطى مثل البيضاء ومأرب والجوف وتعز. كل هذا الكفاح كان في ظل خذلان المخلوع وشركائه الذين هربوا تاركين ورائهم المخلوع والحوثيين يعبثون بالأرض والإنسان وكأنهم متنازلين عن الهوية العربية للشعب اليمني من أجل «مصالح سياسية» لا يجوز المقايضة بالكرامة والشرف والأرض والعرض والهوية من أجله . عاصفة الحزم جاءت عاصفة الحزم فثبّت الله أقدام الرجال الشرفاء بأن ساق لهم إخوانهم في الدين وشركاءهم في المصير الأشقاء العرب بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، فكان النصر حليف العرب عندما تغيرت موازين القوى على الأرض لمصلحة المقاومة الشعبية الجنوبية في المحافظات الجنوبية والمقاومة الشعبية في المناطق الوسطى فكان تحرير العاصمة عدن وتحرير العديد من المحافظات الأخرى بالإضافة إلى تدمير الترسانة العسكرية للانقلابيين وكذلك الدعم المساند للمقاومة على الأرض وبرامج الإغاثة الضخمة للشعب وكذلك توضيح الصورة الانقلابية الإيرانية البشعة الحقيقية للانقلابيين إعلامياً وفضحهم أمام العالم، كل هذه الأحداث كانت أسباب منطقية وحقيقية لخضوع الانقلابيين ومن والاهم لمفاوضات يتم من خلالها تطبيق قرار مجلس الأمن «2216». إعادة الأمل عشعش في نفوس هذا الشعب أمل جاءت به «عملية إعادة الأمل» فعرف الإنسان هناك أن تضحياته لن تذهب هدراً، وأن الأشقاء لن يكتفوا بمساعدته عسكرياً وإنسانياً بل سيدفعون بالحل السياسي الذي يجنب المنطقة ويلات الحروب وما كان لهذا الأمر أن يتم إلا بإذعان واضح المعالم من قبل المخلوع والحوثيين وهذا ما حصل عندما آمن الانقلابيين أن لا مفر من جبروت هذا الشعب العظيم ولا فكاك من تحالف العرب المهيب إلا بالجلوس على طاولة المفاوضات. جلس الانقلابيون في جنيف 1 وافشلوه ثم عادوا الكرة في جنيف 2 وأفشلوه ظناً منهم أن غصن الزيتون الذي يحمله الرئيس هادي وشعبه وقوات التحالف غصن «ضعف». حتى رأوا بأم أعينهم أن في اليد الأخرى بنادق الحرب التي تصنع السلام فكان منهم الاستسلام للمفاوضات التي طالما رفضوها وأنكروها لفترات طويلة من الزمن. ومع أن هؤلاء الانقلابيين قد جُبلوا على نقض العهود وعدم الالتزام بالمواثيق والاتفاقات وخرق القوانين ومخالفة الأعراف الدولية وحتى المحلية التي عرفها العرب وأكدها الإسلام كدين وسطي يرفض الإرهاب وإراقة الدماء وإهلاك الحرث والنسل إلا أن المفاوضات قد تكون طريق أقصر إلى السلام من طريق الحرب الذي لا مفر عنه أن فشلت المفاوضات لا سمح الله. المفاوضات إن مفاوضات السلام التي ستبدأ أول أعمالها يوم غد الاثنين، في الكويت جاءت من أجل إيقاف الحرب في اليمن تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 2216 والذي يُلزم الانقلابيين بإيقاف أعمالهم القتالية وعدم استخدام العنف وسحب ميليشياتهم من المحافظات اليمنية التي سيطروا عليها بقوة السلاح، مع الالتزام الكامل بتسليم أسلحتهم التي نهبوها من معسكرات الدولة بما في ذلك الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وإرجاعها إلى الدولة، وعدم تدخلهم في الشؤون التي تختص بها السلطات وإطلاق السجناء السياسيين بما في ذلك وزير الدفاع اللواء الركن محمود الصبيحي، بالإضافة إلى التزامهم الكامل بعدم استفزاز وتهديد أياً من دول الجوار الشقيقة. والعودة إلى الاتفاقات السابقة بين الأطراف اليمنية التي وقعوا عليها جميعاً وأهمها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وكذلك مخرجات الحوار الوطني وما يتعلق بهما من قرارات واتفاقات أخرى. ينظر اليمنيون إلى هذه الترتيبات السياسية للمفاوضات بعيون مملوءة بالفرح الغير مؤكد، آملين أن ترفع عنهم هذه المفاوضات متاعب الحرب وويلاتها من خلال الوصول إلى حلول منطقية دائمة ترضي الجميع لا حلول مرحلية تشبه عمليات التخدير التي سرعان ما يعقبها الألم. فمن غير المعقول أن يقضي الإنسان اليمني حياته في حراك وخلاف سياسي غير متوقف يمثل فيه دور الضحية نتيجة خلافات الأطراف اليمنية التي عادة ما تكون أسبابها «النفوذ الشخصية» أو «الحزبية» كما هو الحال منذ عقود عدة. فاليمن لم تشهد استقراراً قط، وهذا ما يجعل الباحث عن الحلول السياسية للأزمة اليمنية يختار طريق جديدة أو حلول جديدة تختلف عن سابقاتها وهذا – في الحقيقة – ما يتمناه ويراه الناس على الأرض. إذ أن تهميش بعض الأطراف قد يؤدي إلى خلافات جديدة وربما حرب جديدة وهذا ما حدث بالفعل منذ تاريخ إعلان الوحدة عام 1990م حيث مرت على اليمن نحو عشر حروب كان أهمها حربا صيف 1994م وحرب 2015م على الرغم من المفاوضات والاتفاقات والمعاهدات التي لا حصر لها، وقد زادت هذه الحروب من تعقيدات المشهد السياسي اليمني ناهيك عن عمليات الاغتيالات التي طالت المئات من أبناء الشعب. غير أن ما يجمع عليه اليمنيون في الوقت الحالي، هو أن قوات المخلوع وميليشيات الحوثي هي العدو اللدود والعدو المشترك الذي يجب أن يذعن ويستسلم بتسليم سلاحه وقوته إلى الدولة لأنه سن سنة لم تكن موجودة في أوساط هذا الشعب العربي وهي انتهاك الأعراض وتفجير المساجد والبيوت وقتل الأطفال واختطاف النساء وهتك حرمات لم يجرؤ أحد أن يمسها من قبل. لذلك فان أي نجاح مبدئي فيما يخص إيقاف الحرب يتوقف على مدى استجابة الانقلابيين والتزامهم بالقرارات الدولية والاتفاقات السابقة التزام كامل لا ينقصه ولا يشوبه أي أمر يستطيعون من خلاله العودة إلى المسرح السياسي حاملين بنادق الشر ورايات الظلم، وما دون ذلك فيبقى خلافاً سياسياً يمكن التفاهم عليه وحله. رغم أنني أرى أن عدم قدرة القوات والمقاومة في المحافظات الشمالية من تسجيل اختراق عسكري كبير نحو شمال الشمال سيأثر سلباً على التنازلات المنتظرة من طرف الانقلابيين. أما ما يختلف عليه اليمنيون فهو ما بعد استسلام الانقلابيين وتسليم سلاحهم، فالمفاوضات الحالية يمكنها حل مسألة نزع سلاح الانقلابيين وانسحابهم من المدن والمحافظات اليمنية لكنها لا تستطيع المضي قُدُما بعد ذلك لأن ممثليها وأطرافها حتى وأن كانوا محسوبين على الشرعية فهم لا يمثلون الأطراف المسيطرة واقعياً على الأرض. بالإضافة إلى أنهم يمثلون فقط حزبي المؤتمر المؤسس من قبل المخلوع وحزب الإصلاح الإخواني الحزب المنبثق من حزب المؤتمر والشريك الرسمي للمخلوع لعقود مضت والجميع يعلم أن الحروب والخلافات في اليمن يتسبب فيها قادة أو «ملاك» هذه الأحزاب ويدفع ثمنها المدنيين ثم سرعان ما تتفاوض قيادة الحزبين الشريكين فيتفقون على حساب الجميع، وهذا ما حدث في 2011م عندما ركب الإخوان موجة الثورة وتفاوضوا مع من ثاروا عليه ! وسرعان ما قبلوا بالشراكة معه، وما نراه اليوم هو تكرار لسيناريو حدث بعد 2011م حيث إن الأحزاب وعلى رأسها المؤتمر والإخوان يسعون الى ركوب موجة المفاوضات باسم الشعب اليمني وهذا ما قد يؤدي إلى نفس النتائج التي حصلت بعد تشكيلهم لحكومة وطنية في 2012م وهي «الحرب». لهذا لا بد من استبعاد فكرة مفاوضات تكون نتائجها إعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية بشراكة رسمية بين المخلوع والإخوان والشريك الجديد لهما «الحوثيين» أو ما أسميهم مجموعة الشركاء والفرقاء بنفس الوقت، مثل ما حدث في 2012م. بالإضافة إلى ذلك كله، لا أرى أنه من الصواب اختزال مسؤولية الأحداث كلها إلى المخلوع والحوثيين وحدهم بل يجب إشراك المنظومة التي أوصلت اليمن إلى ما هو عليه اليوم. وأعني بالمنظومة مجموعة المخلوع وشركائه بداية بحزب المؤتمر وحزب الإصلاح الإخواني وانتهاء بالاشتراكيين الجدد وميليشيات الحوثي وما يتبع هذه الأحزاب من مجموعات مسلحة وخلايا نائمة تحاول إرباك الوضع أمنيا في المناطق المحررة وعلى وجه الخصوص في العاصمة عدن. فلا يمكن أن تتنصل الأطراف السياسية المذكورة أعلاه أحزاب وشخصيات من مسؤوليتها التاريخية في تدمير البلاد والعباد. وما يثير القلق في هذا الموضوع هي التعيينات الأخيرة التي أرى أنها ستكون عبئا على مفاوضات السلام ومسار الحرب أكثر من أن تكون عاملا مساعدا، لأن المعينين بكل وضوح ينتمون إلى معسكر الإخوان وحزب المخلوع، وهم على رأس قائمة المتهمين بالفساد عندما تسأل عن أمراء الحرب والفساد في أوساط الشعب اليمني. ثم أن الذهاب للمفاوضات باسم الوحدة أمر لا يخدم السلام في اليمن لأن الوحدة اليمنية المهدومة بمعاول المخلوع والإخوان والحوثيين، أصبحت واقعاً غير موجود على الأرض. حيث إن أي تفاوض من أجل مستقبل اليمن يستثني الجنوبيين المسيطرين على المحافظات الجنوبية سيكون كارثة بمعنى الكلمة. حيث إن الجنوبيين هم الطرف الوحيد الذي يعاديهم المخلوع وحزبة والإخوان والحوثيون، فالجنوبيون بالنسبة لمنظومة الشر يعتبرون العدو المشترك ! وهذا ما لا يعرفه الكثير. لذلك، يجب ايجاد حل بين الفرقاء في شمال الوطن ومقاربة وجهات النظر في جنوبه ثم الجلوس إلى طاولة الحوار ليتسنى لليمنيين صنع شكلاً جديداً للدولة يرتضيه الجميع دون تدخل عتاولة الفساد وأمراء الحرب فيه. آملين أن تنتهي مفاوضات السلام في الكويت باستسلام الانقلابيين وتسليمهم لأدوات الشر والقتل وانسحابهم الكامل من المدن ليعيش الناس في سلام وأمان. * طالب العلوم السياسية بجامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©